بعد وصول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للعاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس الأربعاء 29 نوفمبر/تشرين الثاني، للمشاركة في "قمة العشرين" المنتظرة، لا تزال تطرح كثير من الأسئلة حول إصرار الأمير الشاب على حضورها في ظل تداعيات جريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي قبل نحو شهرين في قنصلية بلاده بإسطنبول.
فقد قدمت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الإثنين 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، طلباً لملاحقة ولي العهد السعودي في الأرجنتين، استناداً إلى بند الولاية القضائية الدولية في القانون الأرجنتيني. حيث تضمن الطلب مذكرة حول دور محمد بن سلمان في جرائم حرب محتملة ارتكبها التحالف بقيادة السعودية في اليمن، وأعمال تعذيب نفّذها مسؤولون سعوديون.
كما سلطت الشكوى الضوء على تورط ولي العهد السعودي المحتمل في مزاعم خطيرة تتعلق بتعذيب وإساءة معاملة مواطنين سعوديين، من ضمنها مقتل خاشقجي.
في سياق ذلك، يطغى التوتر الأمني على القمة المرتقبة، بحسبما ذكرت صحيفة The Guardian البريطانية، إذ إن التساؤل الذي يلوح حول قمة مجموعة العشرين، يتعلق بشأن حضور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي يتولى بنفسه الإشراف على الحرب الكارثية في اليمن، والذي توصلت أجهزة الاستخبارات الغربية بما في ذلك وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، إلى أنه مَن أصدر الأوامر بقتل الصحافي جمال خاشقجي.
يريد إخماد الشكوك حول "نبذه" خارجياً واحتمالات تغييره داخلياً
حول ذلك، ترى صحيفة independent البريطانية أنه كان بإمكان ولي العهد البالغ من العمر 33 عاماً إلغاء رحلته إلى قمة العشرين، كما ألغى والده الملك سلمان حضوره إليها العام الماضي في هامبورغ بألمانيا، وأرسل بدلاً عنه حينها وزير المالية في أعقاب أزمة حصار قطر.
لكن يبدو أن ولي العهد أراد أن يتحمل هذه المرة بعض المخاطر في سبيل المراهنة على أن قراره بالحضور "سيؤتي ثماره"، حتى إنه وصل في وقت مبكر من موعد القمة المزمع عقدها الجمعة 30 نوفمبر/تشرين الثاني.
إذ تعتبر قمة مجموعة العشرين فرصة للقاء أغنى قادة العالم، وكبار مديريهم ووزراء ماليتهم، لمناقشة التجارة العالمية وإدارة النظام الاقتصادي العالمي، وعقد الصفقات الضخمة، وعليه، لن يفوت الأمير الشاب هذه الفرصة للقاء قادة العالم هؤلاء، والظهور معهم بمظهر القائد الطموح الناجح الذي يريد أن يحقق أكبر النجاحات لاقتصاد بلاده.
لكن، يبدو أن آمال ولي العهد ستبوء بالفشل، إذ نشرت وكالة الأنباء الفرنسية عن مسؤولين مقرّبين من محمد بن سلمان، أنهم يستعدون لاستقبال "بارد" محتمل له في قمة العشرين، إذ سيكون في مواجهة مسؤولين وزعماء أدانوا بشدة قتل خاشقجي، كما أن بعضهم تحرك باتجاه خطوات أكثر حدية مع الرياض، مثل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس الوزراء الهولندي مارك روتي، اللذين علقا مبيعات الأسلحة للسعوديين.
كما سيواجه الأمير الشاب كذلك، جاستين ترودو، رئيس وزراء كندا، الذي قطعت الرياض معه العلاقات التجارية وطردت سفير بلاده لديها بعد توجيه ترودو انتقادات لانتهاكات حقوق الإنسان في المملكة، مما أثار غضب الأمير الشاب.
وتشير الصحيفة البريطانية إلى أن ولي العهد السعودي حريص بشدة على القيام بهذه الرحلة، كمحاولة تأكيد منه على تجاوزه للعاصفة بُعيد قضية خاشقجي. كما أنه يحسب أن هيبة الظهور بين قادة العالم في الصور والمصافحات تفوق مخاطر مواجهة أي محاولات شعبية احتجاجية على حضوره في الأرجنتين، أو أي إمكانية ضئيلة نسبياً للقبض عليهم بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين اليمنيين.
وبالطبع، فإن تصويره خلال مصافحة زعماء العالم، لا يؤدي فقط إلى ترسيخ مكانته الدولية وإخماد أي شكوك حول ما إذا كان قد أصبح منبوذاً أمام قادة العالم، وأمام المشرعين في الولايات المتحدة الذين يحاولون ذلك بالفعل. بل إنه قد يخمد أي حديث عن استبداله بكونه وريث العرش السعودي بعد رحيل الملك سلمان.
لكن "المخاطرة" بحضوره ستعمّق من مشاكله
في السياق، يقول كينيث روث المدير التنفيذي لـ "هيومن رايتس ووتش" في مقالة نشرها أمس بصحيفة washington post، إن زيارة ولي العهد السعودي للأرجنتين تبدو فجأة وكأنها تعمق مشاكله وتزيدها بدل أن تدفعه إلى الأمام وتلمع من صورته.
ويشير روث إلى أن جولة محمد بن سلمان الأخيرة في بعض الدول العربية التي سبقت حضوره لقمة العشرين، هي محاولة واضحة لتجميل سمعته عالمياً، بعد مرور شهرين "سيئين" عليه، منذ حادثة خاشقجي.
ويرى روث أن خطوة "رايتس ووتش" بتقديم طلب ملاحقة محمد بن سلمان قضائياً وتفاعل النيابة العامة الأرجنتينية بتحريك الطلب، هو تأكيد على أن حتى المسؤولين الأقوياء مثل ولي العهد السعودي ليسوا فوق القانون، مشيراً إلى بعض المسؤولين يرتكبون الفظائع ظناً منهم أنهم سيفلتون من العقاب، ولن يستطيع أحد محاسبتهم.
إلى ذلك، تقول الأستاذة في جامعة واترلو الكندية بسمة المومني لوكالة الأنباء الفرنسية، إن قادة غربيين لن يرغبوا في الظهور مع الأمير السعودي، وأنه قد لا يكون ممكناً تجنب الصور الجماعية، لكن القادة الليبراليين الديمقراطيين مثل قادة ألمانيا وكندا لن يرغبوا في الظهور وهم يصافحونه، مشيرة إلى أن ولي العهد السعودي يحاول الآن أن يظهر للجمهور في الداخل والخارج على أنه غادر القصر، لكنه واثق من عودته للسيطرة عليه، دون خوف أو تردد، مضيفة: "يريد أن يثبت أنه هنا ليبقى لعقود كحاكم مستقبلي للسعودية".