قالت مصادر خاصة لموقع Middle East Eye البريطاني السبت 24 نوفمبر/تشرين الثاني إن رجل الأعمال اللبناني-الأميركي المثير للجدل والشاهد في تحقيقات مولر جورج نادر، عاد إلى مزاولة عمله في الشرق الأوسط.
وبحسب الموقع البريطاني، خلال زيارةٍ إلى بغداد قبل أسبوعين، أجرى جورج نادر -المُتحرِّش جنسياً بالأطفال والمُدان بحكم محكمة- اتصالاته مع عددٍ من أرفع المسؤولين العراقيين، واستُضيف داخل منزل زعيمٍ شيعيٍ كبيرٍ له صلاتٌ وثيقة بإيران، وفقاً لما أورده المصدر.
وتأتي زيارة نادر في الوقت الذي تبرز فيه العراق كأحدث ساحة قتالٍ بين قطر من جهة والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية من جهةٍ أخرى، وسط نزاعٍ مُطَوَّلٍ دَمَّر جميع العلاقات الدبلوماسية بين تلك البلدان.
وفي محاولةٍ لكسب النفوذ داخل العراق ذات الموقع الاستراتيجي، أغرق المتنافسون الخليجيون الثلاثة البلاد بملايين الدولارات الأميركية في صورة مشاريع الإعمار ودعم الأحزاب السياسية والساسة طوال الأشهر الماضية، بحسب تصريحات ثلاثة مراقبين واستشاريين سياسيين عراقيين لموقع .
ويتزامن صراعهم على النفوذ مع نية الحكومة العراقية، في أعقاب الهزيمة العسكرية لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، البدء في تحدي إعادة إعمار البلاد بعد أربعة عقودٍ من الصراع والعقوبات.
يقول أنس التكريتي، البريطاني-العراقي الذي يرأس مؤسسة قرطبة، المجموعة الاستشارية البحثية ومقرها المملكة المتحدة: "لا يتعلق الأمر بالعقود، بل بمداها. إذ يُعتبر موقع العراق مثالياً لأولئك الراغبين في فرض أي نوعٍ من النفوذ على المنطقة".
نادر عاد للساحة مجدداً
وتعود تلك الرحلة بنادر -مستشار ولي عهد الإمارات محمد بن زايد آل نهيان- من جديد إلى الساحة عَقِب بروزه في وقتٍ سابق من العام الجاري كشخصيةٍ رئيسيةٍ في تحقيق مولر، الذي يسعى لكشف حقيقة محاولة الدول الأجنبية التأثير على الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016.
وتشير تقارير إلى أن مولر استجوب رجل الأعمال -البالغ من العمر 58 عاماً- بشأن ما إذا كانت الإمارات قد ضخَّت أموالاً لأعضاءٍ في إدارة ترامب من أجل كسب تأييدهم، وخاصةً في صراعهم مع قطر. ويُقال إن نادر تعاون مع مولر في مقابل الحصانة.
والأمر الذي يجعل نادر مُثيراً لاهتمام مولر هو دوره على مدار أكثر من عِقدٍ كاملٍ كوسيطٍ إقليميٍ ومُنَظِّمٍ ومُشاركٍ في الاجتماعات التي يُمكن أن تتحوَّل الآن إلى نقاطِ بياناتٍ في التحقيق.
وكما أفاد موقع Middle East Eye سالفاً، نظَّم نادر قمةً للزعماء العرب أواخر عام 2015، حين التقوا على يختٍ وسط البحر الأحمر من أجل التخطيط لكيفية استبدال مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية.
ورتَّب أيضاً في مارس/آذار عام 2017 اجتماعاً مع مسؤولي الاستخبارات السعودية، حيث عرض هو وعددٌ من رجال الأعمال خلال اللقاء خطةً بتكلفة 2 مليار دولار أميركي لتخريب الاقتصاد الإيراني، وفقاً لما أوردته صحيفة New York Times الشهر الجاري.
وخلال اللقاء، سأل المسؤولون السعوديون عمَّا إذا كان نادر وغيره من رجال الأعمال الحاضرين على استعدادٍ لاغتيال مسؤولين إيرانيين كبار، بحسب التقارير. فأجابوا بأن عليهم استشارة محاميهم الذي نصحهم بعدم المشاركة في الأمر.
"أدوارٌ كثيرة"
وخلال زيارته الأخيرة لبغداد، قال المصدر إن نادر التقى بالرئيس العراقي المُنتَخَب حديثاً، برهم صالح، ورئيس الوزراء، عادل عبد المهدي.
ووفقاً لاثنين من مصادرنا، أقام نادر أيضاً داخل منزل عمار الحكيم زعيم تيار الحكمة الوطني، وهو حزبٌ سياسيٌ شيعي. وذكر موقع Middle East Eye في وقتٍ سابقٍ من العام الجاري أن الحكيم كان بمثابة حلقة الوصل بين نادر والحرس الثوري الإيراني، الذي استغل نادر في نهاية المطاف لتمرير الرسائل إلى دول الشرق الأوسط، بحسب الموقع البريطاني.
وطلب موقع Middle East Eye من المتحدث باسم صالح التعليق على لقائه بنادر في ثلاث مناسباتٍ مختلفة، لكنه لم يتلق رداً. وقال محامي نادر، سانديب سافلا، في محادثةٍ هاتفيةٍ إنه سيأخذ تساؤلات Middle East Eye بعين الاعتبار، لكنه لم يرسل رداً على الأسئلة التي وصلته بالبريد الإلكتروني.
ونفى محمد الراضي، المستشار المقرب للحكيم، زيارة نادر للحكيم خلال الأسابيع أو الأشهر الماضية.
وقال الراضي: "جورج نادر رجل أعمال يتلقى زياراتٍ في كلِّ مكان. ولم يحدث مثل ذلك اللقاء منذ أسبوعين".
واعترف الراضي بالأزمة بين دول الخليج، لكنه قال إن تيار الحكمة لم يحصل على أيِّ أموالٍ منهم، ولم يُطلَب منه تغيير موقفه السياسي ليتناسب مع إحدى تلك الدول. وأضاف: "أؤكِّد لكم أنه ليست هناك اتفاقاتٌ خفية".
وعلاوة على ذلك، فقد نفى التقارير التي تشير إلى أن الحكيم ساعد في إنشاء قناةٍ خلفيةٍ بين الحرس الثوري الإيراني والدول الخليجية، باستخدامِ نادر كوسيط.
وتابع حديثه عن الإيرانيين والإماراتيين والسعوديين، قائلاً: "لا يحتاجون مثل تلك القناة. لديهم قنواتهم الخاصة، وعددها كبيرٌ للغاية".
صراعٌ على النفوذ
وعلاوة على تقديم الأموال إلى الجماعات السياسية والساسة، استثمرت دول الخليج في صفقاتٍ تجاريةٍ ضخمةٍ تزدهر الآن داخل العراق في ظل توجيه اهتمام الحكومة إلى إعادة الإعمار بُعيد هزيمة داعش.
وقال الرئيس العراقي برهم صالح في خطابه أمام الجمهور بمنتدى حوارات المتوسط الذي أُقيمَ في روما يوم الخميس 22 نوفمبر/تشرين الثاني: "يزخر العراق بموارد طبيعية ضخمة ومياه وأراضٍ خصبة، بالإضافة إلى موقعٍ جيوسياسيٍ حيويٍ يُمكن أن يتحوَّل إلى مركزٍ للتجارة الإقليمية والوساطة الاقتصادية. لكن عقوداً من الحرب والعقوبات والصراع وسوء الإدارة الاقتصادية والفساد تسبَّبت في تحويل العراق إلى دولةٍ ريعيةٍ من الدرجة الأولى. وهو الوضع الذي لا يُمكن أن يستمر بكل بساطة".
ويقول التكريتي إن جاذبية الاستثمار في العراق قويةٌ للغاية: "الجميع يرغب أن يكون جزءاً من العراق الذي يتجِّه نحو بعض الاستقرار. ستكون هناك مشاريع إعادة إعمارٍ ضخمة، كدليلٍ على عودة الحياة الطبيعية".
لكن تكدُّس التدفقات النقدية هو في الأصل صراع على النفوذ الجيوسياسي، وتُعَدُّ دولة العراق جوهرة التاج في المنطقة كما وصفها التكريتي.
وتساءل سلوم والتكريتي عن مدى تورُّط الأميركيين في الصراع الخليجي بالعراق، نظراً لعلاقات نادر مع كبار المسؤولين الأميركيين.
يقول التكريتي: "إذا كانت السعودية تمتلك قاعدةً صلبةً في العراق، فلابد أن الأميركيين يمتلكون قاعدةً صلبةً داخل العراق. وعوضاً عن قيام الأميركيين بإرسال جنودهم، يمكنهم الحفاظ على حلقةِ وصلٍ جيدة حتى لا يُضطروا للتواجد بعددٍ كبيرٍ من شأنه أن يُكلِّفهم الأرواح".
ولن يكون هذا مشروع نادر الأول داخل العراق: في عام 2012، أدَّى دور المستشار غير الرسمي لرئيس الوزراء العراقي حينها، نوري المالكي، وساعده بالتوسُّط في صفقة أسلحة بقيمة 2.4 مليار دولار بين العراق وروسيا.
ويُقال إن الصفقة فشلت حين تزايدت شكوك الروس في الوسيط، وطالبوا بالتعامل مع المالكي مباشرةً. وتمت الموافقة على الصفقة أواخر عام 2012، لكنها أُلغِيَت بعد عدة أشهرٍ نتيجة مخاوف متعلِّقة بالفساد.
ولا يعتقد سلوم أن تاريخ نادر السابق أو أخباره السيئة في الصحافة مؤخراً ستُشكِّل مُعضِلةً بالنسبة له داخل العراق. بل يرى أنه سيزدهر في ظل الجدل المُحيط به.
وأضاف: "يقف نادر في وضعٍ مثاليٍ للوساطة في الصفقات بين الأحزاب السياسية العراقية (الشيعية) وميليشيا الحشد الشعبي، وحلفائهم الإيرانيين".