اعتبر موقع موقع Middle East Eye البريطاني، الجمعة 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، أن الحرب التي تقودها السعودية والإمارات في اليمن ليست من أجل إعادة شرعية الرئيس المعزول عبدربه منصور هادي بل من أجل محو تاريخ اليمن الذي لا تتمتع به السعودية.
وقالت الكاتبة غادة كرمي، الأكاديمية الفلسطينية في مقال في الموقع البريطاني، إن الحرب في اليمن التي دخلت عامها الرابع تهدف إلى تدمير البلاد والعباد، وليس لإعادة الشرعية التي سيطر عليها الحوثيون قبل عدة أعوام.
وتابع المقال: ظاهرياً، تُخاض الحرب من أجل إعادة الرئيس اليمني المعزول عبدربه منصور هادي إلى الحكم، والذي فرَّ إلى السعودية في أعقاب استيلاء الحوثيين على العاصمة صنعاء في 2014. وتهدف الحرب أيضاً لإحباط خطة إيران المزعومة لبسط سيطرتها على مختلف أنحاء اليمن عن طريق استخدام المتمردين الحوثيين وكلاءً لها.
لكن تلك الدوافع المُفتَرَضة لا يسعها تفسير ضراوة الوحشية العشوائية لهجوم التحالف على اليمن. لِم كان ضرورياً قصف البلاد بقوة تعيدها إلى العصر الحجري واستهداف المدنيين لضمان ألا تتعافى قبل قرن؟ للإجابة على هذا السؤال، يجب أن نفهم التاريخ العربي والمكانة الصغيرة التي حظيت بها السعودية فيه.
حضارات مزدهرة
وفي العصور القديمة، كان اليمن موطناً للعديد من الحضارات المزدهرة. فنشأت على أراضيه 6 ممالك على الأقل منذ القرن الثاني عشر قبل الميلاد فصاعداً، واتخذت تلك الممالك مقرات لها في معين وقتبان وحضرموت وأوسان وسبأ وحمير. كانت المملكة الأبرز هي مملكة سبأ، التي استمرت لـ11 قرناً وكانت واحدة من أهم الممالك في الشرق الأدنى.
وتربط الأسطورة الشعبية مملكة سبأ، التي ورد ذكرها في القرآن، بالملكة بلقيس. اتخذت سبأ من مأرب عاصمةً لها، حيث بنى السبئيون سداً منيفاً كان أعجوبة للهندسة القديمة. وطوروا نظام ري متقدماً من خلال شبكات قنوات المياه ومساحات كبيرة من الأراضي الزراعية.
وبحلول عام 700 قبل الميلاد، امتد حكم مملكة سبأ إلى معظم جنوب شبه الجزيرة العربية. وقامت حضارتها الباهرة على تجارة التوابل من اللبان والمُرّ (صمغ) التي توسَّع فيها السبئيون من خلال شبكات التجارة التي وصلت بعيداً إلى الصين والهند والشرق الأدنى. ولتسهيل تلك التجارة، بنى السبئيون سلسلة من المستعمرات على طريق البحر الأحمر حتى الشرق الأدنى، وسيطروا على مضيق باب المندب حتى المحيط الهندي ومنطقة القرن الإفريقي. وجديرٌ بالذكر أنَّه عُثِر على بقايا الفن والمعمار السبئي في مناطق بعيدة بلغت حتى شمال إثيوبيا.
ومع بزوغ فجر الإسلام، اضطلعت القبائل اليمنية بدورٍ رئيسي في الفتوحات العربية في مصر والعراق وبلاد فارس وبلاد الشام. وبحلول القرن الثالث عشر، كانت باليمن ثقافة إسلامية مزدهرة، إلى جانب الكثير من مدارس ومراكز تعلُّم الإسلام. صاحب ذلك تطورٌ في المعمار المُميَّز الذي استند بشكلٍ كامل تقريباً إلى مواد بناء محلية، وكان فريداً في المنطقة العربية. وخير مثال على ذلك مدينة صنعاء القديمة، التي يرجع تاريخها إلى القرن المسيحي الأول، بحسب المقال.
جذور متأصلة في التاريخ
وتابعت الكاتبة الفلسطينية: لكن بعكس تلك الإنجازات اليمنية الأسطورية، ما الذي لدى شمال شبه الجزيرة العربية، التي تُشكِّل السعودية الآن معظمها، لتقدمه ويمكن في الوقت نفسه مقارنته ولو من بعيد باليمن؟ حتى وصول الإسلام في القرن السابع، كان هذا الجزء من شبه الجزيرة العربية يخضع تقليدياً لحكم زعماء القبائل، التي كانت في المعظم معزولة وتعيش في ظلامٍ بعض الشيء، وبالتالي لم تتمكن أبداً من منافسة ممالك اليمن. وحتى بعد ظهور الإسلام، لم تقم الحضارة الإسلامية المجيدة في شمال شبه الجزيرة العربية، بل خارجها.
ومع أنَّ البنية الحالية لليمن تبدو حديثة، فإنَّ البلد متجذّرٌ في التاريخ. أما سعودية اليوم فهي كيان أحدث تماماً في نشأته من اليمن، إذ لم تُؤسَّس المملكة إلا في الثلاثينيات، في حين أنَّ نشأة الإمارات، رفيقة المملكة في التحالف، كان أحدث حتى من ذلك ويعود لعام 1971.
ولا تملك السعودية والإمارات تاريخاً أو ثقافة مدنية تُذكَر يمكنها أن تحمل مشعلاً لإرشاد الحضارات التي يتسبب قصفهما وحربهما باليمن في تدميرها. لقد مثَّل تدمير عائلة آل سعود، الذي جاء مدفوعاً بالالتزام بالمذهب الوهابي، للأبنية والمقابر والمعالم التاريخية في مكة والمدينة سابقةً خطيرة لما يحدث الآن في اليمن.
وقد أدَّت الحرب إلى انتشار الفقر وتفشي الأمراض في اليمن. وتُقدِّر الأمم المتحدة أنَّ 14 مليون شخص، أي نصف سكان اليمن، يواجهون خطر المجاعة. ووفقاً لمنظمة الأمم المتحدة الطفولة (يونيسف)، فإنَّ 1.8 مليون طفل يعانون تماماً من سوء التغذية، بينما يعاني 400 ألف منهم من سوء التغذية الحاد.
وأسفر القصف عن مقتل أكثر من 10 آلاف شخص، مُخلِّفاً وراءه 22 مليوناً -أي معظم سكان اليمن- في حاجة إلى المساعدات الدولية، وأدى إلى أكبر تفشٍ مُسجَّل لمرض الكوليرا على الإطلاق. ودُمِّرت نصف المرافق الطبية بالبلاد في حملة قصفٍ شنها التحالف واستهدفت البنية التحتية المدنية، بل والمدنيين أنفسهم في كثير من الأحيان.
ضرر يتعذَّر إصلاحه
وبحسب المقال فإن الضرر المادي الذي لحق البنية التحتية لليمن -بمدارس البلاد، ومستشفياتها، وأسواقها- كان جسيماً، لكن على الأقل يمكن بناؤه من جديد في وقت السلم. لكن لا يمكن قول الشيء ذاته عن الضرر الذي حلَّ بالعمارة التاريخية للبلاد ولا سبيل لإصلاحه. وقد وثّقت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) الآثار المدمرة للحرب على مدينة صنعاء القديمة، وطالت تلك الآثار مساجد المدينة وحماماتها والبيوت المبنية بالطوب اللبن التي تتميَّز بنوافذها المقوسة المُؤطَّرة بالجبس.
حدث الشيء نفسه لمدينة صعدة القديمة، وسد مأرب القديم، ومدينة براقش التاريخية، ومقابر حضرموت التي لا تُعوَّض. تلك الخسائر أبدية ودائمة.
وختمت الكاتبة الفلسطينية مقالها قائلة: بعد عمل مسحٍ لدرجة الموت والخراب غير المتناسبة هذه، لابد أن يتساءل المرء ما إن كان الدافع الحقيقي وراء حرب اليمن -تماماً كما هو الحال مع العداء السعودي العميق تجاه حضارة كبيرة أخرى هي إيران- هو الحسد المتأصل لمكانة تلك البلاد في التاريخ البشري.
وإذا كان الأمر كذلك، فإنَّ قصف اليمن حتى إخراجه من حيز الوجود لن يمحو ماضيه المجيد، ولن يمنح السعودية ما لم تملكه قط.