في الوقت الذي يحاول فيه محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، الهروب من عواقب قتل جمال خاشقجي، أُزيح الستار عمَّن تحرك لمساعدته. كان هناك عدد من حلفائه العرب مثل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي. وكان هناك انتهازيون أنانيون، مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بحسب صحيفة The Washington Post الأميركية.
وهناك كذلك بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الدولة التي لم تعترف السعودية بحقها في الوجود بعد.
أنت لا تظن أن إسرائيل، على النقيض من كل نظام ديمقراطي غربي، سوف تؤيد صراحة نسخة حديثة من صدام حسين، تتمثل في رجل شديد الخطورة لدرجة أن جماعات الضغط في شارع K ترفض أمواله. ومع ذلك، يظهر نتنياهو كصديق محمد بن سلمان المخلص.
صمتت الحكومة الإسرائيلية صمتاً جلياً لمدة شهر بعد اختفاء خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول. ثم، بعد يوم أو يومين من صدور تقارير تفيد بأن نتنياهو قد أجرى اتصالاً هاتفياً بالبيت الأبيض للضغط من أجل محمد بن سلمان، خرج عن صمته: ليقول: في حين "أن ما حدث في قنصلية إسطنبول كان مروعاً، ويجب التعامل معه على النحو الواجب، من المهم جداً لاستقرار العالم.. أن تظل السعودية مستقرة".
وتقول الصحيفة الأميركية: قد لا يكون معنى أن "يتعاملوا على النحو الواجب" مع خنق وتقطيع أوصال صحافي على يد فريق مكون من 15 شخصاً واضحاً، إلا أن السفير السفير الإسرائيلي في واشنطن رون ديرمر كان أكثر وضوحاً عندما قال: إن ذلك يعني أن الولايات المتحدة يجب ألا "تتخلى عن الأمير".
ما السبب وراء إلقاء طوق النجاة لهذا القاتل؟
وترى الصحيفة الأميركية أن أزمة خاشقجي، تهدد، بالنسبة بإفشال إستراتيجية إقليمية دقيقة تتمحور حول ولي العهد السعودي البالغ من العمر 33 عاماً، والرئيس ترمب. وتتمثل فكرتها في إقامة تحالف حقيقي بين إسرائيل والجيل الجديد من القادة في الشرق الأوسط، لمواجهة إيران -والاستعانة بالولايات المتحدة لتوفير المساعدة.
وكمنفعة جانبية، سيدعم محمد بن سلمان خطة ترمب للسلام في الشرق الأوسط، التي لم تتبد جوانبها بعد، والتي يبدو أنها تطمح إلى إجبار الفلسطينيين على قبول شروط إسرائيل.
حتى اختفاء خاشقجي، كان كل شيء يسير بسلاسة: انسحب ترمب من الصفقة النووية مع إيران وأعاد العقوبات الاقتصادية؛ وقَطَع المساعدات الأميركية عن اللاجئين الفلسطينيين في غزة بينما ينقل السفارة الأميركية إلى القدس؛ واستأنف دعم الولايات المتحدة لحملة القصف التي تشنها السعودية ضد المتمردين المدعومين من إيران في اليمن والتي أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف من المدنيين. وفي الوقت نفسه، تلقى نتنياهو دعوة لزيارة عمان، إحدى حلفاء السعودية.
لدى إسرائيل بطبيعة الحال تاريخ طويل من دعم "الطغاة المزعجين"، بحسب وصف الصحيفة الأميركية، وكذلك من يشغل المكتب البيضاوي.
ومشكلة نتنياهو، من وجهة نظر الصحيفة، هي أنه راهن بحماس على محمد بن سلمان وترمب، وأنه جازف كثيراً بالوقوف إلى جانب فاعلَين لا يتمتعان باستقرار كبير، واستقطب كل منهما نظامه السياسي.
كيف سيكون وضع محمد بن سلمان إن خرج سالماً من الأزمة؟
وترى الصحيفة الأميركية أنه إذا خرج محمد بن سلمان من الأزمة سالماً -وهو الاحتمال الأكثر ترجيحاً، بالنظر إلى أن إدارة ترمب مازالت تحافظ على التزامها تجاهه- فإنه سيصبح أضعف وأكثر حذراً.
وتتابع الواشنطن بوست: "لن يتمكن ولي العهد السعودي من تسليم الفلسطينيين لخطة ترمب للسلام. كما أن هناك فرصة جيدة للكونغرس في قطع المساعدات عن قصف اليمن".
وترى الصحيفة الأميركية أن سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب تسببت في إضعاف ترمب كذلك، ونتنياهو أيضاً. وما كان يظهر في السابق من دعم حزبيّ الولايات المتحدة لإسرائيل فإنه يختفي.
وفقاً لاستطلاع أجراه مركز Pew للأبحاث هذا العام، كان 18% فقط من الديمقراطيين ينظرون إلى نتنياهو نظرة إيجابية؛ بينما لم ينظر إليه ضعف هذه النسبة نظرة إيجابية. هذا مقارنة مع 52 % من الجمهوريين الذين أبدوا ترحيبهم بالزعيم الإسرائيلي.
في حين أن الزعماء الديمقراطيين الرئيسيين في مجلس النواب القادم، بما في ذلك الرئيسة المحتملة لمجلس النواب، نانسي بيلوسي (النائبة عن ولاية كاليفورنيا) ورئيس لجنة الشؤون الخارجية إليوت إنجل (النائب عن ولاية نيويورك)، هم من أكبر الداعمين لإسرائيل، فإن العديد من النواب العاديين لن يكونوا كذلك.
وترى الصحيفة الأميركية أن الكثير من الجمهوريين والديمقراطيين سوف يتصدون لالتماسات نتنياهو التي يقدمها بالنيابة عن محمد بن سلمان. وبدلاً من ذلك، فإن مشهد الزعيم الإسرائيلي وهو يضغط من أجل تبرئة زعيم عربي من تهمة القتل، لن يؤدي إلا إلى مضاعفة الضرر الذي ألحقه بعلاقة بلاده مع الولايات المتحدة.