تستعد العلاقات السعودية الأميركية لأن تصبح أكثر توتراً في أعقاب سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب، بعد انتصارهم في انتخابات التجديد النصفي التي جرت الأسبوع الماضي، بالإضافة إلى الجهود التركية المتزايدة للضغط على المملكة في قضية مقتل خاشقجي .
وحسب موقع Lobelog الأميركي، فإنه لمواجهة ضغوط أميركية محتملة، تبحث المملكة فرص تنويع مُورِّديها من الأسلحة وبناء صناعة دفاعية محلية، وتحشد أسلحتها في الداخل من خلال المساعدات المالية والمشروعات التنموية الجديدة لتعزيز الدعم المحلي لولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
نتائج انتخابات التجديد النصفي عززت مخاوف السعودية
وكان انتصار الديمقراطيين في الانتخابات الأخيرة قد عزَّز المخاوف السعودية من أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد تضغط على المملكة للتراجع عن القضايا الرئيسية مثل حرب اليمن التي أثارت أسوأ أزمة إنسانية في العالم منذ الحرب العالمية الثانية والحصار الاقتصادي والدبلوماسي الذي تقوده السعودية مع الإمارات على قطر.
ويرى مسؤولون أميركيون أن السياسات السعودية تُعقِّد جهودهم لعزل إيران وعرقلتها اقتصادياً.
وأكد المسؤولون أن مقاطعة قطر وتداعيات مقتل خاشقجي يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول يشكلان عقبات أمام إنشاء تحالف مسلم سني ضد الجمهورية الإسلامية، فيما يطلق عليه الناتو العربي.
بالإضافة إلى تحقيق الأهداف الأميركية الأخرى في الشرق الأوسط، بما في ذلك مكافحة العنف السياسي وضمان التدفق الحر للنفط.
بالإضافة إلى ذلك، قال مسؤولون إسرائيليون إنهم تخلوا عن فكرة إنشاء تحالف مسلم سني تتوافق مصالحه مع مصالح الدولة اليهودية، وإنهم ينظرون إلى علاقاتهم الناشئة مع دول الخليج بشكل متزايد في صورة شروط معاملات.
مع العلم أن إدارة ترمب أعربت عن مخاوفها حتى قبل قضية مقتل خاشقجي
ووفقاً لوكالة رويترز، كتب جون بولتون مستشار الأمن القومي الأميركي خطاباً إلى وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ووزير الدفاع جيم ماتيس، جاء فيه: "شركاؤنا الإقليميون يتنافسون بشكل متزايد، وفي حالة استمرار مقاطعة قطر؛ فإنهم سيدخلون في منافسة مباشرة على حساب المصالح الأميركية ولصالح كل من إيران وروسيا والصين".
ومع توقع أن يصبح مجلس النواب أكثر صرامة بشأن بيع الأسلحة للمملكة، وربما يذهب إلى فرص حظر على بيع الأسلحة لها بسبب الأزمة الإنسانية في اليمن التي سببتها العمليات العسكرية السعودية والإماراتية، لم تهدر السعودية أي وقت في البحث عن موردين أسلحة بدلاء.
ما جعل الرياض تبحث عن موردين بدلاء للسلاح الأميركي
وفي اعتراف واضح بأن الجيش السعودي -الذي يعتمد على شراء الأسلحة الأميركية والأوروبية- سيجد صعوبة في التحول بسرعة إلى أحد النظامين الروسي أو الصيني، يبدو أن السعودية تركز الآن على إيجاد موردين بدلاء في الغرب.
قد يكون ذلك محفوفاً بالمخاطر، إذ تسيطر المشاعر المعادية للسعودية بسبب حرب اليمن على البرلمانات والدول الأوروبية مثل إسبانيا وألمانيا، التي تتأرجح بين توقيع العقوبات أو التلويح بفرض قيود على بيع الأسلحة للمملكة.
ومع ذلك، تعاقدت السعودية خلال الأيام الأخيرة مع شركة بناء السفن الحربية الإسبانية نافانتيا للاشتراك في بناء خمس سفن حربية للقوات البحرية السعودية، وعرضت على شركة دينيل الجنوب إفريقية لصناعة الأسلحة مليار دولار أميركي لمساعدة المملكة في تدشين صناعة دفاعية محلية.
وتعني الشراكة مع دينيل أن السعودية ستستحوذ على حصة بسيطة في شركة راينميتال الألمانية للصناعة الدفاعية، التي تصمم مركبات قتالية مدرعة ومدافع الهاوتزر.
لكن، هل يلبي الموردون الجدد حاجيات السعودية بالكامل؟
ومع تعثر بيع ذخائر أميركية موجهة بدقة بسبب رفض الكونغرس، تدخلت إسبانيا لتلبية حاجة السعودية العاجلة. ولكن السؤال هو ما إذا كانت إسبانيا قادرة على تلبية حاجات السعودية بالكامل.
وقد مهد الرفض الأميركي بالفعل لمشاركة أحدث تقنياتها للطائرات بدون طيار -قبل أزمة الخليج وحادثة خاشقجي- الطريق أمام اتفاق صيني لافتتاح أول منشأة إنتاج دفاعية لها في الخارج بالمملكة.
وستصنع شركة العلوم الجوية والتقنيات الفضائية الصينية المملوكة للدولة طائرتها بدون طيار CH-4 Caihong، التي يطلق عليها طائرة الرينبو، بالإضافة إلى المعدات المرتبطة بها في السعودية. وتعد طائرة CH-4 مماثلة للطائرة الأميركية بدون طيار MQ-9 ريبر.
وتخشى السعودية أن سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب قد تعزز معارضة اتفاقية الطاقة النووية مع المملكة. وكان خمسة أعضاء في مجلس الشيوخ من الحزب الجمهوري قد دعوا الرئيس ترمب قبل أيام من انتخابات التجديد النصفي إلى تعليق المباحثات مع السعودية.
وبمرور الوقت، سيخدم تطوير صناعة دفاعية جهود الأمير محمد بن سلمان لتنويع الاقتصاد السعودي وخلق فرص العمل، وهو ما سيساهم فيه أيضاً افتتاح الملك سلمان بن عبد العزيز 259 مشروعاً تنموياً بقيمة 6.13 مليار دولار في مجالات السياحة والكهرباء والبيئة والمياه والزراعة والإسكان والنقل والطاقة.
وأعلن العاهل السعودي عن إطلاق هذه المشروعات خلال زيارة قصيرة إلى عدد من المدن السعودية بهدف تعزيز الدعم لنظامه ولابنه الأمير محمد.
وقد لجأت القيادة إلى كسب تأييد شعبي لمواجهة أي توتر في العلاقات السعودية الأميركية
من ناحية أخرى، يمثل قرار الحكومة السعودية الأخيرة بإعادة صرف العلاوات والبدلات السنوية لموظفي الحكومة والعسكريين دون ربطها بالأداء محاولة لكسب تأييد شعبي يتعارض مع نية بن سلمان لتقليل البيروقراطية وتحفيز المنافسة.
أُوقِفَ صرف العلاوات عام 2016 في جزء من إجراءات التقشف، قبل أن يُعاد صرفها العام الماضي وربطها في مايو/أيار الماضي بالأداء الوظيفي.
وفي خطوة أخرى لكسب التأييد الشعبي، أصدر الملك سلمان عفواً عن السجناء الذي يقضون فترات عقوبة بسبب تهم مالية ووعد بسداد ديون تصل إلى 267 ألف دولار عن كل منهم.
ويبدو أن خطوات الملك سلمان تهدف إلى تقليل الاعتماد السعودية على مبيعات الأسلحة الأميركية وتشكيل جبهة موحدة ضد أي محاولة لتوريط الأمير محمد بن سلمان في مقتل خاشقجي.
خاصة في ظل إصرار الرئيس التركي على تورط أعلى المستويات في قتل خاشقجي
وتأتي هذه الخطوات في الوقت الذي يصر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن الأمر بقتل خاشقجي صدر من أعلى المستويات في الحكومة السعودية، وتطالب إدارة ترمب السعودية باتخاذ إجراء ضد الجناة والمسؤولين عن الحادث.
قد لا يؤدي فشل السعودية في اتخاذ إجراءات ذات مصداقية إلى تقويض جهود الملك سلمان لحشد أسلحته في الداخل، لكنه لن يفعل الكثير لإضعاف الدعوات في واشنطن والعواصم الأوروبية لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة في محاولة لإجبار السعودية على إثبات عدم تورطها في قضية خاشقجي واتباع نهج يميل أكثر إلى التسوية لإنهاء حرب اليمن وحل أزمة الخليج.