قال موقع AL-Monitor الأميركي، إن السلطات المصرية تعتمد على السجون من أجل مكافحة ارتفاع أسعار التجزئة وتعزيز الناتج المحلي الإجمالي عن طريق إضفاء بُعدٍ آخر وهو تحويل السجون إلى مراكز إنتاجٍ لمجموعة من المنتجات الاستهلاكية.
وتمشياً مع مبدأ "الإصلاح والتأهيل" الذي يدعو له الدستور المصري، فإنَّ الحرفيين والنجارين والمزارعين والأطباء والبيطريين وصانعي الأحذية وغيرهم الكثير من المحكوم عليهم، لديهم الفرصة للعمل وجني المال وإعالة عائلاتهم بينما هم خلف قضبان السجون، وفق تقرير نشره موقع Al-Monitor الأميركي.
ينتج السجناء المصريون الأثاث الخشبي والمعدني، والسجاد، والأحذية، والملابس، ومياه الشرب المعبأة، والدواجن، والخضراوات الطازجة، والفاكهة، واللحوم، والسمك، ومنتجات الألبان.
وكان الرئيس الراحل أنور السادات أصدر مرسوماً عام 1978 لإنشاء صندوق لمرافق الإنتاج التابعة للسجون، من أجل تدريب السجناء على ممارسة مهن مختلفة. وتُباع معظم المنتجات للجمهور في مختلف أنحاء البلاد عن طريق منافذ تابعة لوزارة الداخلية.
السجناء يساهمون في النمو الاقتصادي
موقع AL-Monitor يقول تُشتهر السجون المصرية، شأنها شأن الكثير من السجون، بالوحشية والعنف، لكنَّ الخبراء الأمنيين يقولون إنَّ هذا البرنامج من شأنه تطوير مهارات السجناء، الذين يساهمون بدورهم في النمو الاقتصادي للبلاد.
اللواء حسن السوهاجي، وهو المدير السابق لمصلحة السجون المصرية، قال لموقع Al-Monitor الأميركي: "يبرز سجن المرج الموجود في محافظة القليوبية (شمال شرقي القاهرة) باعتباره أكبر منتِج للأثاث والثروة الحيوانية والمنتجات الغذائية. ويعمل السجناء تحت إشراف كامل من المهندسين والفنيين المحترفين الذين هم في الوقت نفسه ضباط شرطة متخصصون أيضاً".
وقال إنَّ وزارة الداخلية تطبق سياسة تقوم على الإصلاح وإعادة التأهيل، ترمي إلى تحويل السجناء إلى مواطنين صالحين، من أجل عائلاتهم والبلد بأسره.
السوهاجي أضاف: "يحظى السجناء بفرصة للحصول على تدريبٍ كافٍ على حرفة بعينها لتساعدهم على كسب العيش بعد الإفراج عنهم. فضلاً عن حصولهم على راتب شهري من صندوق التصنيع والإنتاج للسجون مقابل عملهم في تلك المنشآت".
وأشار: "تتمتع المنتجات التي يصنعها السجن بجودة عالية وأسعار أقل. وهذا يخدم المصلحة العليا للمستهلكين للتصدي لارتفاع الأسعار".
ميزانية الداخلية تصل لـ26 مليار جنيه مصري
خصَّصت ميزانية الدولة 26.15 مليار جنيه مصري (1.4 مليار دولار) لوزارة الداخلية للسنة المالية 2017-2018، التي انتهت في 30 يونيو/حزيران الماضي. وبلغ إجمالي المبالغ المخصصة لصندوق تصنيع وإنتاج السجون من إجمالي هذا المبلغ 84 مليون جنيه مصري (4.6 مليون دولار).
يمتد برنامج إنتاج السجون أيضاً ليطال سجون النساء. قال السوهاجي: "تنتج سجون النساء الملابس المصنوعة يدوياً، والأقمشة والملابس الكتانية، والملاءات، بالإضافة إلى منتجات الألبان والعسل".
وأضاف: "تضطلع السجون المنتجة بدورين اقتصادي واجتماعي".
يحصل السجين العامل على مرتب شهري يصل إلى 6 آلاف جنيه شهري (حوالي 330 دولاراً)، وذلك حسبما نقلت جريدة أهل مصر، في 31 أكتوبر/تشرين الأول، عن اللواء زكريا الغمري، مساعد وزير الداخلية لقطاع السجون.
وذكرت صحيفة الأهرام المسائي، أنَّ اللواء زكريا الغمري مساعد وزير الداخلية لقطاع السجون، قال في 22 أكتوبر/تشرين الأول: "ينتج قسم الثروة الحيوانية للسجون التابع لصندوق تصنيع وإنتاج السجون حوالي 150 مليون بيضة سنوياً. كما يمتلك القسم مصنع الأعلاف الخاص به".
انتشار أكشاك منتجات السجون
بحسب ما قال المُعلِّم أيمن عبد الظاهر أصبح التسوق من الأكشاك التي تُباع فيها المنتجات الغذائية المصنوعة في السجون عادةً يومية بالنسبة للجمهور، ويرجع ذلك إلى الأسعار المعقولة للمنتجات مقارنةً بمتاجر السوبرماركت وسلاسل المحلات التجارية وحتى محلات البقالة في الأحياء.
وصرَّح عبدالظاهر لموقع Al-Monitor قائلاً: "تُباع الخضراوات والفواكه بأسعار أقل بنسبة 30% على الأقل من متوسط أسعار السوق. يصطف الناس أمام شاحنات الخضراوات والأكشاك وغيرها من منافذ بيع المنتجات التي تنتجها السجون، بدءاً من الثامنة صباحاً. وما يلبث أن يحل الظهر حتى تكون معظم البضاعة قد بيعت".
وعزا الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك إلى ارتفاع أسعار الخضراوات والفواكه بنسبة 17.2% و7.4% على التوالي.
في المجمل، ارتفع مؤشر أسعار المستهلك 2.6%، مقارنةً بشهر أغسطس/آب، ووصل إلى 302.7 في سبتمبر/أيلول الماضي.
وبلغ معدل التضخم السنوي، في سبتمبر/أيلول الماضي، 15.4%، منخفضاً بصورة كبيرة عن معدل 32.9% في نفس الفترة من العام السابق، لكنَّه جاء مرتفعاً عن مستويات أغسطس/آب 2018، حين بلغ معدل التضخم 13.6%.
السجون المنتجة جزء من خطة الحكومة للإصلاح الاقتصادي
يقول خبراء، وفقاً لموقع Al-Monitor، إنَّ السجون المُنتجة تتماشى مع برنامج الحكومة الشامل للإصلاح الاقتصادي مُشيرين إلى الحاجة لزيادة الإنتاج، خصوصاً الإنتاج الغذائي.
قد تُعتَبر السجون وحدات اقتصادية مملوكة للدولة، لها عمالة وأرض ورأس مال وتنظيم (عناصر الإنتاج). لكنَّ أحد الاقتصاديين قال إنَّ السجن ينبغي أن يعمل بانسجامٍ مع القطاع الخاص.
فقال الاقتصادي محمد عاصم لموقع Al-Monitor: "توجد مساحة كافية للورش والمزارع والمصانع. وقد يضم سجناء مهنيين، وحرفيين، وعمالاً في العموم، وحدادين، وفنّيي آلات، ونجارين، ومزارعين. تُنظِّم السلطات هذه المنشآت وتشرف عليها باعتبارها مشروعاً، وتُطبِّق عليها معادلة العرض والطلب".
إذاً هل تُوجِد هذه المنتجات الأرخص سوق تجزئة أقل تنافسية؟
قال عاصم: "تُطبِّق السجون استراتيجية إنتاج واسعة، خصوصاً للمنتجات الغذائية، التي يوجد طلب كبير عليها في مصر. وعادةً ما تدفع الأسعار الأقل القطاع الخاص للبحث عن سبل لتخفيض التكاليف. والتنافسية باقية سليمة كما هي بفضل السوق الضخمة في البلاد وعدد السكان المتزايد".
علاوة على ذلك، الإنتاج الذي يحدث في السجون ليس موسمياً، وبالكاد يتأثر بمناخ الأعمال العام.
وأضاف: "بعكس القطاع الخاص، لا تتأثر وحدات السجون الاقتصادية بمزاج الأعمال المحلي. فالقول الفصل هو للطلب العالي على المنتجات الأرخص، الذي يقود تلك الوحدات لزيادة الإنتاج عاماً بعد عام".
لكنَّ عاصم يُشدِّد على أنَّ السجون كوحدات اقتصادية لا يجب أن تصبح منافسةً للقطاع الخاص في المدى الطويل.
وأردف: "الحكومة تُحرِّر الاقتصاد لتعزيز مناخ الأعمال وتعزيز ريادة الأعمال. وينبغي تذليل كل العقبات التي تواجه القطاع الخاص. فالمشروع الخاص هو جوهر وجود اقتصاد صديق للسوق"