يحمل اليمني محمد حميد آمالاً كبيرة في أن يتوقف القتال الدامي الذي يعصف ببلده الفقير، بعد تزايد الضغوط على السعودية لإنهاء الحرب في اليمن ، عقب مقتل الصحافي "جمال خاشقجي" في قنصلية بلاده بإسطنبول التركية.
وتصاعدت الأصوات الحقوقية الدولية المنددة بالهجمات الجوية التي يشنها التحالف السعودي الإماراتي في اليمن، التي أسفرت عن سقوط ضحايا مدنيين بينهم أطفال، ليعقب ذلك دعوات دولية وأممية بضرورة وقف الحرب.
اليمنيون ينتظرون السلام
ويأمل حميد (37 عاماً) في الاستجابة لتلك الدعوات، والاتفاق على سلام تليه مرحلة من إعادة الإعمار وتطبيع الحياة، مما قد ينقذ نصف السكان من خطر المجاعة.
حمدي الذي يملك أحد المطاعم، يقول لـ "عربي بوست"، وهو يعيد ترتيب أوراق النقود المهترئة بأحد الأدراج، إن الحرب دمرت المجتمع، وجعلت نصف السكان متسولين وجائعين، بينما توقفت الحركة التجارية "فلذلك نأمل فعلاً في أن يعم السلام".
ويضيف: "نحن متفائلون بهذه الضغوط على جماعة الحوثيين والحكومة الشرعية من أجل التوصل لحل، نريده بأي صيغة، ورفع الحصار وتوقف المعارك وإعادة فتح المعابر".
ويشهد اليمن منذ مطلع العام 2015، حرباً بين القوات الحكومية المسنودة بتحالف سعودي إماراتي من جهة، وجماعة "أنصار الله" (الحوثيين) من جهة أخرى، والأخيرة متهمة بتلقي الدعم من إيران.
وتسبَّبت الحرب في أسوأ أزمة إنسانية في العالم، إذ يحتاج أكثر من 22 مليون يمني أي 75% من السكان إلى نوع من المساعدة أو الحماية. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 65 ألف يمني قد قتلوا أو جرحوا في النزاع، فيما وثقت الأمم المتحدة مصرع 16 ألف مدني، بحسب مركز أنباء الأمم المتحدة.
ولا يكاد يخرج الحديث بين يمنيَّين اثنين حول توقعاتهم للتطورات الجديدة، ويقول حميد "اعتقد أن الحوثيين لن يقبلوا بتوقف الحرب، هذه جماعة مسلحة والحرب هي وقودها".
القرار ليس في أيدي القوى على الأرض
ووفق مراقبين فإن الأطراف اليمنية ليست فاعلة في إدارة النزاع، كونها لا تملك القرار في تحديد المصير، إذ إن القرار يعود إلى السعودية والإمارات من جانب، وإيران عبر سلطنة عمان من جانب آخر.
ويقول رئيس مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، فارع المسلمي لـ "عربي بوست"، إن المجتمع الدولي وصل إلى مرحلة يرى فيها أنه من اللازم إيقاف الحرب، بينما تواجه السعودية ضغوطاً دولية وغير مسبوقة بعد مقتل "خاشقجي".
ويضيف المسلمي -وهو أيضاً زميل غير مقيم في المعهد الملكي للشؤون الدولية تشاتام هاوس في لندن- إن الأطراف اليمنية ستكون منفذة للقرار الذي ستتخذه الرياض ومسقط، فالأطراف اليمنية "منخفضة الثمن والقرار"، على حد تعبيره.
ووفق ذلك فإن عمان أكدت على أن "الحوار هو الطريق الأنسب لحل الخلافات وتحقيق الأمن والاستقرار في اليمن"، فيما أعرب مجلس التعاون الخليجي (الذي يطابق الموقف السعودي)، عن أمله في استئناف مشاورات السلام، فضلاً عن أهمية "وقف نزيف الدم".
الوضع على الأرض
واتّسمت الأوضاع على الأرض بالهدوء خلال الأسابيع الأخيرة، قبل أن تتصاعد حدة المعارك بالقرب من مدينة الحديدة، على ساحل البحر الأحمر، غربي البلاد، إذ أعلنت القوات الحكومية عملية عسكرية للسيطرة على المدينة.
وتخضع المدينة ذات الميناء الاستراتيجي لسيطرة الحوثيين، بالإضافة إلى العاصمة صنعاء والمحافظات الغربية والشمالية التي تمثل نحو 70% من سكان اليمن.
فيما تفرض الإمارات عبر الجماعات المحلية الموالية لها على مدينة عدن، العاصمة المؤقتة، جنوبي البلاد، ومعظم الشريط الساحلي للبلاد بما في ذلك الموانئ الرئيسية، فيما لا يزال الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي وحكومته في منفاهما بالرياض.
ويقول مصدر في الحكومة اليمنية لـ "عربي بوست"، إن العمليات العسكرية في الحديدة ستشكل منعطفاً في طريق المفاوضات، فحسبما يقول "هذه الجماعة لا تؤمن إلا بالقوة، والحديدة تمثل نقطة ضعفهم".
ويضيف: "نحن نؤكد على تمسكنا بمواقفنا المتمثلة في تسليم الانقلابيين للسلاح وانسحابهم من المدن، نريد أن ننهي المشكلة أما معالجاتها فلن نختلف في كيفيتها".
الخروج من المستنقع
ويرى الدبلوماسي والسياسي مصطفى النعمان أن دول التحالف أنهكت بالحرب التي انجرّت إليها دون إعداد، وهي ستعمل على الخروج من هذا المستنقع، وسيتركون اليمنيين لشأنهم.
ويشير السفير اليمني السابق في الهند إلى أن التحالف السعودي الإماراتي لا يستطيع مقاومة الضغط الأميركي والغربي، النابع من كون العالم يريد التخفف من إحدى المشكلات العالقة في المنطقة.
وحول رؤية وزير الدفاع الأميركي يقول النعمان لـ "عربي بوست"، إن ما طرحه "أفكار ترتكز أساساً على تأمين الحدود ووقف إطلاق الصواريخ باتجاه المملكة، ما عدا ذلك متروك لليمنيين ولا يجب التوقف عند قوله بالحكم الذاتي للحوثيين".
أما الباحث والصحافي حسام ردمان فإنه يرى أن دعوات وقف الحرب تقابلها مؤشرات لا تشي باقتراب الحل.
ويقول لـ "عربي بوست" إن تلك الدعوات هي أحد أبعاد الضغوط الدولية، حيث إن الرأي العام أصبح مشحوناً ضد الرياض، والحكومات الغربية تريد أن تتخذ مواقف أخلاقية لتحسين صورتها أمام جمهورها الانتخابي، ولا يوجد أنسب من حرب اليمن لذلك "الصخب الأخلاقي".
ويضيف "تستطيع أن تقول إن مفاعيل مقتل خاشقجي انعكست بصورة أساسية على الموقف الأميركي أكثر من سواه".
"خاشقجي" يلفت أنظار العالم للحرب المنسية
وبعد مقتل الصحافي خاشقجي تحوَّلت أنظار العالم إلى حرب المنسية، وسط تزايد الضغوط على السعودية لإنهاء الحرب في اليمن ، ونشرت صحيفة نيويورك تايمز، الأسبوع الماضي، صورة لطفلة تعاني من الجوع، وترقد بصمت على سرير في مستشفى شمالي البلاد. ليتحسّر الرأي العام الدولي لما آلت إليه الأوضاع في البلد الذي مزقته الحرب، قبل أن تتوفى الطفلة مساء الخميس الماضي.
وخلصت وسائل إعلام دولية إلى أن جريمة قتل الصحافي السعودي "جمال خاشقجي" تشكل "فرصة متاحة الآن" للإدارة الأميركية وغيرها من الحكومات الغربية، من أجل الضغط على المملكة من أجل إنهاء الحرب في اليمن.
وقالت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية، نقلاً عن 3 مسؤولين فضَّلوا عدم الكشف عن هويتهم، إن ضغوط واشنطن على السعودية لإنهاء الحرب في اليمن زادت عقب قضية قتل "خاشقجي".
فيما قالت صحيفة "يو إس أيه توداي"، إن قضية قتل "خاشقجي" أضافت "زخماً جديداً" لضغوط عدد متزايد من المشرعين في الكونغرس على إدارة ترامب لإنهاء الدعم العسكري الأميركي للحرب في اليمن.
الأمر ذاته توقعته صحيفة "واشنطن بوست"، إذ قالت إن "الغضب الناجم عن جريمة قتل خاشقجي يمكن أن تنجم عنه ضربات للحرب المزعجة التي تقودها السعودية في الجارة اليمن"، مشيرة إلى أن المشرعين الأميركيين الرافضين للحرب لم يضيعوا الفرصة لزيادة الضغط على المملكة.
فيما تطرَّقت صحيفة "الغارديان" البريطانية إلى تصريحات وزير شؤون الشرق الأوسط في المملكة المتحدة أليستر بيرت، التي قال فيها إن نتائج التحقيق في مقتل خاشقجي قد تؤثر على الدعم البريطاني لتدخّل السعودية في الحرب في اليمن.
ضغوط دولية
وبدأ الحديث عن ضرورة وقف الحرب في اليمن، مع دعوة وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس كافة أطراف الصراع اليمني إلى وقف إطلاق النار خلال 30 يوماً، والدخول في مفاوضات جادّة لإنهاء الحرب في البلاد.
وقال ماتيس، خلال كلمة له في مؤتمر المنامة، إن وقف الحرب في اليمن يعتمد على إيجاد مناطق منزوعة السلاح ونزع الأسلحة الثقيلة، ويقصد بذلك الصواريخ الباليستية التي يطلقها الحوثيون نحو المملكة.
دعا الوزير الأميركي جماعة الحوثيين للتعاون مع المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث لما فيه مصلحتها، مشيراً إلى أن الحوثيين سيحصلون على منطقة حكم ذاتي "حتى يمكنهم التآزر وإسماع صوتهم للعالم، وعندها لن يكونوا بحاجة لإيران.
كما شدَّد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في بيان، على ضرورة بدء مفاوضات بين أطراف الصراع في اليمن في بلد ثالث، خلال نوفمبر/تشرين الثاني القادم.
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش حثَّ الأطراف المعنية في اليمن على الدخول في محادثات سلام دون شروط مسبقة.
وأكد المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، أنه لا يمكن حل الأزمة اليمنية عسكرياً.
وأيدت رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي وقف التصعيد في اليمن، وقالت أمام مجلس العموم البريطاني إن المملكة المتحدة تدعم الدعوة الأميركية لوقف إطلاق النار في اليمن.
وفي باريس، شدَّدت وزيرة الدفاع الفرنسية، فلورانس بارلي، على أنه "حان الوقت لكي تنتهي الحرب في اليمن".
وأبدت السويد استعدادها لاستضافة محادثات بين الأطراف اليمنية، وحثت المفوضية الأوروبية على التسوية السياسية، فيما دعت وزيرة الخارجية الكندية كريستيا فريلاند، أطراف النزاع في اليمن، إلى وقف الحرب.
روسيا هي الأخرى دعت إلى وقف "فوري" للأعمال العدائية في اليمن.
ترحيب متبادل
وعلى الفور، أبدت الحكومة اليمنية، ترحيبها بدعوات وقف إطلاق النار والتوصل إلى حلٍّ، وفق المرجعيات الثلاث المتمثلة في المبادرة الخليجية ومؤتمر الحوار والقرار الأممي 2216.
كما أعربت جماعة "الحوثيين" عن استعدادها لـ "التفاعل الإيجابي مع أي جهود دولية وأممية تتسم بالجدية والمصداقية والحيادية لوقف الحرب".