نجا الرجل المسؤول عن صعود محمد بن سلمان إلى منصب ولي عهد المملكة العربية السعودية داخل واشنطن، يوسف العتيبة سفير الإمارات في واشنطن ، من المساءلة، في أعقاب مقتل جمال خاشقجي الكاتب بصحيفة Washington Post الأميركية، جمال خاشقجي.
وتتواصل الحياة بشكلٍ طبيعيٍّ بالنسبة لسفير الإمارات العربية المتحدة، يوسف العتيبة ، وهو الدبلوماسي الذي ضغط سياسياً داخل واشنطن لدعم جهود ولي العهد داخلياً من أجل تعطيل مسار وراثة الحكم ووضع نفسه على بُعد خطوةٍ واحدةٍ من العرش، بحسب موقع The Intercept الأميركي.
حفلات عشاء العتيبة.. "أساطير" الساحة الاجتماعية بواشنطن
وعندما وصل ولي العهد، محمد بن سلمان إلى منصبه في يونيو/حزيران 2017، وفي أثناء قبضه على مقاليد السُلطة بقسوةٍ خلال الأشهر التالية، أبدت مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن موافقتها، وراهنت عليه بوصفه مُصلِحاً.
واستضاف سفير الإمارات في واشنطن ، وفقاً لدعوةٍ حصل عليها موقع The Intercept الأميركي، حفل عشاء يوم الثلاثاء 23 أكتوبر/تشرين الأول 2018، بحضور وزيرة التجارة السابقة في إدارة أوباما، بيني بريتزكر، داخل قصره بولاية فرجينيا. وتُوضِّح الدعوة المنصب الحالي لـ"بيني" بصفتها عضوة مجلس إدارةٍ بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي.
وتُعتبر حفلات العشاء التي يُقيمها العتيبة نوعاً من الأساطير على الساحة الاجتماعية بواشنطن، وعادةً ما يكون فولفغانغ باك مسؤولاً شخصياً عن إعداد الطعام فيها.
وتُعَدُّ تلك الأحداث جزءاً من استراتيجية الإمارات العربية المتحدة لشراء النفوذ داخل واشنطن، بالمواظبة على مديح أكثر أعضاء النخبة نفوذاً وتدليلهم.
وهي السياسة التي اعتمدها لتمهيد الطريق أمام محمد بن سلمان
واستغل العتيبة تلك العلاقات لتمهيد الطريق أمام محمد بن سلمان، وزير دفاع المملكة العربية السعودية آنذاك، حتى يصبح ولياً للعهد في نهاية المطاف.
وقرر رئيس العتيبة، محمد بن زايد، أنه سيكون من مصلحة الإمارات العربية المتحدة أن ينتزع محمد بن سلمان السلطة من ولي العهد السعودي آنذاك محمد بن نايف.
وتعتقد الإمارات أن وجود محمد بن سلمان في السلطة سيُساعد الدولة الأصغر في التأثير على الدولة الأكبر.
وكتب العتيبة في رسالةٍ بالبريد الإلكتروني، شرح من خلالها استراتيجية الإمارات التي تسببت في دعم محمد بن سلمان: "علاقتنا بهم تعتمد على العمق الاستراتيجي والمصالح المشتركة، والأهم من ذلك هو الرغبة في فرض تأثيرنا عليهم. وليس العكس".
كانت رسالة البريد الإلكتروني تلك جزءاً من المراسلات المخفية التي سُرقت من صندوق بريد Hotmail الخاص بالعتيبة، سواء عن طريق قراصنة الإنترنت أو شخصٍ يمتلك صلاحية الدخول إلى الحساب.
وأُرسلت المحتويات إلى وسائل الإعلام عن طريقِ مجموعةٍ تُطلق على نفسها اسم Global Leaks، تزعم أنها تتكون من نشطاء مستقلين، رغم اتهامات النقاد لها بأنها واجهةٌ لحكومة قطر، التي تُعتبر خصماً لدولة الإمارات.
فهو واحد من أكثر الدبلوماسيين نفوذاً داخل واشنطن
يتعامل مع سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة العديد من أذرع السياسة الخارجية بوصفه الحَكم المحايد فيما يتعلق بشؤون الشرق الأوسط. وكان دعمه محمد بن سلمان أمراً محورياً في عملية صعود الأمير الشاب إلى المنصب؛ إذ كان من المستحيل أن يقفز على خط السلطة في الرياض دون دعمٍ من واشنطن.
وفي أكتوبر/تشرين الأول عام 2015، قدَّم العتيبة، محمد بن سلمان إلى ديفيد بترايوس، اللواء المتقاعد.
وكتب بترايوس في رسالةٍ بالبريد الإلكتروني إلى العتيبة، في أعقاب اللقاء: "رائعٌ بصراحة. رؤية مُذهلة. وجزءٌ منها قيد التنفيذ بالفعل. لو تحقق نصفها فقط، فسيكون أمراً استثنائياً".
وأجاب العتيبة، في إشارةٍ إلى ولي عهد الإمارات: "يُشاركك محمد بن زايد التقييم نفسه. عليك الآن أن تنقل ذلك التقييم إلى الإدارة شديدة التشكك والقلق بشأن محمد بن سلمان؛ إذ حثثتهم على الاستثمار فيه كما فعلنا نحن".
وكان سفير الإمارات في واشنطن مقتنعاً بولي العهد محمد بن سلمان
والتقى محمد بن سلمان مع مارتين إنديك وستيفن هادلي، خلال زيارته لواشنطن عام 2015. ونقل إنديك، الدبلوماسي رفيع المستوى في إدارتَي كلينتون وأوباما، المحادثة إلى العتيبة. كما عَمِلَ هادلي مستشاراً كبيراً للرئيس الأسبق، جورج بوش الابن.
وكتب يوسف العتيبة إلى إنديك في صباح 20 أبريل/نيسان عام 2015: "أعتقد أن محمد بن سلمان براغماتيٌ أكثر مما اعتدناه في المواقف المعلنة للسعودية".
وأجاب إنديك: "أتفق معك في هذا أيضاً. لقد كان واضحاً معي، أنا وستيفن هادلي، برغبته في الخروج من اليمن وعدم ممانعته تعاون الولايات المتحدة مع إيران طالما نُسِّق الأمر مُسبقاً وبأهدافٍ واضحة".
وجاء رد العتيبة كالتالي: "لا أعتقد أننا سنرى زعيماً آخر على هذه الدرجة من البراغماتية في ذلك البلد؛ لذا يُعتبر التعاون معهم أمراً مهماً للغاية، وسيأتي بأفضل النتائج التي يُمكننا جَنْيها من السعوديين على الإطلاق".
خاصة أنه ساعد في التدخل العسكري باليمن
وتُعَدُّ الخطوة السياسية المميزة لمحمد بن سلمان هي التدخل العسكري، الذي تقوده المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، في اليمن منذ 3 سنوات، والذي يهدف إلى هزيمة الجماعة المعارضة في شمال اليمن وإعادة الرئيس اليمني السابق إلى السلطة.
وتوقع مسؤولو إدارة أوباما ألا يستغرق ذلك التدخل -الذي بدأ في مارس/آذار عام 2015- أكثر من بضعة أسابيعٍ في البداية، ولكن قوات التحالف ما زالت عالقةً داخل مستنقعٍ باهظ الثمن بعد مرور 3 سنوات.
وفي الوقت ذاته، تسبب ذلك التدخل بوقوع أكبر أزمةٍ إنسانيةٍ في العالم؛ إذ يعيش الملايين في مجاعةٍ، وأصاب وباء الكوليرا نحو مليون شخص. ومع تأخر التقدم، اقترحت عدة تقارير أن المملكة العربية السعودية تبحث عن طريقٍ للخروج من الصراع، ولكن بشروطٍ تسمح لها بحفظ ماء الوجه.
وفي اليوم التالي للمراسلات المتبادلة بين إنديك والعتيبة بشأن اليمن، تواصل ديفيد إغناتيوس، من صحيفة Washington Post، مع سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة ليُشاركه مقاله الأخير عن محمد بن سلمان . وكتب العتيبة في رسالةٍ بالبريد الإلكتروني، حصل عليها موقع The Intercept:
"شكراً على الوقت الذي قضيته في الخروج ولقاء محمد بن سلمان . وكشخصٍ يعرف المنطقة جيداً، يبدو من الأسلوب الذي كتبت به مقالتك أنك بدأت تُدرك ما كُنا نتحدث عنه على مدار العامين الماضيين: التغيير!
التغيير في السلوك والتغيير بالأسلوب والتغيير في النهج.
أعتقد أننا نتفق جميعاً على الحاجة الماسة لذلك التغيير داخل السعودية؛ لذا أنا سعيدٌ؛ لأنك أصبحت ترى الصورة التي كنا نراها ونسعى جاهدين لنقلها. وسيكون صوتك ومصداقيتك عاملَين كبيرَين في مساعدة الزملاء العقلانيين على فهم والإيمان بما يحدث.
ودورنا الآن هو فعل كل ما بوسعنا للتأكد من نجاح محمد بن سلمان".
كما أدى يوسف العتيبة دوراً في التقارب بين محمد بن سلمان وصهر ترمب
وكان تقديم المملكة السعودية إلى شركة العلاقات العامة Harbour Group التي تُمثل دولة الإمارات داخل واشنطن، والتي أصبحت السعودية من عملائها لاحقاً، من ضمن الأشياء التي فعلها يوسف العتيبة . وفي ظلِّ السخط الدولي بشأن مقتل خاشقجي، ألغت Harbour Group تعاقدها مع المملكة العربية السعودية، لكنها ما زالت تعمل لحساب الإمارات العربية المتحدة.
وفي أعقاب انتخاب دونالد ترمب، تَقَرَّب سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة من صهر الرئيس، غاريد كوشنر، وساعد في صياغة العلاقة الوثيقة بين كوشنر ومحمد بن سلمان فيما بعد.
ونجح كوشنر في الضغط سياسياً لجعل المملكة السعودية الوجهة الخارجية الأولى لترمب بعد انتخابه. وكما أورد موقع The Intercept سابقاً، صرَّح محمد بن سلمان للمقربين منه فيما بعد، بأن كوشنر أصبح "في جيبه"، وأن كوشنر شاركه معلوماتٍ استخباراتيةً أميركيةً متعلقةً بالعائلة الملكية السعودية، وفقاً لـ3 مصادر على علاقةٍ بالعائلات الحاكمة في السعودية والإماراتية.
وتفادى كوشنر، خلال مقابلةٍ مع فان جونز على شبكة CNN يوم الإثنين 22 أكتوبر/تشرين الأول 2018، سؤالاً عما إذا كان يُصَدِّق البيان الرسمي السعودي، المثير للسخرية إلى حدٍ كبير، بأن خاشقجي لقي مصرعه في شجارٍ بالأيدي مع عملاء متمردين داخل القنصلية السعودية في إسطنبول. وقال كوشنر: "فيما يتعلق بالوضع في المملكة العربية السعودية، يُمكنني القول إننا -كإدارة- في مرحلة تقصِّي الحقائق الآن".
وفي المقابلة نفسها، أضاف كوشنر أيضاً أنه ليس على علاقةٍ كبيرةٍ بالشرق الأوسط!