توجَّهت الأنظار صباح الثلاثاء 23 أكتوبر/تشرين الأول 2018، إلى تركيا، وبدا أن هناك تشوقاً كبيراً لمعرفة ما قد يفصح عنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في خطابه الذي وعد فيه بعرض تفاصيل مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي بطريقة مختلفة.
بدا خطاب أردوغان للوهلة الأولى أنه لا يحمل أي جديد، خاصة أنه جاء بعد صمت رسمي تركي لأكثر من 20 يوماً على الجريمة التي هزَّت العالم.
لكن ما حمله الخطاب من أهمية يكمن في عدد من النقاط، نوردها في هذا التقرير:
الرواية الرسمية الأولى لتركيا بشأن مقتل خاشقجي:
سرد أردوغان في خاطبه أمام أعضاء حزبه العدالة والتنمية في البرلمان، تفاصيل ما جرى مع الصحافي خاشقجي، وهو ما تطابق مع التسريبات التي كانت تنشرها وسائل الإعلام التركية، لتكون هذه الرواية الرسمية التركية لمقتل خاشقجي.
وتضمّنت رواية أردوغان للحادث 3 معلومات جديدة لم تذكرها التسريبات وهي:
- الكشف عن قدوم فريق سعودي مكون من 3 أشخاص قبل الحادث بيوم إلى إسطنبول، وأجرى عملية استكشاف في غابة بلغراد في إسطنبول ومناطق بولاية يالوفا، ما يقدم دليلاً على أن الخطة كانت معدة مسبقاً لقتل خاشقجي.
- الكشف عن قيام موظفين في القنصلية السعودية بالسفر إلى الرياض للتحضير للعملية، حيث قاموا بتحركاتهم من خلال طائرات مدنية لعدم لفت الانتباه، على عكس الفريق المكون من 15 شخصاً، الذين قدموا لإسطنبول بطائرات خاصة، وهو ما يعني أيضاً أن العملية مخطط لها.
- أشار أردوغان إلى وجود دول أخرى متورطة في عملية قتل خاشقجي، دون أن يذكرها بالأسماء، لكن التحريات التركية كانت قد أشارت إلى أن الطائرات الخاصة التي حملت فريق القتل بعد انتهاء العملية نزلت في الإمارات ومصر قبل توجهها إلى السعودية، ما قد يثير شبهات حول تورط هاتين الدولتين في الجريمة.
نسف الرواية السعودية
ما ذكره أردوغان في روايته الرسمية، ينسف فعلياً رواية الرياض التي أعلنتها وعدّلتها عدة مرات، التي أكدت أن جمال خاشقجي قتل خطأً خلال شجار مع موظفي القنصلية.
لكن ما ذكره أردوغان، يكذب فعلياً رواية الرياض، ويؤكد أن الرواية السعودية غير مقنعة نظراً لهول الجريمة والتخطيط المسبق لها، ما قد يدفع المملكة لتقديم معلومات تفصيلية أكثر عن الجريمة التي حدثت في قنصليتها بإسطنبول.
تجاهل أردوغان لولي العهد محمد بن سلمان
على الرغم من أن الأيام الماضية كانت مليئة بالاتهامات المباشرة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بأنه هو من أصدر الأوامر المباشرة لقتل خاشقجي، فإن الرئيس التركي لم يتطرَّق لذكره ولو لمرة واحدة.
وركَّز أردوغان في حديثه على مخاطبة الملك سلمان شخصياً، في محاولة منه للفصل بينه وبين نجله.
وما هو لافت للانتباه أكثر، هو رفض أردوغان لاقتصار التحقيق على أفراد من الاستخبارات والأمن، بل طالب بالكشف عن كافة المتورطين "من أسفل السلم إلى أعلاه".
وبعد الخطاب على الفور، خرج زعيم حزب "الحركة القومية" التركي (معارض) دولت بهجة لي، المقرب من أردوغان، لتوجيه أصابع الاتهام في مقتل خاشقجي إلى ولي العهد السعودي، ما قد يمهد لوضعه ضمن دائرة المتهمين الذين طالب الرئيس التركي بمحاكمتهم.
مطالبته بمحاكمة المتهمين في تركيا
أعرب الرئيس التركي ضمناً عن عدم رضا بلاده عن الخطوات السعودية في ملاحقة المتهمين بمقتل جمال خاشقجي، وقام بمطالبة الملك سلمان بأن يتم محاكمة المتهمين بقتل خاشقجي في إسطنبول، لأن الجريمة وقعت فيها.
يذكر أن الملك سلمان كان قد أصدر قرارات بإعفاء عدد من المسؤولين، أبرزهم مستشار الديوان الملكي سعود القحطاني، ونائب رئيس الاستخبارات أحمد العسيري، دون الإشارة إلى تورطهما رسمياً في الواقعة رغم تردد أسم القحطاني في التسريبات التركية.
أسئلة 6 يطالب أردوغان السعوديين بالإجابة عنه
ووجهة الرئيس التركي في خطابه رسائل واضحة للرياض، بأن الملف لن يغلق إلا باكتمال التحقيقات، ولن تكتمل التحقيقات إلا بالإجابة عن الأسئلة المجهولة التي طرحها في خطابه، وهي:
- لماذا تجمع 15 شخصاً، بينهم أمنيون وطبيب تشريح، في إسطنبول يوم الجريمة؟
- وطالب بتقديم معلومات عن الجهة التي قدمت التعليمات لهؤلاء المنفذين؟
- ولماذا تأخرت السعودية في فتح القنصلية أمام السلطات التركية، وسمحوا لهم بالدخول بعد أيام من وقوع الجريمة؟
- لماذا قدم السعوديون رواية وتصريحات متناقضة حول الجريمة؟
- ما مصير جثة جمال خاشقجي؟
- من هو المتعاون المحلي الذي قالت الرياض في روايتها إن الفريق السعودي سلّمه الجثة؟
ويبدو من هذه الأسئلة الستة أن تركيا تحاول وضع الرياض في الزاوية، لدفعها للإفصاح عن الرواية الحقيقية لما حدث، في ظل تأكيد أردغان على أن الجريمة وقعت بشكل مخطط لها، ولم تكن عفوية كما تقول الرواية السعودية.
من جانب آخر تضع هذه الأسئلة مزيد من الضغوط على المجتمع الدولي من أجل إجبار السعودية على كشف الحقيقة، كما قد يفتح الباب أمام جولة جديدة التسريبات الجديدة.