قال الكاتب الأميركي نيكولاس كريستوف، إنه بعد الكذب لأكثر من أسبوعين حول مقتل جمال خاشقجي أعلنت الحكومة السعودية الآن سلسلة من الأكاذيب الجديدة عن مقتله، بطرق تُهين ذكرى جمال وذكاءنا.
وقال الكاتب الأميركي الحائز جائزتي بوليتزر، ويكتب مقالاً أسبوعياً في صحيفة "ذا نيويورك تايمز" منذ 2001، في مقالة له نشرتها صحيفة New York Times الأميركية، إن الحكومة السعودية أصدرت يوم الجمعة بياناً ادَّعت فيه أن جمال لقي مصرعه عندما تطوَّر شجار واشتباك بالأيدي، اندلع داخل قنصليتها في إسطنبول، بطريقة سيئة حقاً.
ذلك هو الشجار الذي يُقال إن بعض المأجورين السعوديين جلبوا معهم منشاراً للعظام حتى يتمكنوا من تقطيع أوصاله بعد ذلك. ووفقاً لبعض الروايات فقد بدأوا بتقطيع أوصاله، بينما كان لا يزال على قيد الحياة.
ومن الغريب أيضاً أن تزعم السلطات السعودية أن صحافياً بُترت أصابعه، بحسب ما ذُكر، كجزء من عملية تعذيبه، تمكَّن من الانخراط في اشتباك بالأيدي، إذ لم يكن لدى جمال يد باقية.
وأضاف نيكولاس كريستوف "عرفت جمال لأكثر من 15 عاماً، وشعرت بالجزع الشديد من جميع التفاصيل التي وردت حول ما حدث، مما بدا أنه عملية تعذيب وقتل وحشية، ومن التضليل الذي حدث بعد ذلك، من قِبل الرئيس ترمب، للتقليل من شأن مقتل جمال، والآن من خلال الجهود المضنية التي تبذلها الحكومة السعودية للإيقاع بكبش فداء لكي يتحمَّل المسؤولية".
بل الأدهى من ذلك أن المملكة العربية السعودية أعلنت أن ولي العهد محمد بن سلمان، الذي يؤمن الجميع تقريباً أنه هو من صرَّح بإجراء هذه العملية، يقال الآن إن الأحرف الأولى من اسمه، MBS، تُشير إلى "Mr. Bone Saw" أي السيد "منشار العظام"، سيقود التحقيقات فيما حدث. هذا مثل تعيين لاعب كرة القدم الأميركية، أو جاي سيمبسون، للتحقيق في مقتل زوجته الممثلة نيكول براون سيمبسون.
وحسبما قال الكاتب في مقالته، تؤكد هذه الأكاذيب السافرة للغاية وغير القابلة للتصديق على مدى الحصانة التي يتمتع بها محمد بن سلمان، بل تشير إلى أنه سيحظى أيضاً بالدعم من الولايات المتحدة للتستر على هذه الجريمة.
قد يكون ذلك احتمالاً كبيراً، بما أن ترمب احتفى في الآونة الأخيرة باعتداء عضو في الكونغرس عن ولاية مونتانا على صحافي، واقترح في السابق أن قاتلاً مارقاً هو المسؤول عن قتل جمال.
لكن محمد بن سلمان أفلت من العقاب بالفعل من خطف رئيس الوزراء اللبناني وتجويع ثمانية ملايين مواطن يمني، وإذا أفلت أيضاً من العقاب على جريمة قتل جمال، الذي كان مقيماً في أميركا وكاتب عمود في صحيفة Washington Post، كما يعتقد الكثيرون، فهذا هو الضوء الأخضر له ولأي مستبد آخر يريد أن يتخلَّص من أي صحافي مزعج. وسيصبح الصحافيون ونشطاء الديمقراطية في جميع أنحاء العالم مُستهدفين.
واقترح نيكولاس كريستوف بعض الإجراءات التي يجب على ترمب أن يفعلها قائلاً: إذن ما لدينا الآن هو اختبار للرئيس ترمب والولايات المتحدة نفسها. هل سيستمر ترمب في عملية التضليل، أم أنه سيحاول الحفاظ على شرف أميركا وكرامتها في هذه الحالة؟ إليك ما يجب عليه فعله:
1- نظراً لحدوث ذلك في إحدى دول حلف الناتو، ينبغي على باقي الدول الأعضاء في الحلف السعي المشترك إلى تحقيق دولي تدعمه الأمم المتحدة في جريمة القتل. فمن الممكن أن يأمر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أو جمعيتها العامة، أو مجلس حقوق الإنسان بالشروع في هذا التحقيق.
2- لا بد أن تعمل دول حلف الناتو بتنسيق مشترك على طرد جميع سفراء المملكة العربية السعودية لديها.
3- يجب على دول حلف الناتو تعليق جميع صفقات بيع الأسلحة، بما في ذلك قطع غيار الطائرات الحربية، مع المملكة العربية السعودية. وهذا من شأنه أن يشكل ضغطاً كبيراً على المملكة، التي تعتمد بشكل أساسي على الولايات المتحدة في حفظ أمنها.
4- يقع على عاتق إدارة ترمب في الوقت نفسه المطالبة بالإفراج عن السجناء السياسيين لدى المملكة العربية السعودية، مثل المدون السعودي، رائف بدوي، المحكوم عليه بألف جلدة، والناشطة في مجال حقوق المرأة، لجين الهذلول. كما يتعيّن السماح لأقارب جمال بمغادرة الأراضي السعودية.
5- يجب على الولايات المتحدة أن توضح بهدوء للعائلة الملكية السعودية أن الأمير "الطائش"، حسب وصف نيكولاس كريستوف في مقالته، قد تمادى إلى حدٍّ لا يمكن تجاهله، ليس فقط فيما يتعلق بجريمة القتل هذه، بل أيضاً فيما يتعلق بالحرب التي شنَّها على اليمن، ومواجهته مع قطر، واختطافه لرئيس الوزراء اللبناني، وأنه سيكون موصوماً إلى الأبد. فمكان قاتل من هذا الطراز ليس المآدب الرسمية، بل داخل زنزانة في السجن. ثمة سابقة شهيرة واضحة في هذا الشأن، عندما عزلت العائلة الملكية عام 1964 الملك سعود من الحكم، وأجبرته على التنازل عن العرش للملك فيصل الأجدر منه بكثير.
كما آمل أيضاً أن تسعى دولة ما إلى تطبيق مبدأ الولاية القضائية العالمية، إحدى الأدوات الأساسية لضمان منع الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني، وتجريم مرتكبيها وقمعها، فيما يخص جريمة القتل هذه، وأن تكون مستعدة لمحاكمة القتلة الذين يُمكنها اعتقالهم مهما كانت مناصبهم. ويجب أن تأخذ تركيا بعين الاعتبار أنه يمكن اعتقال المسؤولين القنصليين "في حالة ارتكاب جريمة خطيرة"، وفقاً لاتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية الموقعة عام 1963، ما يحتم على تركيا النظر في مسألة الملاحقة القضائية.
وطالب بمباشرة بعض التحقيقات هنا في الولايات المتحدة، وقال: تدفقت الاستثمارات السعودية الهائلة في ممتلكات فندق ترمب بعد انتخابه رئيساً. فهل كان ذلك مجرد تعبير عن النوايا الطيبة، وهل كان لذلك تأثير على النواحي السياسية؟ وهل حذر مجتمع الاستخبارات الأميركي جمال من المخاطر المحيطة به من قبل بني جلدته؟
وأنهى نيكولاس كريستوف مقالته بالقول: قد نواجه أيضاً خلال الأيام والأسابيع المقبلة مخاطر من نوع خاص. يجب أن نكون يقظين بشكل خاص لما قد يثيره محمد بن سلمان من مخاطر لصرف الانتباه، عن طريق اختلاق بعض المشاكل مع إيران في الخليج العربي، ومن ثم السعي لتوريط الجيش الأميركي لنجدة المملكة العربية السعودية، لذا يجب على البيت الأبيض أن يوضحها صراحةً، أننا لن نسمح للسعوديين بجرِّنا إلى حرب مع إيران.