بعد أسبوعين شهدا رواياتٍ متبدِّلة، قالت السعودية اليوم السبت، 20 أكتوبر/تشرين الأول، إنَّ عملاءها قتلوا الصحافي جمال خاشقجي خنقاً في عراكٍ بالأيدي حدث داخل القنصلية السعودية بإسطنبول وإنَّ 18 رجلاً قد اعتُقِلوا على خلفية هذه الحادثة.
ونقل مسؤول سعودي لصحيفة The New York Times الأميركية أن من بين الرجال المعتقلين هؤلاء 15 رجلاً أُرسِلوا لمواجهة خاشقجي، بالإضافة لسائق واثنين من موظفي القنصلية.
وأفادت تقارير من إعلام الدولة السعودية بأنَّ سعود القحطاني، وهو مساعدٌ مقرَّب من ولي العهد السعودي، قد أُعفي من منصبه، بالإضافة للواء أحمد العسيري، نائب رئيس الاستخبارات العامة السعودية، ومسؤولين استخباراتيين آخرين في مناصب عُليا.
ووفقاً للصحيفة الأميركية، قال المسؤول السعودي إنَّ اللواء العسيري كان قد نظَّم هذه ،وإنَّ القحطاني كان على درايةٍ بها وساهم في خلق البيئة العُدوانية التي سمحت للعملية بأن تُصعَّد إلى هذا الحد.
الرئيس الأميركي ترمب قال في وقتٍ متأخر ليلاً إنَّ تصريحات السعودية موثوقٌ بها وإنَّها، إلى جانب بيان الاعتقالات، تُعَد "خطوة أولى جيدة".
ترمب، الذي بنى علاقةً وثيقة مع وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان، قال إنَّه سيدرس احتمال "فرض نوعٍ من العقوبات" على السعودية رداً على مقتل خاشقجي، لكنه قال إنَّه "يفضِّل ألَّا نستخدمها على سبيل الانتقام" بإلغاء صفقة بيع الأسلحة البالغة قيمتها 110 مليارات دولار للسعودية.
الرواية السعودية غير مقنعة لأطراف أميركية
آدم شيف، النائب عن ولاية كاليفورنيا، ووفقاً لتقرير النيويورك تايمز الأميركية لم تُقنِعه الرواية السعودية. وهو الديمقراطي الأقدم في لجنة الاستخبارات بمجلس النواب الأميركي، قال في مقابلةٍ صحافية أُجرِيَت ليلاً: "إذا كان خاشقجي تعارَك داخل القنصلية السعودية بإسطنبول فإنَّه كان يقاتل من أجل حياته في مواجهة أناسٍ أُرسِلوا للقبض عليه أو قتله".
شيف، الذي قال إنَّه قد تلقَّى مذكرةً سرية ومفصَّلة في وقتٍ سابق من اليوم لما يعتقد جهاز الاستخبارات الأميركي أنَّها كانت ملابسات الواقعة، قال إنَّ الرواية السعودية "لم تكن قابلة للتصديق". وقال إنَّه لا يمكنه الإفصاح عمَّا أخبره المُطَّلِعون بوكالة الاستخبارات به.
المسؤول السعودي الذي نقلت عنه النيويورك تايمز تفاصيل تقريرها قال إنَّ الفريق تضمَّن ماهر عبدالعزيز مطرب، وهو ضابط أمنٍ عرَّفته صحيفة The New York Times الأميركية بصفته فرداً كثير الظهور في وحدة حراسة وليّ العهد السعودي أثناء رحلاته الخارجية. اختير مطرب لأنَّه كان قد عمل مع خاشقجي منذ 10 سنواتٍ في السفارة السعودية بلندن وكان يعرفه بشكلٍ شخصي.
لكنَّ الأمر الصادر بإعادة خاشقجي إلى المملكة أُسيء تفسيره وهو ينتقل من مسؤولٍ لآخر بين درجات تسلسل القيادة -وفقاً لما قاله المسؤول السعودي- ونشبت مواجهةٌ عندما رأى خاشقجي الرجال المبعوثين للقبض عليه. قال المسؤول إنَّ خاشقجي حاول الهرب، ثم أوقفه الرجال، وسُدِّدت لكماتٌ بين الطرفين، ثم صرخ خاشقجي وحاول أحد الرجال إخضاعه بإحكام ذراعيه حول عنقه، ما أدى لموته خنقاً.
وقال المسؤول: "لم تستمر الأحداث التي جرت في الغرفة لوقتٍ طويل مطلقاً".
وأوضح المسؤول أنَّ الفريق سلَّم بعد ذلك الجثة لمعاونٍ محلي كي يتخلَّص منها، ما يعني أنَّ السعوديين لا يدرون إلى أين آلت جثته.
وتأتي إقالة سعود القحطاني لأنه كان ممن أشعلوا البيئة العدوانية ضد خاشقجي
كان نبأ إقالة القحطاني، الذي يُعَد مساعداً مقرَّباً من وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان، بارزاً لأنَّه لا يضطلع بأي دورٍ علني في الأمن أو الاستخبارات السعودية. بل إنَّه مسؤولٌ عن الإعلام والاتصالات في فريق وليّ العهد، وعادةً ما يقود هجماتٍ إلكترونية عدائية ضد منتقدي المملكة.
وقال المسؤول السعودي إنَّ القحطاني أُقيل لأنَّه كان على درايةٍ بالعملية المُخطَّط لها وأسهم في إشعال البيئة العدوانية التي جعلت العملية تأخذ مجرى عنيفاً. وبينما أُقيل القحطاني من منصبه كمستشارٍ بالديوان الملكي، فقد احتفظ بمنصبه رئيساً للاتحاد السعودي للأمن السيبراني.
اختارت السعودية أن تُدلي بيانها في منتصف الليل في عطلة الأسبوع في الرياض وإسطنبول. وقال مسؤولٌ تركي إنه من المبكر للغاية بالنسبة لأنقرة التعليق على البيان السعودي، لكن ردود الفعل على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها كانت رافضةً للرواية السعودية.
وقالت سامانثا باور، سفيرة الولايات المتحدة سابقاً لدى الأمم المتحدة خلال فترة حكم الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، على موقع تويتر إن السعوديين "تحوَّلوا من موقف الكذب المكشوف (خاشقجي غادر القنصلية) إلى موقف الإدانة المُزيفة (عملية احتيال) زاعمين أن الثعلب سيُحقِّق بمصداقية في ما فعله بحق الدجاجة".
وأشار أنطونيو غوتيريس، الأمين العام للأمم المتحدة، إلى "ضرورة إجراء تحقيقٍ سريع، وشامل، وشفَّاف حول ملابسات مقتل خاشقجي ومحاسبة المسؤولين عن هذا الأمر محاسبةً تامة".
لكن علي الشهابي، رئيس المؤسسة العربية في واشنطن المؤيد البارز لسياسات المملكة السعودية، دافع عن البيان السعودي، الذي صدر متأخراً، مجادلاً بأن المحاولة الأوَّلية للتغطية على الحادث وإخفاء حقيقتها عن الديوان الملكي تُفسِّر سبب تأخر صدور البيان.
وكتب الشهابي على موقع تويتر: "كان أحد أسباب إقالة العديد من مسؤولي الاستخبارات البارزين هي تغطيتهم على الحادث وبطء نقل التفاصيل الكاملة بشأن ما حدث إلى القيادة السعودية". وأضاف: "شكَّل الفشل الذريع صدمةً للقيادة السعودية، وأسهم مزيجٌ من الارتباك ونقص الخبرة في إدارة مثل هذه الأزمات، علاوةً على تغطية أجهزة الاستخبارات على الحادث، في صدور رد الفعل السعودي الأوَّلي".
قال جون ألترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط لدى مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، إنه سيتعيَّن على السعوديين تقديم المزيد من المعلومات التي ربما تتفق أو لا تتفق مع المعلومات الاستخباراتية التي جمعتها تركيا والولايات المتحدة خلال الأسبوعين الماضيين.
وأضاف ألترمان: "كان بيان السعودية بدايةً لجهودٍ جاءت متأخرة وستستمر خلال الأيام المقبلة".
ورغم رواية الرياض التي اعترفت بالقتل، لكنها لم تُجب عن أسئلة جوهرية
لم يقدم البيان السعودي، على سبيل المثال، تفسيراً لسبب انخراط خاشقجي في شجارٍ مع خصومٍ عديدين في مكانٍ يعلم أنه يشكِّل خطراً على حياته. كان مَنْ يعرفون خاشقجي يُعتبرونه شخصاً هادئاً ومنضبطاً في انفعالاته. شعر الصحافي السعودي بقلقٍ على سلامته عند دخول مبنى القنصلية لدرجة أنه طلب من خطيبته الانتظار خارج القنصلية وأعطاها تعليماتٍ بالاتصال بالسلطات التركية إذا لم يخرج.
ليس واضحاً تماماً إذا كانت الولايات المتحدة وتركيا تنويان منازعة التفسير السعودي لمقتل خاشقجي. ويبدو أن الرواية السعودية تتهرَّب من الإجابة عن السؤال المطروح بشأن ما إذا كان الرجال قد تصرفوا بناءً على أوامر من مسؤولين سعوديين بارزين، بالإضافة إلى السؤال المطروح عن مكان جثة خاشقجي.
وقال إليوت أبرامز، الدبلوماسي السابق البارز لدى الإدارات الجمهورية الأميركية، إن اعتراف السعودية يُعد خطوةً أوَّلية مهمة لكن العديد من الأسئلة ما تزال بحاجةٍ إلى إجابات.
وتابع أبرامز: "أحد هذه الأسئلة هي أين جثة خاشقجي؟ يصعُب تصديق أن هؤلاء الأشخاص تصرفوا دون تعليمات".
ورفض أبرامز أيضاً تصديق فحوى الرواية السعودية التي تفيد بأن خاشقجي قرَّر الانخراط في شجارٍ داخل القنصلية.
وتساءل: "كان موجوداً في القنصلية ومحاطاً بحشدٍ من الرجال، ثم بدأ شجاراً معهم؟ هذه روايةٌ لا يمكن تصديقها فحسب"