تناولت افتتاحية صحيفة الغارديان البريطانية، اليوم الأربعاء 17 أكتوبر/تشرين الأول 2018، ما تواجهه المملكة العربية السعودية كأكبر أزمة دبلوماسية مع الغرب؛ إذ إن تتبُّع مقتل الكاتب الصحافي جمال خاشقجي الذي تستكتبه صحيفة Washington Post قد يقود مباشرة إلى مسؤولية الحكومة في الرياض عن قتله في القنصلية السعودية في إسطنبول.
وتشير الأدلة إلى أن خاشقجي تعرَّض للتعذيب والقتل والتشويه بعد أن دخل إلى القنصلية السعودية في إسطنبول على يد فرقة قتلٍ، أُرسلت بناء على أوامر ولي عهد المملكة الأمير محمد بن سلمان. حسبما قالت صحيفة The Guardian البريطانية في تقرير لها عن الحادث.
تستعد الرياض للتصريح بأن خاشقجي قد قُتل عن طريق الخطأ أثناء استجوابه. لكن إذا تبيَّن أن ولي العهد وافق على خطة لخطف أو حتى قتل أحد المنتقدين في إسطنبول، فإن ذلك يزيد من استبداده إلى مستوى الطغاة، مثل صدام حسين ومعمر القذافي، اللذين استخدما سفارتَي دولتيهما لترويع المنفيين.
وقالت الصحيفة ، إن الأمير محمد بن سلمان هو ولي العهد الثالث في عهد الملك سلمان، وإذا ثبت أن لديه أي يد في الأحداث التي وقعت خلال الأسبوعين الماضيين، ربما يكون الوقت قد حان لأن يجد آل سعود وليَّ عهد رابعاً.
بعد تولّي محمد بن سلمان منصب ولي العهد، بدأ في استهداف معارضيه
أصبح الأمير محمد صاحب السلطة الفعلي في السعودية منذ أن أصبح والده الملك سلمان الحاكم المطلق للبلاد في يناير/كانون الثاني عام 2015.
في حين تعهَّد ولي العهد بتحديث المملكة المحافظة، عمل على حبس النشطاء في مجال حقوق الإنسان والمنتقدين له من رجال الدين.
في هذا الشهر، وُجِّهت تهمة الإرهاب إلى خبير اقتصادي سعودي شكك في الطرح العام لشركة أرامكو السعودية للنفط المملوكة للدولة، وهي إحدى أهم الركائز للاستراتيجية الاقتصادية في الرياض.
يُمثل ولي العهد الطرف المتشدد في الخلاف الخليجي مع قطر، وهو مهندس الحرب الكارثية التي تقودها المملكة على دولة اليمن المجاورة، حيث قصفت القوات السعودية وتعمَّدت تجويع الأمة الأكثر فقراً في الشرق الأوسط.
لا يهتم محمد بن سلمان كثيراً بالحقوق العالمية أو النظام الليبرالي العالمي، وقد شجعته على ذلك صداقته مع دونالد ترمب، الذي كانت رحلته الخارجية الأولى كرئيس للولايات المتحدة إلى الرياض. وعلى ما يبدو فإن ترمب هو الذي يوفر الحماية للفكرة السخيفة التي تفيد بأن فريق التعذيب المؤلف من 15 رجلاً – من بينهم طبيب شرعي – لم يقتل خاشقجي إلا عن طريق الخطأ.
وجاءت حادثة مقتل خاشقجي لتسليط الضوء على استبداد ولي العهد
حتى الآن، كانت الحكومات والشركات الغربية على استعداد في معظم الأحيان لتجاهل القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان.
لكن اختفاء خاشقجي أشار إلى أنه حتى النقد الموجَّه بعناية بشأن القمع المتنامي في السعودية والكارثة التي شهدتها اليمن، هو ذريعة كافية للقتل. صرحت السلطات التركية بأن جثة خاشقجي قُطعت بمنشار للعظام، وتم تهريبها خارج القنصلية في سيارة مرسيدس سوداء.
لا عجب أن المديرين التنفيذيين قرروا مقاطعة "مبادرة مستقبل الاستثمار" لعام 2018 المزمع عقدها في الرياض، والتي أطلق عليها اسم "دافوس في الصحراء" تيمّناً بالمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس. كما فرَّ المستثمرون من سوق الأسهم السعودية.
أصبح الآن لقب ولي العهد محمد بن سلمان (M.B.S) يشار إليه بسخرية سوداء بلقب آخر جديد من الأحرف ذاتها التي يختصر بها اسمه، وهو Mr Bone Saw أي السيد منشار العظام. حسبما قالت الجارديان البريطانية في افتتاحيتها.
ويقول كبار المشرِّعين في بريطانيا وأميركا، إن الوقت قد حان لفرض عقوبات. ورداً على ذلك، هدد السعوديون باستخدام احتياطاتهم النفطية الضخمة كورقة ضغط، وشراء الأسلحة من موسكو.
انصبَّ اهتمام الملوك السعوديين في العقود الأخيرة على المخاوف الصحية بشكل أساسي، بدلاً من التعامل مع الاضطرابات الخارجية والداخلية. يمكن أن يفقد القادة عقولهم بينما يشغلون المنصب. لكنهم نادراً ما يرتقون إلى المراكز العليا إذا فقدوا صوابهم بالفعل.
ارتقى الملك سلمان إلى أعلى المناصب برعم انتشار شائعات تشير إلى أنه يعاني من الخرف. هذا ما يجعل منصب الأمير محمد مثيراً للقلق بدرجة كبيرة. ينبغي أن تدفع تلك الحادثة الأخيرة، العقول في الرياض إلى التفكير في مدى ملاءمة ولي العهد لهذا المنصب الرفيع. محمد بن سلمان هو وريث العرش رسمياً.
بما أنه لا يزال في الثلاثينيات من عمره، فيُمكن أن يحكم لفترة طويلة – ولكن إذا كانت السنوات القليلة الماضية عبرة، فمن المتوقع أن يتسم ذلك المستقبل الذي يحكمه، بعدم الاستقرار. لدى الملك سلمان أبناء موهوبون آخرون. وثمة أعضاء آخرون في العائلة المالكة موهوبون كذلك.