لاتزال تداعيات اختطاف وقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي تلقي بظلالها على المشهد السياسي والإعلامي بين الأطراف المعنية، خصوصاً السعودية وتركيا.
ووسط تضارب الأنباء والروايات حول ملابسات ما حدث بالفعل ومصير الإعلامي السعودي، تدور تساؤلات ملحة في الأفق تتمثل حول السيناريوهات المحتملة وكيفية تعامل الجانب التركي مع الجانب السعودي في هذه الأزمة. هل ستثأر أنقرة بهذا الخصوص وترد على السعودية سواء بشكل مباشر أم بالوكالة؟ وهل هناك من يتعمد دفع العلاقة بين البلدين إلى مزيد من التوتر؟
هذه الأسئلة وغيرها نحاول الإجابة عنها في هذا التقرير.
الأزمات الاقتصادية تحول دون اتخاذ تركيا لموقف صارم
يؤكدّ المحلل السياسي التركي محمد علي أردوغان، في تصريحات لـ"عربي بوست"، أنّ السبب الرئيسي وراء عدم اتخاذ تركيا لأي موقف سياسي حازم وصارم بخصوص أزمة خاشقجي ، يتعلق بالمشكلات الاقتصادية التي تمرّ بها.
وأوضح "هناك أزمة الديون المتراكمة التي عصفت بتركيا ولا زالت مستمرة حتى يومنا هذا، إذ هناك تعثر في عدم القدرة على سداد هذه الديون بالعملات الأجنبية، وذلك بسبب التداعيات الدولية التي لحقت بالبلد عقب تراجع الليرة التركية ووصولها لمراحل متدنية للغاية لم يسبق وأن وصلت لها".
إضافة إلى ذلك، يأتي تراجع الاستثمارات والتدفقات المالية لتركيا والتي يعود سببها الرئيسي إلى الأزمات والتوترات السياسية مع عدد من البلدان، التي كانت بمثابة المصدر الرئيسي لتلك التدفقات، مثل ألمانيا وفرنسا وهولندا، وبالتالي لا تتحمل المزيد من التراجع في الاستثمارات.
وتابع "قضية السيادة لتركيا، بالرغم من أهميتها إلا أنّها تأتي في الدرجة الثانية والتي لا تضاهي المشكلة الاقتصادية التي تمر بها تركيا"، على حد تعبيره، مضيفاً أن هذا الأمر له انعكاساته بطبيعة الحال على قضية اختطاف ومقتل الصحفي جمال خاشقجي.
مصالح واتفاقيات بين الجانبين تحتم المحافظة عليها
ويرى أردوغان، أنّ المصالح الاقتصادية والاتفاقيات السياسية الموقعة بين الجانب السعودي-التركي، تحتم على الطرفين المحافظة عليها، وهذا ما يؤكده عدم صدور أي بيان أو تعليق رسمي صريح من قبل الرئيس التركي ولا رئيس الحكومة ولا حتى الخارجية التركية.
ويتابع حديثه بالقول: "الذي يظهر هو أنّ هناك تعاوناً سعودياً-تركياً في قضية اختطاف خاشقجي ، وهذا ما تؤكده قضية التضارب في الأنباء والروايات في وسائل الإعلام حول ملابسات اختطافه وقتله رغم مرور عدة أيام على اختفائه".
العلاقات سوف تستمر ولن تحدث قطيعة سياسية
ويتفق الأمير السعودي المعارض خالد بن فرحان آل سعود، في حديثه مع "عربي بوست"، مع حديث سابقه، من أن العلاقات السعودية-التركية سوف تستمر ولن تحدث قطيعة سياسية.
وأضاف "سوف تسعى السعودية لتفعيل كل الوسائل والأدوات للحفاظ على استمرار العلاقة، والتي يأتي على رأسها تقديم الدعم الاقتصادي لتركيا في ظل الظروف الاقتصادية التي تعيشها، وأزمة الليرة".
يرى الأمير السعودي المعارض خالد بن فرحان آل سعود، في حديثه مع "عربي بوست"، أنّه منذ تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز الحكم بالسعودية، حصل تقارب سعودي-تركي على المستوى السياسي، باعتبار أنّه من الممكن أن يشكل "محوراً سنياً قوياً" في المنطقة ضد الهيمنة والجبهة الإيرانية.
وأضاف أنه في نفس الوقت، ظل الجميع يراهنون على الجانب الآخر، أنّ العلاقات السعودية-الإماراتية ستتأثر وتدخل في مرحلة التوتر، لكنّ الذي حصل كان العكس تماماً.
وأوضح أن العديد من المعطيات السياسية ساعدت على ذلك، على رأسها المقاطعة السياسية التي قادتها السعودية والإمارات وعدد من الدول ضد قطر، والتدخل والدعم السياسي التركي لقطر عبر إرسالها قوات تركية برية حالت دون القيام بتدخل وغزو بري عسكري لقطر، على حد تعبيره.
"على أثر ذلك بدأت العلاقات السعودية-التركية في التوتر والتصعيد الكبير حتى وصلنا إلى الأزمة الحالية المتمثلة في اختطاف أو قتل جمال خاشقجي، وهذا يعكس عدم رغبة النظام السياسي في السعودية في التعاطي مع أي أزمة سياسية أو أي صوت معارض لها بقوة"، حسب خالد بن فرحان.
ليس هناك رغبة سعودية في التعاطي مع الأزمة
لكنّ بن فرحان طالب الرئيس التركي، بضرورة أن تكون هناك ردة فعل قوية تجاه اختطاف خاشقجي للحفاظ على سمعة وسيادة تركيا، ولضمان ألا تتكرر مثل هذه الأحداث على أرضها خاصة وأنّها باتت ملاذاً رئيسياً لكثير من المعارضين السياسيين واللاجئين من مختلف الدول.
وقال إن الأمير محمد بن سلمان "لا يكترث للأعراف والاعتبارات الدولية، ولا يعير أي اهتمام للقوانين والمواثيق المتعلقة بحقوق الإنسان، وهذا ما يثبته قيام هذه الحكومة باختطاف أمراء سابقين معارضين من دول أوروبية مختلفة عبر انتهاك واضح لسيادة الدول وعدم الالتفات لما ستحدثه هذه السلوكيات من تأثير سلبي على سمعة السعودية دولياً وإقليمياً ومن تأثيرات سياسية وإعلامية"، على حد تعبيره.
ويرى بن فرحان أنّ محمد بن سلمان لم يعد يقرّ ولا يعترف بالفصل بين السلطات الثلاث، فهو بات النظام السياسي بأكمله دون مراعاة لهذا المبدأ من عدمه، وهذا بحد ذاته يعدّ انتهاكاً لاستقلالية وأدوار ووظائف هذه السلطات دون تدخل في وظيفة كل منها المتمثل في الوظيفة التشريعية والتنفيذية والقضائية.
الأتراك لا يريدون التصعيد والمواجهة مع السعودية
رئيس الحركة الإسلامية للإصلاح سعد الفقيه، ذكر في تصريحات لـ"عربي بوست"، أنّه من خلال التجربة السابقة للأتراك، فإنّهم لا يريدون التصعيد والمواجهة مع السعودية.
وأوضح أن السعودية دعمت الانقلاب ضد أردوغان عام 2016، ودعمت حزب العمال الكردستاني "بي كي كي"، ودعموا منظمة "فتح الله غولن"، وكذلك كان لها دور كبير في أزمة الليرة التركية، ومع ذلك لم تتخذ الحكومة التركية أي إجراءات حقيقية ضد السعودية.
وقال "سيتم إنهاء الأزمة الحالية مثلها في ذلك مثل أي أزمة سابقة مرت على تركيا".
ويتمنى الفقيه من الحكومة التركية أن تقف موقفاً صارماً وصريحاً بعد "الاعتداء على سيادتها من السعودية".
وأضاف أنه من الناحية السياسية، يمكن لتركيا أن تقوم بدعم المعارضة السعودية كما فعلت الشيء نفسه مع المعارضة المصرية في دعمها لها ضد نظام السيسي، مشيراً إلى أنّ كثيراً من رموز المعارضة السعودية طلب منهم مغادرة الأراضي التركية بسبب ضغوطات سعودية على تركيا.
ويطالب الفقيه ضرورة أن تفتح الحكومة التركية المجال للمعارضة السعودية من جديد، والسماح لمن طلب منهم مغادرتها أن يعودوا مرة أخرى، مشدداً على أنّ محمد بن سلمان بالتعاون مع الأتراك في قضية اختطاف خاشقجي.
تركيا تولي المصالح والجوانب الاقتصادية أهمية
ويذهب المعارض والناشط السعودي المقيم في بريطانيا عبدالله الغامدي، إلى موافقة بن فرحان والفقيه، في أنّ الجانب التركي لا يرغب بالتصعيد السياسي مع السعودية، فهي تنظر في الوقت الحالي إلى المصالح والجوانب الاقتصادية أكثر من نظرتها إلى جانب السيادة والاختراقات والتدخلات السياسية الداخلية التي حدثت أكثر من مرة.
وأشار إلى أنّ العلاقات الدبلوماسية التركية-الإماراتية لا تزال مستمرة رغم التصعيد السياسي من الإمارات ودعمها وتعاطفها مع الانقلاب العسكري للإطاحة بالرئيس أردوغان والحكومة المنتخبة ديمقراطياً في تركيا، في 2016، بأكثر من 3 مليارات دولار، ولكن ومع ذلك ظلت هذه العلاقات مستمرة رغم توترها إلا أنّها بقيت في إطار الحرب الباردة والتلاسن بين الطرفين، وكذا الحال مع الجانب السعودية حيث شهدت أيضاً بدورها تصعيداً سياسياً والتلويح بالورقة الكردية في رد مباشر على مساعدتها ودعمها لقطر.
ويرى الغامدي في حديث خاص مع "عربي بوست"، بأنّ العقلية السياسية التركية في الوقت الحالي تسير ضمن إطار تلافي وتحاشي الدخول في صراع وصدام مباشر مع الجانب السعودي، لأنّها تسعى إلى تحقيق التنمية الاقتصادية ورؤيتها في أن يصبح اقتصادها ضمن أقوى 10 اقتصادات في العالم والتي تطمح تركيا الدخول في آفاقه عند في عام 2023.
لكنّ الغامدي يرى بأنّ تركيا من الممكن أن تتخذ في هذا السياق إجراءات عملية تضمن عدم التأثير على علاقاتها مع السعودية، كأن تقوم بتخفيض التمثيل الدبلوماسي أو أن تقوم الخارجية باستدعاء السفير السعودي في تركيا لتبلغه انزعاجها واعتراضها على ما حدث مؤخراً من خرق للسيادة التركية، مع الاكتفاء بالتصعيد الإعلامي بين الطرفين عبر القنوات والوسائل الإعلامية المختلفة.