شريط ساحلي طوله 560 كيلومتراً، وحديث عن ميناء للنفط وتضييق الخناق على الصياديين من قبل قواعد عسكرية سعودية. كل ذلك تسبب في احتجاجات سكان المهرة ضد السعودية في اليمن ، وسط شكوك في أسباب التواجد العسكري لـ"الغزاة السعوديين" في محافظتهم.
فعلى مدى الأشهر الثلاثة الماضية، غمرت المياه محافظة المهرة، في ظل سقوط الأمطار التي تحملها الرياح الموسمية التي تنذر ببدء فصل الخريف على المحافظة الواقعة شرق اليمن. وتحولت الوديان والجبال إلى مساحات خضراء، لكن مع أنَّ العاصفة الموسمية ربما انحسرت الآن، تلوح عاصفةٌ أخرى أخطر في الأفق.
وفي الأسابيع الأخيرة، شهدت محافظة المهرة اندلاع احتجاجات ضد الوجود العسكري السعودي هناك، والذي يصفه منتقدوه بأنَّه "ابتزاز واستعمار".
قاعدة عسكرية تثير احتجاجات سكان المهرة ضد السعودية
وبدأ السعوديون، الذين تدخلوا في الحرب اليمنية عام 2015 دعماً للحكومة المعترف بها دولياً في مواجهة الحوثيين، تأسيس قواعد عسكرية لأول مرة في المحافظة العام الماضي.
غير أنَّه منذ اللحظة التي شرع فيها السعوديون يؤسسون قاعدتهم الأولى في المهرة، بدأ سكانها في التصدي لهم بتنظيم احتجاجات والتساؤل عن الأسباب التي تدفع الجيش السعودي للوجود في منطقة تسودها السلمية ولم يطلها تقريباً الصراع المشتعل منذ 3 أعوام.
وكتب الصحفي فيصل عيدروس تغريدة يقول فيها: "تقارير تفيد باندلاع اعتصامات واحتجاجات ضخمة في محافظة المهرة شرقي اليمن، رفع خلالها سكان المحافظة العلمين اليمني والمهري مطالبين القوات السعودية بالرحيل الفوري".
Huge protest/sit-in being reported in Yemen's eastern province of al-Mahrah, with residents (waving Yemeni and Mehri flags) demanding Saudi forces leave immediately. https://t.co/bTsGXDOTTu
— فيصل عيدروس (@faisaledroos) September 17, 2018
وهادي يدعم وجودها بينما يرفض سكان المهرة "الجنود الأجانب"
إلا أنَّه منذ مطلع شهر أغسطس/آب، ازدادت التوترات سوءاً بشكل ملحوظ، حين زار الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي المحافظة وأعلن دعمه للوجود السعودي هناك.
والآن بدأ سكان المهرة، الذين يُصعِّدون حركتهم الاحتجاجية، مناشدة العالم الخارجي، وإخبار المجتمع الدولي أنَّ محافظتهم آمنة بالفعل وهم ليسوا بحاجة ليُعزِّز جنودٌ أجانب وجودهم فيها.
"لن نتوقف عن الاحتجاج حتى يغادر السعوديون الغزاة"
شارك أسامة، أحد سكان المهرة ويبلغ من العمر 35 عاماً، في العديد من الاحتجاجات التي نُظِمَت ضد الوجود السعودي، كان آخرها في 17 سبتمبر/أيلول. وقال إنَّه لن يتوقف عن الاحتجاج إلى أن يغادر السعوديون دياره.
وفي تصريح لموقع Middle East Eye البريطاني، قال أسامة: "منذ حصل السعوديون على الضوء الأخضر من الرئيس هادي، صاروا هم المتحكم الأساسي في المحافظة".
وأضاف: "يهدد وجودهم مستقبل المهرة لأنَّهم غزاة، وأنشأوا بالفعل قواعد عسكرية لهم في المحافظة".
وبحسب تصريحات أسامة، يسيطر السعوديون تماماً على المعابر الحدودية بين المهرة ودولة الجوار عُمان، إضافة إلى مطار الغيضة الدولي وميناء نشطون البحري. وأقامت قواتهم نقاط تفتيش في أرجاء المحافظة، ونشرت أعداداً كبيرة منها في مدينة سيحوت الساحلية.
لأننا "لم نطلب مساعدتهم في حفظ أمننا"
ويقول سكان المهرة إنَّ القواعد العسكرية التي تأسست مختلفة الأحجام، فمنها قواعد صغيرة يشغلها أكثر من 12 جندياً بقليل ومحاطة بسياج، بينما هناك أخرى أضخم بكثير. وفي المناطق الحيوية مثل ميناء نشطون ومطار الغيضة، حلَّ الجنود السعوديون محل الجنود اليمنيين.
وعلَّق أسامة: "أقام السعوديون قواعد عسكرية في عدة مناطق، لكن ليست هناك ضرورة لذلك لأنَّ الحوثيين لم يأتوا إلى المهرة، ونحن لم نطلب مساعدتهم في حفظ أمننا".
كان الحديث عن مشاريع إعمارية في المنطقة
وكانت زيارة الرئيس هادي للمهرة في أغسطس/آب هي الأولى منذ عام 2012، أي في مطلع رئاسته. ويبدو أنَّه كان هناك للترويج لإطلاق مشروعات إعادة إعمار بالشراكة مع السعودية، من بينها بناء محطة تنقية مياه ومحطة لتوليد الطاقة ومستشفيات.
لكنَّ مشهد لقاء هادي بالسعوديين في المهرة ووضعه حجر الأساس بطريقة احتفالية لم ينجح إلا في إغضاب الكثيرين من سكان المحافظة وتحفيزهم لتصعيد حركتهم الاحتجاجية.
ثم ظهرت القواعد العسكرية السعودية
وفي هذا الصدد، قال أسامة: "رحَّب هادي بالتدخل السعودي، وبعد زيارته للمهرة، حاول السعوديون إنشاء 4 قواعد عسكرية جديدة في سيحوت، لكن السكان منعوهم من ذلك. كانت هذه رسالة واضحة بأنَّ هادي لا يمثل سكان المهرة".
وفي محاولة لتهدئة احتجاجات سكان المهرة ضد السعودية ، تعهَّدت الرياض في شهر يونيو/حزيران بأنَّها ستسلم جميع القواعد والمنشآت التي تسيطر عليها إلى القوات اليمنية في غضون شهرين وتغادر المهرة.
وعلى مدى شهرين، قوبلت الاحتجاجات، التي ضمت أحياناً مئات اليمنيين، بالقمع. لكن بحلول شهر سبتمبر/أيلول، أصبح جلياً للسكان أنَّ السعوديين لم ينكثوا وعدهم فقط، بل وكثفوا أيضاً من وجودهم في المحافظة.
قال أسامة: "سيواصل السكان احتجاجاتهم إلى أن يرحل الجنود السعوديون عن محافظتنا".
السعودية تبرر وجودها بالتصدي لتهريب الأسلحة
لكنَّ مشروعات إعادة الإعمار ليست السبب الوحيد الذي ذُكِر لتبرير الوجود السعودي.
إذ أعربت الرياض في مناسبات عدة عن تخوفها من أنَّ الحوثيين يهربون الأسلحة عبر عُمان.
مع ذلك، قال حامد بن علي، وهو ناشط سياسي في المهرة، إنَّ التهريب ليس إلا ذريعة يتخذها السعوديون للسيطرة على المحافظة. ويتوقع حامد أنَّه ربما هناك مصالح اقتصادية تكمن وراء هذه السيطرة.
وأضاف حامد في تصريح للموقع: "أكَّد المحافظ أنَّه ليست هناك أي أعمال تهريب في المهرة، لذا (رسمياً) لا داعي لوجود السعوديين. إضافة إلى أنَّ القواعد العسكرية أقيمت في مناطق سكنية وليست في مناطق يُحتمَل أن تحدث فيها عمليات تهريب".
وذلك في مدينة لم تسقط بأيدي الحوثيين
وبدأ الحوثيون يجتاحون اليمن في 2014، وتمكَّنوا من السيطرة على العاصمة صنعاء ثم على مدينة عدن الساحلية جنوب اليمن. لكنَّ القوات الموالية للحكومة اليمنية نجحت في استعادة الكثير من هذه المناطق الآن.
مع ذلك، لم تسقط المهرة قط في أيدي المتمردين، وحظيت قوات الجيش اليمني المتمركزة هناك بدعم مستمر من جانب هادي والحكومة اليمنية.
وقال حامد: "القوات اليمنية في المهرة لا تنتمي للحوثيين، ويمكنهم حمايتنا من أعمال التهريب أو أية تهديدات محلية أخرى، لكن لا يمكنهم حمايتنا من السعوديين".
بعض السكان يرحبون بالوجود السعودي والبعض يشكّ بأطماع نفطية
لكن ليس كل مَن في المهرة يعارض الوجود السعودي.
صرح سرور، أحد سكان المهرة للموقع: "السعوديون جيراننا، وليست هناك مشكلة في أن يساعدونا على حماية اليمن من أعمال التهريب، فهم يعملون جنباً إلى جنب مع السلطات اليمنية".
ومع ذلك، يعتقد أغلب السكان، مثل أسامة، أنَّ السعوديين يُخفون خططهم الحقيقية.
فيقول أسامة: "السعوديون ليسوا سعداء بمجرد حمايتنا من التهريب، بل يفعلون ذلك لأغراض اقتصادية".
ففي أغسطس/آب الماضي، حصل موقع "عربي 21" الإخباري الأردني على وثائق تكشف تفاصيل خطة سعودية لبناء ميناء لتصدير النفط في المحافظة.
وغرَّدت المحللة ليلى خليلي تعليقاً على الاحتجاجات في المهرة قائلةً: "يأتي هذا في سياق غزو السعودية لميناء الغيضة والسيطرة عليه بهدف تحويله لمحطة لتصدير نفطها الخام عبر المحيط الهندي (ونظراً لطبيعة هذه المحطات التي تتطلب معدات ثقيلة، فلن تفيد السكان إطلاقاً)".
This comes in the context of Saudi Arabia invading and holding the port of Al Ghaydah in order to turn it into an Indian Ocean oil terminal for its crude (which given the automated nature of such terminals will not benefit the residents one bit). https://t.co/xLtIw3jOEA
— Laleh Khalili (@LalehKhalili) September 17, 2018
لذا مُنع صيادو المنطقة من الإبحار تحضيراً للميناء الجديد
ويعد الشريط الساحلي لمحافظة المهرة، الذي يبلغ 560 كيلومتراً، الأطول بين محافظات اليمن.
وفي حين قد يُشكِّل هذا عامل جذب للحكومة السعودية التي تتطلع لإيجاد منافذ جديدة لموردها الأساسي -أي النفط- فإنَّه يُعَد كذلك مصدر المعيشة لمئات من الصيادين اليمنيين.
غير أنَّ السعودية، تحت ذريعة مكافحة التهريب، قلَّصت كثيراً المناطق التي يُسمَح فيها للصيادين بالإبحار، ومنعتهم تماماً من الصيد قرب ميناء نشطون الرئيسي.
"لا أحد راضٍ عن وجودهم ولكن لا نستطيع معارضتهم"
ولا تقتصر احتجاجات سكان المهرة ضد السعودية على الشارع فقط، إذ يظهر السخط في أروقة سلطة المحافظة أيضاً.
فقال مسؤول في المحافظة للموقع، دون الكشف عن هويته جراء مخاوف أمنية: "لا أحد راضٍ عن الوجود السعودي في المحافظة، حتى الرئيس نفسه، لكنَّ أحداً لا يستطيع معارضتهم".
وأضاف: "التهريب ليس إلا ذريعة، ولا نعلم ما وراء الاهتمام السعودي بهذه المنطقة. السعوديون هم غزاة يحملون تصريحاً رئاسياً".
المنافسة الإماراتية السعودية على المهرة وحضرموت
وخلق الوجود السعودي في المهرة تأثيراً نادراً؛ إذ بات موضوعاً يمكن لكلٍ من اليمنيين المؤيدين للحكومة والمؤيدين للحوثيين الاتفاق عليه.
ومن المفارقة كذلك أنَّه ربما يشير إلى انقسامٍ متنامٍ داخل التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن؛ إذ تتنافس الرياض وحليفتها المقربة الإمارات على النفوذ في البلاد.
فغرَّد عباس الضالعي، الصحفي اليمني المؤيد للرئيس هادي، يقول: "الحرب الحالية في اليمن ليست لها علاقة باستعادة الشرعية وإنهاء الانقلاب، وإنما هي غزو لسعودي إماراتي، يهدف لسيطرة السعودية على المهرة و(المحافظة المجاورة) حضرموت، في حين تسيطر الإمارات على الجزر والموانئ والمطارات والمنافذ والسواحل. إنَّه غزوٌ كامل الأركان".
وأضاف الضالعي أنَّه يتعين على الشعب اليمني أن يستفيق ويرفض خديعة السعودية والإمارات.
"ترغب كلتاهما في امتصاص ثروة اليمن"
وفي تصريح للموقع، أعرب المحلل السياسي الحوثي محمد الديلمي عن تأييده لرأي الضالعي، وقال إنَّه يعتقد أنَّ السعودية ربما تستغل المهرة للاستثمار أو تحقيق أغراض اقتصادية مستقبلية أخرى.
وقال للموقع: "حدث انقسامٌ بالفعل بين السعودية والإمارات، والهدف الأساسي لهذا الانقسام اقتصادي؛ إذ ترغب كلتاهما في امتصاص ثروة اليمن".
أما فيما يتعلق بالرئيس هادي، فقال الديلمي إنَّه مجرد تابع للسعوديين ولا يمكنه معارضتهم.
وكان موقع Middle East Eye كشف في شهر يونيو/حزيران الماضي أنَّ السعودية والإمارات أجبرتا هادي -الذي شبَّه سابقاً الوجود الإماراتي في بلاده بالاحتلال- على دعم هجومٍ على مدينة الحديدة الاستراتيجية غربي اليمن.
السعودية منزعجة من عُمان لموقفها الدبلوماسي من طرفي النزاع
تُعرَف المهرة بأنَّها البوابة إلى شرق اليمن، وتمتد المحافظة على طول الحدود مع عُمان.
وسلطنة عمان هي أحد أعضاء مجلس التعاون الخليجي، وترتبط بعلاقات وثيقة مع الرياض وأبوظبي.
لكن على الرغم من هذا، آثرت عمان -كما تفعل دوماً في الصراعات الإقليمية- أن تكون الوسيط الأمين بدلاً من أداء دور مُشعِل الحرب. واستضافت في عدة مناسبات منذ بداية التدخل السعودي عام 2015 مفاوضات سلام وُلِدَت ميتة وانتهت بالفشل.
لكن ما أثار غضب السعودية هو أنَّ عُمان آوت بعض قادة الحوثيين، مثل المتحدث الحوثي محمد عبد السلام، إلى جانب أنَّ قادة آخرين في الجماع، غالباً ما يسافرون إلى عُمان قادمين من اليمن.
وتعتبرها مؤيدة للحوثيين لأنها لم تنبذهم
وقال محمد علي، وهو صحفي يمني متمرس يقيم في تعز، في تصريحٍ للموقع إنَّ العلاقات السعودية العمانية أصبحت حساسة جداً بعد رفض مسقط الانضمام للتحالف ضد الحوثيين.
وأضاف: "عُمان دولة مستقلة، وتتقبل كافة الأطراف باستقلالية؛ لذا لم تشارك في الحرب ضد الحوثيين، ولم تدعم كذلك الحوثيين ضد التحالف بقيادة السعودية".
وتابع: "بعض الحوثيين يعيشون في عمان.. ويزور مسؤولون سعوديون كذلك عُمان، لكنَّ السعودية تعتبر عمان مؤيدة للحوثيين لأنَّها لم تنبذهم".
والسيطرة على المهرة تحذير صريح لعُمان
ويعتقد علي أنَّ العلاقة بين عُمان والسعودية قد تسوء إذا اتهمت الرياض مسقط رسمياً بتهريب الأسلحة إلى الحوثيين.
ويعتبر كثيرٌ من اليمنيين، من بينهم علي، أنَّ السيطرة السعودية على المهرة تمثل تحذيراً لعُمان -التي سمحت لها ثرواتها بتبني سياسة خارجية أكثر استقلالية- تستهدف الرياض منه إخبار مسقط أنَّها لن تقبل أي حركة للبضائع أو الأسلحة أو الأشخاص عبر الحدود.
والسكان يخططون لاحتجاجات سلمية لتحرير المحافظة
وبعيداً عن التوترات والاعتبارات الإقليمية، يرى سكان المهرة، مثل أسامة، أنَّهم وحدهم مَن لديهم سلطة تحرير المحافظة.
وفي هذا الصدد، قال أسامة: " احتجاجات سكان المهرة ضد السعودية ستتصاعد إلى أن تعود محافظتنا كما كانت من قبل، وسنقيم مخيمات احتجاجية قرب القواعد العسكرية السعودية في مناطق عديدة في المهرة".
وأضاف: "نحن أناس سلميون ولا نستخدم الأسلحة؛ لذا يستغل السعوديون سلميتنا لغزو محافظتنا، لكن هذا لا يعني أنَّنا بلا سبل للتصعيد. لدينا بعض خطوات التصعيد، وقريباً سيسمع العالم بأكمله عن قضيتنا".