بالعقوبات تارة، والحظر تارة أخرى.. هكذا يستهدف ترامب المؤسسات الدولية لإرضاء الاحتلال الإسرائيلي

عربي بوست
تم النشر: 2025/07/30 الساعة 12:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/07/30 الساعة 12:26 بتوقيت غرينتش
صورة تجمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو/ رويترز

تمضي الولايات المتحدة قدماً في سياستها العِدائية تجاه المؤسسات الدولية والأممية وخاصة خلال ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الثانية، حيث تقدم الجمهوريون في الكونغرس بمشروع قانون لفرض حظر جديد على تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في الوقت الذي تعاني فيه غزة من مستويات غير مسبوقة من المجاعة.

وصوتت لجنة المخصصات في مجلس النواب، التي يهيمن عليها الحزب الجمهوري، الأسبوع الماضي على حظر الدعم المالي للأونروا، التي شكلت لفترة طويلة المركز الرئيسي لتوزيع المساعدات في غزة.

وفي حالة إقرار الكونغرس لهذا الحظر، فإنه من شأنه أن يعزز الحصار المالي المفروض على الأونروا والذي بدأ العام الماضي عندما فرضت إسرائيل على الوكالة حملة ضغط مكثفة، وفق تقرير لموقع ذا انترسبت الأمريكي.

إيطاليا تستأنف تمويل الأونروا
عناصر من جنود الاحتلال أمام إحدى مقرات وكالة الأونروا بغزة

وقد أثار مقترح الحظر الأخير استياء المراقبين الذين يسعون إلى زيادة تدفق المساعدات إلى الفلسطينيين في غزة.

يذكر أن الكونغرس كان قد فرض حظراً على تمويل الأونروا لأول مرة في مارس/آذار 2024، بعد أن روجت إسرائيل لادعاءات بتورط موظفي الوكالة في هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وفي خطوة أبعد من الحظر الذي فرض العام الماضي، فإن مشروع قانون المخصصات في مجلس النواب من شأنه أن يحظر تمويل أمانة الأمم المتحدة، الوكالة الأم للمنظمة، حتى تنشر نسخة غير محررة من التحقيق الذي أجرته الأمم المتحدة في أغسطس/آب 2024 في مزاعم إسرائيل بأن موظفي الأونروا كانوا متورطين في هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

استهداف أمريكي للمؤسسات الدولية

ولا تقتصر سياسة الولايات المتحدة العِدائية تجاه المؤسسات الدولية والأممية على الأونروا فحسب، بل شمل ذلك أيضاً عدة مؤسسات أخرى من بينها منظمة اليونسكو والمحكمة الجنائية الدولية، فضلاً عن مقاطعة اجتماعات دولية هامة كقمة مجموعة العشرين في جنوب أفريقيا واستهداف شخصيات أممية مناهضة للاحتلال الإسرائيلي.

ويلاحظ أن القاسم المشترك بين كل هذه المؤسسات التي طالتها سهام النقد والعقوبات الأمريكية هو أنها تبنت مواقف داعمة للقضية الفلسطينية ومناهضة للحرب الإسرائيلية على غزة، وارتبطت الأسباب التي ساقتها الولايات المتحدة لتبرير سياستها تجاه هذه المؤسسات بالدعم الأمريكي لإسرائيل.

ويمكن تفصيل أبرز هذه المواقف الأمريكية تجاه عدد من المؤسسات والشخصيات الأممية فيما يلي:

أولاً: ترامب يستبعد حضور قمة مجموعة العشرين في جنوب أفريقيا لرفضه سياساتها

قال الرئيس الأمريكي ترامب، الثلاثاء، إنه ربما لا يحضر قمة قادة مجموعة العشرين المقبلة بجنوب أفريقيا في نوفمبر/تشرين الثاني، ويرسل ممثلاً آخر عن الولايات المتحدة، عازياً ذلك إلى رفضه سياسات جنوب أفريقيا.

وقال ترامب لصحفيين على متن الطائرة الرئاسية: "أعتقد أنني سأرسل ممثلاً آخر لأنني واجهت الكثير من المشاكل مع جنوب أفريقيا. لديهم سياسات سيئة للغاية".

وانتقد ترامب سياسات جنوب أفريقيا الداخلية والخارجية، بدءاً من سياستها المتعلقة بالأراضي، ووصولاً إلى اتهامها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في حربها على غزة.

ووقّع ترامب أمراً تنفيذياً في فبراير/شباط لخفض المساعدات المالية الأمريكية لجنوب أفريقيا. وفي مايو/أيار، واجه ترامب رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامابوسا، بمزاعم كاذبة عن إبادة جماعية للبيض ومصادرة أراضٍ خلال اجتماع في البيت الأبيض.

ترامب
صورة للقاء سابق بين ترامب ونتنياهو/ رويترز

وفي وقت سابق من العام، قاطع وزير الخارجية، ماركو روبيو، اجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين في جنوب أفريقيا التي تتولى رئاسة المجموعة من ديسمبر/كانون الأول 2024 إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2025.

وتتذمر واشنطن، سواء في عهد ترامب أو الرئيس السابق جو بايدن، من القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، والتي اتهمت فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية بسبب هجومها العسكري على غزة.

وأسفر الهجوم الإسرائيلي عن مقتل عشرات الآلاف، وتسبب في أزمة جوع ونزوح جميع سكان غزة، وأدى أيضاً إلى اتهامات بارتكاب جرائم حرب في المحكمة الجنائية الدولية.

كما توترت العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا في عهد ترامب بسبب سياسات جنوب أفريقيا المتعلقة بالتمكين الاقتصادي للسود لمعالجة إرث قرون من عدم المساواة العرقية، وفق وكالة رويترز.

ثانياً: عقوبات أمريكية على 4 قضاة من المحكمة الجنائية الدولية

أعلن وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، في يونيو/حزيران الماضي فرض عقوبات على 4 قضاة من المحكمة الجنائية الدولية بزعم "انتهاكهم سيادة الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل".

وفي منشور عبر منصة إكس، دعا روبيو المحكمة الجنائية الدولية إلى التوقف عن ما اعتبره "استهدافاً للولايات المتحدة وحليفتها الوثيقة إسرائيل بطريقة لا أساس لها ومسيّسة".

وقال روبيو: "اليوم، فرضت عقوبات على 4 قضاة من المحكمة الجنائية الدولية لانتهاكهم سيادة الولايات المتحدة وإسرائيل".

واتهم اثنين من القضاة بالسماح بـ"تحقيق لا أساس له" ضد موظفين أمريكيين في أفغانستان، والآخرين بإصدار "أمر اعتقال غير شرعي" بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت.

قراءة قانونية في طلبات المدعي العام للمحكمة الجنائية.. هل تتم محاسبة إسرائيل؟!
المحكمة الجنائية الدولية/ رويترز

يذكر أن المحكمة الجنائية الدولية أصدرت في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 مذكرة اعتقال بحق نتنياهو وغالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.

وفي 18 يوليو/تموز الماضي، أوقفت قاضية أمريكية تطبيق الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب، والذي يستهدف أولئك الذين يعملون لدى المحكمة الجنائية الدولية.

يأتي هذا الحكم في أعقاب دعوى قضائية رفعها اثنان من المدافعين عن حقوق الإنسان في أبريل/نيسان الماضي للطعن على الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب في السادس من فبراير/شباط، والذي يُجيز فرض عقوبات اقتصادية وعقوبات مرتبطة بالسفر واسعة النطاق على المشاركين في تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية المتعلقة بمواطنين أمريكيين أو حلفاء للولايات المتحدة، مثل إسرائيل.

وفرض الأمر التنفيذي عقوبات على المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، وهو بريطاني الجنسية. كما وضعه مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية على سجل الأفراد والكيانات الخاضعين للعقوبات.

ثالثاً: عقوبات أمريكية على المقررة الأممية لحقوق الإنسان

وفي يوليو/تموز، أعلنت الولايات المتحدة فرض عقوبات على فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي وجهت انتقادات شديدة لحرب إسرائيل في قطاع غزة.

وقال روبيو في بيان: "أفرض عقوبات على المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان، فرانشيسكا ألبانيز، لجهودها غير المشروعة والمخزية لدفع المحكمة الجنائية الدولية إلى اتخاذ إجراءات ضد مسؤولين وشركات ومديرين تنفيذيين أمريكيين وإسرائيليين".

من جانبها، قالت ألبانيز، الأربعاء 30 يوليو/تموز، إن العقوبات التي فرضتها عليها الإدارة الأمريكية تلحق أضراراً بها، وهي "أمر في غاية الخطورة".

وأكدت في مقابلة مع وكالة أسوشيتد برس أن إدراج اسمها على قائمة العقوبات الأمريكية يُعد أمراً "خطيراً جداً"، وأن استخدام العقوبات كأداة سياسية قد يكون "مدمراً".

وأضافت: "العقوبات ستضرني، ماذا يمكنني أن أفعل؟ لقد قمت بكل شيء بنية حسنة، وأنا أعلم أن التزامي بالعدالة أكثر أهمية من مصالحي الشخصية".

وفي وقت سابق، طالبت الولايات المتحدة الأمريكية الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بإقالة ألبانيز من منصبها.

فرانشيسكا ألبانيز.. سيدة إيطالية أمام الاحتلال وحلفائه
فرانشيسكا ألبانيز: من طفلة استيقظت على مجزرة صبرا وشاتيلا إلى امرأة تُسمّي الإبادة في سيدة تواجة الاحتلال و آلة الصمت الدولي – (عربي بوست)

ودعت البعثة الأمريكية الدائمة لدى الأمم المتحدة، في بيان مطلع يوليو/تموز الجاري، إلى إدانة ألبانيز وإقالتها من منصبها، زاعمةً أنها صعّدت مؤخراً خطابها "المعادي للسامية" و"المعادي لإسرائيل".

وأضافت البعثة في بيان أن "في حال عدم اتخاذ مثل هذه الخطوة، فإن ذلك لن يضر فقط بمصداقية الأمم المتحدة، بل سيدفع الولايات المتحدة إلى اتخاذ إجراءات بنفسها".

وفي التاسع من يوليو/تموز الجاري، أعلن وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، إدراج ألبانيز على قائمة العقوبات لجهودها لدفع المحكمة الجنائية الدولية إلى اتخاذ إجراءات ضد الولايات المتحدة وإسرائيل.

وفي اليوم التالي، أدانت لجنة الإجراءات الخاصة التابعة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بشدة، قرار الولايات المتحدة بفرض عقوبات على ألبانيز.

رابعاً: انسحاب أمريكي من اليونسكو 

وقبل عدة أيام، أعلنت واشنطن انسحابها من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، بزعم "انتشار الخطاب المعادي لإسرائيل داخل المنظمة"، وهي الخطوة التي رحبت بها تل أبيب.

ويتزامن قرار واشنطن مع دعمها المتواصل لحرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل في غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهو ما خلف أكثر من 200 ألف فلسطيني بين قتيل وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود.

وقالت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان إن واشنطن أبلغت المديرة العامة لليونسكو، أودري أزولاي، بقرارها "الانسحاب من المنظمة"، مضيفة أن "استمرار المشاركة في اليونسكو لا يخدم المصلحة الوطنية للولايات المتحدة".

واعتبرت الخارجية الأمريكية "قرار اليونسكو بقبول دولة فلسطين كدولة عضو (عام 2011) إشكالياً للغاية، ويتعارض مع السياسة الأمريكية"، زاعمة أنه "ساهم في انتشار الخطاب المعادي لإسرائيل داخل المنظمة".

وأضافت أنه "بموجب المادة الثانية (6) من دستور اليونسكو، سيدخل انسحاب الولايات المتحدة حيز التنفيذ في 31 ديسمبر/كانون الأول 2026″، دون تقديم تفاصيل أخرى.

وعلى الفور، أشاد وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، بقرار واشنطن، قائلاً في منشور على منصة إكس: "نرحب بقرار الإدارة الأمريكية الانسحاب من اليونسكو".

وادعى أن "هذه خطوة ضرورية صُممت لتعزيز العدالة وحق إسرائيل في معاملة عادلة في منظومة الأمم المتحدة"، معتبراً ذلك "حقاً لطالما انتُهك بسبب التسييس في هذا المجال".

تحميل المزيد