يتحدثون العربية وينفذون اغتيالات واعتقالات وسط مخيمات الضفة.. ما هي “وحدة المستعربين” داخل جيش الاحتلال؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/03/23 الساعة 09:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/03/23 الساعة 09:04 بتوقيت غرينتش
عناصر من وحدة المستعربية يلقون القبض على فلسطيني خلال مظاهرة (رويترز)

رغم انشغاله باستئناف العدوان على غزة، قام رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بزيارة مفاجئة قبل أيام إلى قاعدة وحدة "المستعربين" التابعة لحرس الحدود في الضفة الغربية، برفقة قادة الشرطة والجيش والمخابرات، وتلقّى إحاطة حول الأنشطة العملياتية المكثفة للوحدة منذ اندلاع الحرب على غزة، وعملياتها في الضفة خلال الشهور الأخيرة.

خلال زيارته المفاجئة، خاطب نتنياهو عناصر المستعربين قائلاً: "أنا هنا في وحدة المستعربين، رأس الحربة لدينا، تخترقون العمق، تُخرجون 'العدو' عن توازنه، وتتعاملون معه. عملياتكم مهمة في كل الأوقات، لكنها أكثر أهمية في هذه الفترة".

وقال نتنياهو: "بينما نخوض حرباً عنيفة ضد حماس في غزة، نحن على دراية بإمكانية فتح جبهة أكبر وأكثر كثافة وقوة في الضفة، ولذلك فإن عمل وحدة المستعربين يحقق نتائج هائلة لأمن إسرائيل".

تكشف هذه الكلمات عن الأهمية الخطيرة التي تحوزها وحدات "المستعربين" في جيش الاحتلال، الأمر الذي يدفع لتعريف القارئ بماهيتها من خلال التعرف على: هويتها، ولماذا تسمى بهذا الاسم، وكيف تعمل، وما أبرز مهامها، ولماذا يعتمد عليها الاحتلال كثيراً.

بالإضافة إلى معايير اختيار عناصرها، وكم يبلغ عددهم، مع تقديم كشف بأهم ما ارتكبته من جرائم اغتيال وتصفية واعتقال، واستكشاف تأثير عملياتها على واقع المقاومة في الضفة، وهل لها عمل خارج الأراضي المحتلة مثلاً؟

كيف تأسست وحدة المستعربين؟

يُعتبر المؤسس الأول لوحدات المستعربين الضابط الكبير في جهاز الأمن العام – الشاباك، شموئيل موريا، وتم تشكيلها في مرحلة ما قبل قيام الدولة من يهود مهاجرين من دول عربية، اجتازوا تدريبات مكثفة، وتم إقحامهم في البلدات الفلسطينية المحتلة.

ولم يتوقف عمل وحدة المستعربين آنذاك على تنفيذ مهمة خاصة مثل مستعربي اليوم، ثم يعودون إلى قواعدهم العسكرية، بل يبقون مقيمين في البلدات الفلسطينية، وصولاً إلى تكوين عائلة كاملة، وكان مظهرهم الخارجي مقبولاً عند الفلسطينيين، كي يستطيعوا الانصهار بينهم دون إثارة أي شبهات، حتى إن بعضهم انقطع عن عائلاتهم اليهودية فترات زمنية طويلة.

تُقال كلمة المستعربين باللغة العبرية "مستعريفيم"، وتعني أن إنساناً غير عربي يريد الانخراط بين العرب، وتتحدث مذكرات عدد من قادة المخابرات الإسرائيلية عن أن التدريبات التي خاضها المستعربون شملت تعليمهم مفاهيم الإسلام، وقراءة القرآن، واللهجة الفلسطينية المحلية.

بالإضافة إلى امتهان عمل الاستخبارات والتعقب والملاحقة، والتخفي عن الأشخاص المستهدفين، بجانب كتابة التقارير السرية، وكجزء من عمليات التخفي، فقد تزوج بعضهم سيدات فلسطينيات مسلمات، وأنشأوا معهن عائلات كاملة، دون أن يخبروهن بهويتهم الحقيقية.

ومع اندلاع انتفاضة الحجارة أواخر العام 1987، وتصاعد قوة المقاومة، وإيقاعها الخسائر في صفوف الجنود والمستوطنين، لجأ جيش الاحتلال إلى تفعيل وحدات المستعربين لتنفيذ الاغتيالات في صفوف المقاومين، وكان لها الدور الأكبر فيما بعد في ملاحقتهم وتصفيتهم طوال سنوات الانتفاضة.

ومع الوقت تعددت أسماؤها مثل "الوحدات الخاصة، وحدات المستعربين، فرق الموت، المخبرون السريون"، تخفيفاً لوقعها السيئ على الفلسطينيين.

في السنوات الأخيرة، يستخدم جيش الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة عدداً من وحدات الاغتيال والتصفية الجسدية، يرتدي أفرادها ملابس مدنية، ويسعون إلى تصفية نشطاء المقاومة البارزين، أبرزها وحدة (دوفدفان) وتعني الكرز، و(شمشون).

ومن أساليب "المستعربين" المتبعة قبيل تنفيذ الاغتيال:

  • انتحال شخصيات عربية فلسطينية.
  • الاختلاط بالمتظاهرين لإلقاء القبض على أشخاص معينين معروفين وبارزين.
  • انتحال شخصية صحفيين لاعتقال أشخاص أو التقاط صور للمطلوبين.

وقد جاء عمل هذه الوحدات رداً على المشكلات التي واجهها الجيش في محاربة المقاومة، ومن أهمها:

  • المعنويات المتدنية في صفوف الجنود نتيجة الفشل في إنهائها.
  • الصورة السلبية في الصحافة الدولية، بسبب وحشية معاملة الجيش للمدنيين الفلسطينيين.

التجنيد والتدريب

عندما أعاد "إيهود باراك"، رئيس أركان الجيش ووزير الحرب الأسبق، تفعيل عمل المستعربين أواخر 1987، كانت بحجم فصيلة عسكرية، ومعظم مجنديها خريجون ناجحون من وحدات مختلفة في الجيش.

غير أن تصاعد حدة المقاومة دفعه إلى تنظيم الوحدة، وتوسيع حجمها، وأصبح بإمكان من تبلغ أعمارهم 18 عاماً اختيار الالتحاق بها بالطريقة نفسها التي يمكنهم اختيار الالتحاق بأي وحدة نخبوية في الجيش مثل "المظليين وغولاني وغفعاتي".

ونظراً لما حازت عليه وحدات المستعربين من أهمية لافتة لدى الفلسطينيين والإسرائيليين، فقد أنتج التلفزيون الإسرائيلي مسلسلاً حظي بانتشار كبير اسمه "فوضى"، من 12 حلقة، يحكي عن قصص الحرب الدموية التي لا تنتهي بين المستعربين والمقاومين.

وقد اتضح أن الرد الإسرائيلي على المقاومة لم يقتصر على الإجراءات السلبية أو الدفاعية، بل اتخذ طابعاً هجومياً متزايداً، على شكل تكثيف نشاط "فرق الموت"، وأكد الرئيس الأسبق لهيئة العمليات في الجيش، العميد شموئيل أراد، بأنه تم تعزيز الوحدات الخاصة إثر ارتفاع أعمال المقاومة المسلحة.

وقد تم إدخال بعض التعديلات النفسية الخاصة للمساعدة في الاختيار، كما يجري تدريب الناجحين من أصحاب الطلبات في برنامج طويل وشاق قبل إرسالهم في مهمات.

ورغم أن أفضلية التجنيد في الوحدة تُعطى لجنود ذوي ملامح شرق أوسطية، فإن الانضمام لها متاح للآخرين أيضاً، ولا يقتصر المستعربون على جنود الجيش، بل تساهم شرطة حرس الحدود في رفدها بكثير من العناصر.

يقوم جيش الاحتلال بإعداد نموذج لقرية عربية، فيها دكاكين متراصّة، ومسجد يتوسّطها، وبجانبه مدرسة خُطّت على جدرانها الشعارات الوطنية، وعدد من السيارات في أزقّة ضيقة، وامرأة قروية ومزارع يكدّ ويتعب.

ولكن إن اقتربت أكثر من معالم هذه القرية، تكتشف أنها مصنوعة من "الجبص"، والرجال يُغيّرون شخصياتهم، وبالعكس، وهذا النموذج اصطنعه الجيش كي يتدرب فيه المستعربون، ويتعايشوا مع نمط الحياة الفلسطينية.

بالإضافة إلى الاطلاع على العادات والتقاليد السائدة في الضفة والقطاع، حتى لا يثيروا الشكوك في شخصياتهم عندما يقومون بأعمال اختطاف وتصفية داخل المجتمع الفلسطيني "الحقيقي".

مع العلم أن المستعربين دأبوا على ارتداء الملابس المحلية الفلسطينية، ومعرفة الأزقّة الصغيرة مثل راحة أيديهم، ومتابعة ما يُقال من أحاديث بين الفلسطينيين، ويتسللون منتحلين صفة مواطنين فلسطينيين، ثم يدعون قوات الجيش لاقتحام المنطقة حال معرفة مكان المطلوبين.

الوجوه السمراء والأزياء التنكرية

ينتمي أعضاء وحدات "المستعربين" إلى تيارات سياسية إسرائيلية شتى، رغم أنهم يؤثرون وضع توجهاتهم السياسية جانباً حين يقومون بعملهم اليومي، ونظرتهم أن من الضروري أن يتقنوا ما يُطلب منهم من مهام دموية ضد الفلسطينيين، بغضّ النظر عن موقفهم السياسي وأيديولوجيتهم الحزبية.

وعند القيام بأعمالهم السرية، يصل عناصر هذه الوحدات في سيارات غير عسكرية تحمل اللوحات الخاصة بالضفة والقطاع، كما يستخدمون سيارات مصادَرة من أصحابها في المنطقة لأسباب عسكرية، فهي مألوفة للسكان المحليين.

بالإضافة إلى ذلك، تستعمل وحدة المستعربين الشاحنات في كثير من الأحيان، لسهولة نقل أعداد كبيرة من أعضاء القوات السرية، ولنقل القتلى والجرحى من الساحة.

وجرت العادة لدى جنود الاحتلال أن يقيموا حواجز عسكرية طارئة، يقومون خلالها بإيقاف سيارات الفلسطينيين، لا سيما "بيجو 404، و504 الفرنسية" والسيارات الكبيرة "الفان"، والفولكسفاغن، حيث يؤمر أصحابها بتركها ليقوم جندي بقيادتها لمدة قصيرة في تجربة لإمكاناتها، فإن كانت بلا مشاكل أخذوها، طالبين من مالكها المُضيّ في طريقه دونها.

وكثيراً ما كان يرى الفلسطينيون عدداً من هذه السيارات المماثلة داخل معسكرات الجيش، مما أكد أن الجنود يأخذون سياراتهم ليستخدمها المستعربون، الذين يتم اختبارهم من ذوي الوجوه السمراء، وكأنهم عرب، ليدخلوا أحياءهم وأزقتهم، ويقوموا بتنفيذ عمليات المطاردة والقتل الفجائية.

وفي محاولة لطمس الفارق بين اليهودي والعربي، تحاول قوات المستعربين التماشي مع الأزياء والعادات المحلية من خلال ارتداء ملابس مدنية صُنعت محلياً، أو ألبسة عربية تقليدية، وضمان أن يكون عضو واحد على الأقل منهم يجيد التحدث باللغة العربية.

وفي ظل حرص المستعربين على التنكر في زي تجار خضار يرتدون الزي الشعبي الفلسطيني، فإنهم يتنقلون في سيارات مرسيدس يستخدمها هؤلاء.

الشعر الاصطناعي والعكّازات المزيفة

يستخدم "المستعربون" أزياء مسرحية مثل: الشعر الاصطناعي، والعكازات المزيفة، والثياب الفضفاضة لإخفاء الأسلحة، كما يتنكرون كصحفيين أجانب، وفي أزياء سياح.

وفي عدة مناسبات، يتظاهرون بأنهم يهزّون رضيعاً اكتُشف فيما بعد أنه دمية أو سلاح، كما تظاهروا بأنهم موظفون في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، بغية التسلل إلى مخيمات اللاجئين دون أن يكشفهم أحد.

وهناك مستعربون يذهبون لتنفيذ مهامهم الدموية ضد الفلسطينيين وهم مُقنّعون تماماً، ويتظاهرون بأنهم أعضاء في قوى المقاومة، ويشاركون في نشاطاتها من أجل التجسس على المقاومين.

لكن الحيلة الأكثر رواجاً هي التنكر كنساء أو كهول، ولذلك تم استخدام صالونات التزيين التجارية، ثم استُبدلت بغرف تجميل يديرها أعضاء في الجيش، للوصول إلى مرحلة التنكر الكامل، مع العلم أن تنكر المستعربين بزي صحفيين أجانب قد يزيد من صعوبات عملهم في الضفة الغربية، وبالتالي قد تتحول مهامهم إلى شبه مستحيلة.

القتل التعسفي

يجري تنسيق العمليات السرية التي ينفذها المستعربون في العادة مع وحدات أخرى من جيش الاحتلال وجهاز الأمن العام – الشاباك، الذي يوفر المعلومات والخلفيات بشأن الضحية الفلسطينية المقصودة، ويشارك في قتل المطلوبين.

ويتضمن التخطيط في العادة نصب كمين للأفراد أو المجموعات المقصودة بسرعة، واستخدام عنصر المفاجأة، وتدل طبيعة الأهداف المقصودة بهذه الهجمات، وهم المقاومون، وطبيعة التنفيذ، كالكمائن والتخطيط المسبق، على أنها تستند إلى معلومات دقيقة ذات مصدر محلي، لا يمكن توفيرها إلا بواسطة عملاء مرتبطين بسلطات الاحتلال.

وتشارك وحدات المستعربين في عمليات اغتيال مدبرة، وأعمال قتل تعسفية دون الإحالة إلى القضاء، بالتنسيق الكامل معهم، وأكدت منظمات حقوق الإنسان أن ما يقومون به ليس فقط خرقاً لتعليمات الجيش الخاصة بإطلاق النار دون أن يُعاقب المخالفون، بل يجري العمل على إيجاد غطاء لهذه الخروقات، بدءاً من المستويات الأولى، وحتى أعلى المستويات في المؤسسة العسكرية.

يخرج المستعربون في صباح اليوم المحدد إلى المكان الذي سيشهد تنفيذ مهمتهم الدموية: اعتقالاً أو اغتيالاً، يرتدون الكوفية الفلسطينية على أعناقهم، ويحملون أعلام فلسطين، وفي بناطيلهم يضعون المسدسات، وتبدأ مهمتهم حين يتقدمهم أصحاب الخبرة الطويلة، فيما تكون العناصر الجديدة في الخلف خشية انكشاف أمرهم.

بعد ذلك، ينتشرون بين صفوف المتظاهرين، ويسلطون الضوء على العناصر المركزيين منهم، وفي لحظات معدودة يتم الاتصال بين المستعربين وقوات الجيش لاقتحام المظاهرة، حيث يضعون أيديهم على المتظاهرين الخطرين، ويسلمونهم إلى قوات الجيش.

تعمل وحدة المستعربين وفقاً لتعليمات رسمية خاصة بها، تجاوزت حتى تعليمات الجيش لإطلاق النار، مما يعني أن غالبية الحالات التي قامت بها للقبض على مقاومين كان هدفها القتل العمد، وليس محاولة القبض عليهم أحياء، حيث يقوم المستعربون بإطلاق النار دون تحذير مسبق للمقاوم.

وهناك حوادث جرى فيها إطلاق النار دون تحذير، وفي كثير من الحالات قُتل فلسطينيون لم تكن بأيديهم أسلحة قاتلة، ولم يشكلوا خطراً على حياة جنود الاحتلال.

بعد الانتهاء من عملية يسفر عنها قتل فلسطيني أو أكثر، يضع المستعربون في بعض الأحيان جثته في سيارتهم، ويغادرون مكان الحادث، متجهين إلى القاعدة العسكرية المحلية، أو إلى مستوطنة قريبة، وفي الحالات التي لا تجري فيها العمليات كما هو مخطط لها، يتم استدعاء الجيش فوراً للمساعدة في سحبهم من المكان، خشية مجابهتهم من قِبَل الفلسطينيين المحليين.

غطاء الجيش والحكومة

يتم إمداد وحدة المستعربين بأموال وفيرة تسهل عليهم الوصول إلى معلومات حساسة للاستخبارات يجمعها عملاء الشاباك المنتشرون في الأراضي المحتلة، ويأتي دعمها من أعلى درجات المؤسسة العسكرية.

حيث عبّر قائد الجيش السابق في القطاع، "تسفي بولاغ"، عن دعمه لأسلوب المستعربين قائلاً: "إنني أساند عضواً في المستعربين إذا أطلق النار على فلسطيني، أو إذا قتل أحداً بطريقة غير قانونية".

كما أن كبار قادة الجيش يصفون أداء المستعربين بـ"النجاح المتميز"، مما يؤكد أن هذا الإطراء والثناء، وهذا التبني الواضح، يثبت أن عملهم لا يتم في دائرة منفصلة، بل في إطار سياسة عامة يتبناها الجيش، والأمر لا يعدو كونه تقاسماً للأدوار بين قطاعاته المختلفة.

وفي تحليل لحالات القتل التي نفذها المستعربون، فقد كان الضحية الفلسطيني عند قتله، سواء كان مقاوماً أو مدنياً عادياً، إما يكتب الشعارات على الجدران، أو يتظاهر، أو يرشق الجنود بالحجارة، أو يطلق النار، أو يواجههم.

أما البقية، فكانوا يمارسون نشاطاً عادياً مثل: زيارة الأصدقاء، الوجود في المنزل مع الأهل، الذهاب إلى الصلاة، أو الخروج من المسجد، أو الركوب في سيارة، أو المشي أو الوقوف في الشارع، وقد قتل هؤلاء بنيران المستعربين من مسافة قريبة جداً تتراوح بين مترين وخمسة أمتار في معظم الحالات.

إخفاقات وأخطاء

إن ما شهدته الضفة الغربية خلال الشهور الأخيرة من نشاط مكثف لوحدات المستعربين، يؤكد أننا أمام سلوك لا يمكن تصنيفه بأنه سلوك جنود في ساحة ميدان أو رجال أمن، بل مجموعات من فرق القتل الدموي العنيف، تؤدي دورها المحكم، حيث تقتل وتصيب الشبان بدم بارد، ثم تغادر المكان تاركة الهلع والخوف على وجوه الفلسطينيين.

مع العلم أن المستعربين، على مدى سنوات عملهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تعرضوا لسلسلة من الإخفاقات، وقاموا بعدة عمليات فاشلة جعلتهم مثار سخرية وانتقاد الصحافة الإسرائيلية، مما أدى إلى تقليص نشاطاتهم عدة مرات.

فضلاً عن التغييرات المستمرة في قياداتهم بعد كل عملية فاشلة، وقد أقدموا في سبتمبر/أيلول 2023 على قتل الطفل رأفت خمايسة (15 عاماً)، فقط لأنه كشف تواجدهم داخل مخيم جنين.

لقد شكلت عمليات الاغتيال الأخيرة في الضفة الغربية مناسبة لتسليط الضوء على العمل الدامي للمستعربين، باعتبارهم سلاحاً خفياً لجيش الاحتلال، الذي لجأ إلى تشكيلهم عقب إيقاع المقاومة للعديد من الخسائر في صفوف جنوده ومستوطنيه.

مع العلم أن عمل المستعربين يبدأ بمجرد أن تصل ما تسمى "المعلومة الذهبية" إلى جهاز الشاباك حول مكان اختباء المقاومين، حيث يتم تحديد سريع للقوة الخاصة المكلفة وإرسالها أولاً لتنفيذ المهمة، تمهيداً لإفساح الطريق للقوات القتالية الأخرى، ويتم تحديد هوية القوة الخاصة وفقاً لمستوى المخاطر الناشئة عن استعداد المسلح للقتال حتى الموت، ونوعية مخيم اللاجئين، والبيئة المحيطة بالمطلوب.

يخرج المستعربون لتنفيذ مهمتهم وهم يستقلون سيارات بلوحات فلسطينية، ويرتدون ملابس فلسطينيين، ويتقنون اللهجة المحلية المحكية، مع الاستعداد الدائم لأي مفاجآت غير متوقعة.

ويعرفون المتاجر، والعائلات المحلية، والشخصيات التي تهيمن على المخيم، والمزاج العام في الشارع، بما في ذلك من تزوج يوم أمس، ويعتمد اللباس الذي يرتدونه على الظروف السائدة والممارسة المطلوبة، وفي لحظة الحقيقة يتم الكشف عن السلاح المستخدم، بحيث يكون مستعداً لإطلاق النار.

وفور معرفة المستعربين لمكان المطلوبين، يدخل جنود الاحتلال بمركباتهم العسكرية المصفحة، وبصحبتهم وحدات تكنولوجية لجمع المعلومات الاستخبارية، وجرت العادة أن يدخل المستعربون إلى البلدات والمخيمات الفلسطينية تحت ستار شاحنات لتوزيع الطعام أو الخضروات، ويجمعون وثائق من كاميرات الشوارع.

ورغم كل التأهيل الذي يمر به المستعربون، فإنهم يمرون أحياناً بلحظات خطرة، ويرتكبون أحياناً أخطاء قاتلة، كفيلة بكشف هويتهم.

تحميل المزيد