أثارت نقابة العلاج الطبيعي في مصر، جدلًا كبيرًا في الوسط الصحي بعد أن نشرت بيانًا يوم السبت 10 أغسطس/ آب 2024، قالت فيه إنه بشأن تكليف خريجي الكليات الطبية (علاج طبيعي – بشري – أسنان – تمريض – صيادلة)، فقد قررت وزارة الصحة أن يكون التكليف لخريجي الكليات الطبية (علاج طبيعي – بشري – أسنان – تمريض – صيادلة) طبقًا لاحتياجات سوق العمل، وليس إلزامًا لجميع خريجي الكليات الطبية المختلفة بأنواعها.
بيان النقابة أثار الجدل ما بين مؤيد لقرار الحكومة وتعللوا بأن الجامعات المصرية تستوعب آلاف الطلاب سنوياً مما زاد من أعداد الخريجين وباتوا أضعاف ما يحتاج السوق المصري، وما بين من يقول إن الحكومة اتخذت القرار دون تهيئة المجتمع المصري له مما سيتسبب في ارتباك للطلاب وأولياء الأمور.
في هذا التقرير نرصد تفاصيل قانون "تقليص أو إلغاء" التكليف في مصر بخصوص خريجي الكليات العملية، وكذلك موقف البرلمان ونقابة الأطباء وكذلك نقابة الصيادلة والعلاج الطبيعي والتمريض من القرار بالإضافة إلى رأي بعض الصيادلة وطلاب كلية العلاج الطبيعي في مصر.
خلفيات القانون الحكومي
أُثيرت هذه القضية في سبتمبر/ أيلول 2022، حين قال ساعتها الدكتور خالد أمين عضو مجلس نقابة الأطباء، إنه لم يتم إلغاء التكليف، ولكن ما ورد أنه سيتم تكليف المهن الطبية بشكل عام، ابتداءً من عام 2025، طبقًا للاحتياجات الخاصة بالوزارة.
وأضاف: "هناك رسائل لمن يتوسعون في تدشين الجامعات الخاصة والكليات الخاصة، بأن يدرسوا الاحتياجات الفعلية لسوق العمل، وسيكون التكليف طبقًا للاحتياجات، ونقصد هنا بشكل أكبر، أطباء الأسنان والصيادلة، لأن هناك زيادة كبيرة في أعدادهم".
وتابع عضو مجلس نقابة الأطباء، أنَّ هذه الزيادة أعلى من المعدلات العالمية، وعلى مستوى أعداد الأطباء البشريين، فإن هناك عجز نوعي خطيرًا مثل التخدير والعناية المركزة وطب الأسرة وغيرها من التخصصات المهمة، مبينًا: "نتمنى أن تكون دراسة الاحتياجات حقيقية تخرج منها توصيات تعالج مسألة كثافة الأعداد التي تزداد كلَّ سنة وتوجه ناحية تخصصات معينة وتترك تخصصات أخرى، وأن يكون هناك معالجة حقيقية في الأمر".
وأردف: "هدفنا هو الوصول إلى منظومة طبية متكاملة ومعدلات عالمية نعمل بها، نتحدث عن العجز النوعي وليس العجز العددي، أي عجز في تخصصات معينة، لدينا مشكلة كبيرة في أعداد الأطباء، بوحدات صحية ومستشفيات كثيرة سنجد فيها أقسام كثيرة كاملة ومتكاملة ليس بها أطباء في تخصصات معينة".
كانت اللجنة العليا للتكليف قد سبق أن عُقِدت في سبتمبر/ أيلول 2022، بحضور كامل تشكيل اللجنة بما في ذلك نقباء: الأطباء البشريين، وأطباء الأسنان، والعلاج الطبيعي، والتمريض، واللجنة الثلاثية لإدارة نقابة الصيادلة، بالإضافة إلى أشرف حاتم رئيس لجنة الصحة بمجلس النواب وكريم بدر أمين سر لجنة الصحة، فضلًا عن ممثلين عن المجلس الأعلى للمستشفيات الجامعية، وهيئة المستشفيات التعليمية، وقطاع الطب العلاجي، وعميد طب الأزهر، ومدير عام مستشفيات جامعة القاهرة.
حينها أوصت اللجنة بموافقة كامل الأعضاء على قرار بأن يكون التكليف لجميع الفئات المخاطبة بالقانون رقم 29 لسنة 1974 في شأن تكليف الأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان وهيئات التمريض والفنيين الصحيين والفئات الفنية المساعدة، طبقًا للاحتياجات الواردة من الجهات المذكورة بالقانون اعتبارًا من بداية عام 2025.
بالعودة إلى قرار الحكومة المصرية، فقد كان مجلس الوزراء المصري قد اتخذ قرارًا في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، بتعديل نظام تكليف الفئات الطبية ليكون "وفقًا للاحتياج اعتبارًا من عام 2025″، وخصّ القرار الخريجين من "الأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان واختصاصي العلاج الطبيعي وهيئات التمريض والفنيين الصحيين".
ويمنح القانون الحق لوزارة الصحة المصرية في تكليف خريجي الكليات الطبية "الأطباء والصيادلة وطب الأسنان والعلاج الطبيعي والتمريض، بشكل إجباري، للعمل في المستشفيات الحكومية، أو الوحدات التابعة لها، لمدة سنتين، مع إجازة تجديد التكليف لمدد أخرى".
توسع عشوائي في كليات التخصصات العلمية
في اتصال مع "عربي بوست" قال أسامة عبد الحي نقيب الأطباء، إن الأزمة الحقيقية تكمن في التوسع العشوائي في كليات الصيدلة والعلاج الطبيعي وباقي هذه الكليات، وكشف أن الوحيد الذي استطاع أن يقف أمام هذا التوسع العشوائي هو نقيب الأطباء الأسبق حمدي السيد الذي ساهم في إصدار قانون من البرلمان باشتراط أن تقوم كل كلية بإنشاء جامعة خاصة بها مما قلص عدد الكليات في مصر في هذه الفترة.
وبخصوص المسؤول عن الزيادة العشوائية في الكليات العلمية، قال إن هناك اتجاه في العالم للعشوائية في إنشاء الكليات، ولكنه قال يجب أن يكون للدولة المصرية سياسة في التعامل مع التعليم العالي وأن يكون هناك خطة تتعلق بالتوسع في الجامعات من عدمه.
كان أسامة عبد الحي قد سبق أن قال، إن اللجنة العليا للتكليف في وزارة الصحة قررت عام 2022 أن يكون تكليف خريجي الكليات الطبية "وفقًا للاحتياجات" أي العجز في المستشفيات والوحدات الصحية، بداية من عام 2025.
وأوضح أن "هذا الأمر لا ينطبق على الأطباء البشريين؛ إذ إن هناك نقصًا في الأعداد المطلوبة من الأطباء للعمل بالقطاع الحكومي سواء مستشفيات وزارة الصحة أو المستشفيات الجامعية، أو التابعة للجهات الرسمية المختلفة، وبالتالي تكليف الأطباء مستمر بصورته الحالية".
وأشار إلى أن "أزمة التكليف" تظهر بصورة أكبر في نقابات "الصيادلة وأطباء الأسنان والعلاج الطبيعي"، خاصة بعد زيادة عدد الكليات لهذه التخصصات بما يفوق احتياجات البلاد.
" امنعوا الأبناء من دخول صيدلة"
من جانبها قالت النائبة ميرفت عبد العظيم، عضو لجنة الصحة في مجلس النواب المصري إنه لم يتم إلغاء التكليف في مصر، على حد قولها،وأشارت في تصريحاتها لـ" عربي بوست" أن الدستور المصري منذ الأربعينيات، قد تحدث عن " حاجة الدولة " فقط، وليس التزام الدولة بتعيين كل الخريجين، أي أنه إجباري على الخريج إذا تم تكليفه، ولكن ليس إجباريًا على الدولة أن تقوم بتعيين كل الخريجين من الكليات العملية، على حد قولها.
لكن النائبة عادت مرة أخرى لتقول في تصريحاتها لـ" عربي بوست" أنه حتى ورغم بنود الدستور التي تضمنت عدم التزام الدولة بتعيين الخريجين، وفق كلامها، إلا أن " الدولة مازالت تقوم بتعيين الجميع من خريجي الطب والعلاج الطبيعي والصيادلة والتمريض" على حد وصفها.
وهو ما رفضه أحد صيادلة محافظة الجيزة في تصريحاته لـ" عربي بوست" وقد تحفظ على ذكر اسمه، إذ قال إن التكليف الخاص بالصيادلة واجه مشكلة في الشهور الماضية بسبب تأخر الدولة عن تعيين الصيادلة الخريجين منذ عام 2022، ومع ضغط الصيادلة، قامت الحكومة بتعيين دفعة 2022 فقط ولم تقم بتعيين دفعة 2023 أو 2024.
وقالت النائبة لـ" عربي بوست"، إن التكليف مازال مستمرًا في الطب البشري لكن التخصصات مثل الصيادلة وطب الأسنان هي التي تواجه أزمة بسبب زيادة الأعداد الخاصة بالخريجين وبالتالي كان إجراء الحكومة الخاص بالتكليف.
وبسؤال النائبة ميرفت عبدالعظيم عن مستقبل الطلاب المتفوقين في الثانوية ويرغبون في الالتحاق بكلية الصيدلة، قالت: "ما تدخلوهوش صيدلة" لأنه لن يكون له مستقبل في مصر، خاصة إذا كان يبحث عن التعيين من جانب الحكومة.
في حين قالت النقابة العامة للتمريض على لسان النقيبة كوثر محمود، في بيان رسمي إنه لا يوجد إلغاء للتكليف لخريجي كليات ومعاهد ومدارس التمريض بكافة محافظات الجمهورية، مؤكدة: "لا استغناء عن تكليف التمريض".
وقالت في بيان، إن عجز التمريض يبلغ حاليًا 75 ألف ممرض وممرضة في كافة محافظات الجمهورية، ومن المتوقع أن يتضاعف العجز بحلول عام 2030 تزامنًا مع تطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل في كافة المحافظات، وبالتالي فإن هناك احتياجًا لأعداد مضاعفة من التمريض.
وأوضحت نقيب عام التمريض أن قرار وزارة الصحة والسكان الخاص بالتكليف وفقًا للاحتياجات الصحية لا يعني إلغاء تكليف خريجي التمريض، مشيرة إلى أنه يتم تكليف التمريض لكافة الجهات والقطاعات التابعة لوزارة الصحة والسكان والمتمثلة في "الهيئة العامة للمعاهد والمستشفيات التعليمية، هيئة التأمين الصحي، أمانة المراكز الطبية المتخصصة، الأمانة العامة للصحة النفسية، إدارة المؤسسة العلاجية، ومديريات الشئون الصحية بجميع المحافظات"، فضلًا عن الهيئة العامة للرعاية الصحية والمسؤولة عن تطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل في 6 محافظات كمرحلة أولى وجار تطبيق المنظومة في 5 محافظات كمرحلة ثانية، بالإضافة إلى المستشفيات الجامعية.
القرار مخالف للقانون
حاتم البدوي أمين عام شعبة الصيدليات باتحاد الغرف التجارية قال في تصريحات لـ"عربي بوست"، تعليقًا على ما يثار حول إنَّ خريجي الصيادلة باتوا أكبر من طاقة السوق المحلي، إن إلغاء التكليف مخالف للقانون، لأن التكليف صدر بقانون رسمي من الدولة وبالتالي في حالة الإلغاء يجب أن يكون من خلال قانون آخر ترسله الحكومة إلى البرلمان ثم يتم التصويت عليه في البرلمان.
وقال البدوي إن الآلية التي تم الإعلان عنها بخصوص إلغاء التكليف تفتح الباب أمام التقاضي، إذ سيذهب الآلاف من الصيادلة إلى القضاء من أجل استصدار أحكام قضائية تمكنهم من الحصول على فرصهم في التكليف، وذلك ما دام تم إلغاء التكليف بدون قانون رسمي.
ويقول إنه كان يجب على الحكومة أن تصدر القانون وتقول إن التكليف سوف يتم إلغاؤه على سبيل المثال بعد خمس سنوات وذلك لضمان ألا يضيع مستقبل الخريجين، وكان من الممكن أن يمنع دخول آلاف الطلاب لكلية صيدلة لأنهم باتوا يدركون أنَّه لا يوجد تكليف.
لكن نقيب العلاج الطبيعي سامي سعد قال إنَّ هذا التغيير في تكليف الخريجين جاء بناءً على اتفاق بين وزير الصحة المصري خالد عبدالغفار، مع النقابات الطبية ولجنة الصحة بمجلس النواب، وذلك بعد تزايد أعداد خريجي بعض الكليات الطبية دون وجود أماكن شاغرة لتكليفهم بالعمل، وتابع بأن: "هناك نقص في أعداد الأطباء البشريين والتمريض وهذا يتيح حرية في تكليف عدد أكبر وفقًا لاحتياجات سوق العمل، على عكس الواقع في أعداد الصيادلة".
وأشار سعد أن عددًا كبيرًا من الأطباء يسافرون للعمل في الخارج سواء في الدول العربية أو الأجنبية، وبالتالي تضطر وزارة الصحة لتكليف الأطباء كافة لسد العجز في المستشفيات، لكن على الجانب الآخر، ارتفع عدد الكليات بصورة كبيرة مؤخرًا لا يتناسب مع المعايير الدولية، مما ساهم في زيادة كبيرة في أعداد الخريجين، محذِّرًا من "بطالة حقيقية" في غضون 5 سنوات من الآن.
جدير بالذكر أنَّ أرقام الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، كشفت أنَّه في عام 2022 ، بلغ إجمالي خريجي الكليات الأربع من الطب البشري وطب الأسنان والصيدلة والعلاج الطبيعي من الجامعات الحكومية والخاصة نحو 50 ألفًا و314 خريجًا.
يتوزعون إلى 14 ألفًا و68 خريجًا من كليات الطب، والصيدلة نحو 19 ألفًا و863 خريجًا، وطب الأسنان نحو 11 ألفًا و526 خريجًا، والعلاج الطبيعي نحو 4 آلاف و857 خريجًا.