شكلت حادثة قرية مجدل شمس في الجولان السوري المحتل، حالة من الاستنفار الإقليمي والدولي، في ظل المخاوف من انفلات الأمور باتجاه التصعيد بين إسرائيل وحزب الله وهو ما يفتح الباب لحرب واسعة في ظل تهديدات تل أبيب بتوجيه ضربة "مؤلمة" للبنان رداً على سقوط أحد الصواريخ الذي راح ضحيته عدد من الأطفال العرب الدروز.
"عربي بوست" حاول استكشاف كواليس الاتصالات المكثفة الجارية بين لبنان وأطراف إقليمية ودولية في محاولة لاحتواء الأزمة وعدم تصاعدها باتجاه حرب إقليمية واسعة.
هل تتدحرج الأمور؟
تدور في الفترة الحالية اتصالات مستمرة بين المسؤولين اللبنانيين والمسؤولين الأميركيين والأوروبيين والعرب، تهدف لأن تكون الضربة الإسرائيلية المحتملة في إطار لا يؤدي إلى تفجير الأوضاع وخلق توترات في الشرق الأوسط.
ومن هذا المنطلق، يشير مصدر دبلوماسي عربي لـ"عربي بوست" أن هناك توافقاً إقليمياً ودولياً تتشارك به دول عدة، أبرزها الولايات المتحدة وإيران يقضي بعدم تمدد الأمور لتشمل الذهاب لحرب إقليمية بسبب ضربة مجدل شمس.
وبحسب المصدر، فإن ضغوطاً أميركية تجري للحد من اتساع الأعمال القتالية عبر اتصالات مع الجانبين اللبناني والإسرائيلي.
ويشير المصدر إلى أن هذا المسار يتوافق مع رد الفعل الأميركي إثر حصول الحادثة، وكان لا يزال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو موجوداً في واشنطن، عبر التأكيد على حق إسرائيل في الرد على العملية، لكن شريطة أن يبقى مدروساً وألا يشكل أي رد مرتقب مدخلاً للانزلاق باتجاه الحرب.
ويؤكد المصدر أن الموقف الأميركي مهم وأساسي، كون نتنياهو يدرك بأنه غير قادر على الذهاب إلى حرب مع حزب الله في لبنان من دون الدعم الأميركي الكامل والواضح.
ويشير المصدر إلى أن الضخ الإعلامي الذي تمارسه إسرائيل بعد ضربة الجولان، فتح باب التخوف الدولي والإقليمي من حصول نزاع كبير في المنطقة، وأن إسرائيل تهدف من خلال التهديدات الجارية منذ ليلة السبت الماضي إلى خلق جو عام في الشرق الأوسط بهدف انتزاع موافقة من حزب الله على فتح نقاش حول مستقبل الجبهة اللبنانية وفك الارتباط العسكري مع غزة ضمن جبهة الأسناد، مؤكداً أن هذا الكلام جرى إعادته على مسامع المسؤولين اللبنانيين من قبل الوسطاء الأميركيين والأوروبيين والعرب.
بالمقابل، يشير المصدر إلى أن نتنياهو وبعد زيارته للولايات المتحدة وعدم حصوله على أي دعم أميركي واضح لتوسيع العمليات ضد حزب الله، بدا أنه لا يريد حرباً مع الحزب.
كذلك، فإن حزب الله يتهيب الدخول في الحرب لأسباب داخلية وخارجية، ولأن إيران أيضاً لا تريد أن ترى حليفها الرئيسي يصابُ بخسائر كبيرة، والأهم أن الإدارة الأميركية الحالية لا تُريد حرباً واسعة قبل موعد الانتخابات الرئاسيّة.
ويشدد المصدر على أن الجهود التي يبذلها المبعوث الأميركي لشؤون أمن الطاقة آموس هوشكتاين من أجل التّوصل إلى اتفاقٍ بين الحزب والإسرائيليين، هي فرصة قائمة، لكن الأهم بالنسبة له هو إن كانَت إيران جاهزة لاتفاق شامل، خصوصاً بعد الأضرار التي أصابت البنية العسكرية لحزب الله، وخسارته لقياديين عسكريين بارزين بفعل الغارات الإسرائيلية.
اتصالات مستمرة.. هل يجري ترتيب الرد؟
بالتوازي، يؤكد مصدر حكومي لبناني رفيع لـ"عربي بوست" أن الاتصالات لم تتوقف منذ اللحظة الأولى لحصول الحادثة في مجدل شمس، وبحسب المصدر، فإن عدداً من الدول الفاعلة وتحديداً الولايات المتحدة وفرنسا وقطر ومصر تعمل على خط الوساطة.
بالمقابل، فإن هوشكتاين الذي أجرى أكثر من مكالمة مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أكد أن الضربة الإسرائيلية على لبنان محسومة وقد اتخذ القرار بها إسرائيلياً، لكن العمل جارٍ على أن تكون محدودة في الحجم والمكان وتجنب المدن الكبيرة حيث الاكتظاظ السُكاني والمدنيون بما فيها العاصمة بيروت، والاكتفاء بضرب أهداف عسكرية تابعة لحزب الله.
ويشير المصدر إلى أن هوشكتاين سعى للحصول على التزام من قبل حزب الله بعدم الرد على أي ضربة كي لا تتدحرج الأمور نحو الحرب الواسعة.
ويعتقد المصدر أن الرد الإسرائيلي قد يطال مقرات عسكرية ومواقع تابعة للحزب في مناطق مختلفة في جنوب لبنان ومنطقة البقاع اللبناني، إضافة إلى مقرات عسكرية في سوريا، في ظل عملية التنسيق الحاصلة بين لبنان وإسرائيل عبر الوسطاء الغربيين والعرب لمنع حصول توترات تؤدي لدخول إيران وباقي أذرعها وحلفائها في حرب.
ويدلل المصدر على هذا المسار من خلال ما صرح به السفير الإيراني في لبنان مجتبى أماني حول تقليله من احتمالية حصول عمل عسكري بين إسرائيل وحزب الله، عبر قوله: "لا نتوقع" شنها ونعتبر أن فرصها ضئيلة جداً بسبب معادلات القوة المفروضة، و "لا نريدها" لأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية دائماً ما تسعى للتخفيف من حدة التوترات في المنطقة.
ويعتبر المصدر أن خط التواصل بين الإدارة الأميركية وطهران يظهر حصول تفاهمات بين الجانبين على مستوى المنطقة، وهو ما يعني أن الذهاب إلى حرب عسكرية مباشرة مع حزب الله وإيران غير جدي.
ويكشف المصدر عن حصول اتصال بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل الذي وضعه بصورة لقائه مع نظيره الإسرائيلي ديفيد برنياع في روما، والذي فهم منه أن الداخل الإسرائيلي منقسم حول شكل الرد الإسرائيلي على حزب الله ولبنان، وأن هناك محاولات مستمرة لأن تكون الردود مدروسة ولا تشمل ضرب مواقع حيوية في العاصمة بيروت وتحديداً المطار والمرفأ.
بالمقابل، فإن ميقاتي تلقى اتصالاً هاتفياً من مدير الاستخبارات الخارجية الفرنسي نيكولا ليرنر وضعه بصورة الاتصالات التي تجريها دول المنطقة لمنع الانزلاق باتجاه مواجهة حربية في الجنوب وتشمل كل لبنان، مشيراً إلى حصول تواصل بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو طالبين منه عدم الذهاب للحد الأقصى في المواجهة مع لبنان، مؤكداً أنه سيزور إسرائيل للقاء نظيره ديفيد برنياع للوصول إلى تفاهمات توقف خيارات الحرب.