أعلنت الخارجية الجزائرية، الخميس 25 يوليو/ تموز 2024، عن تلقيها علماً من طرف السلطات الفرنسية، بخصوص قرار اعتراف باريس بخطة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب لإنهاء النزاع في إقليم الصحراء.
الخبر الذي أعلنته الخارجية الجزائرية قلب موازين القوى لصالح المغرب، والتي حصلت على دعم إسباني قبل سنتين، رغم أن الرباط ولا باريس لم يعلنا رسمياً إلى غاية الجمعة 26 يوليو/ تموز 2024 عن الخطوة الفرنسية.
وتعتبر فرنسا من الدول المؤثرة على ملف الصحراء، باعتبارها المستعمرة السابقة للمغرب والجزائر، بالإضافة إلى إسبانيا التي كانت مستعمرة سابقة لإقليم الصحراء واعترفت قبل سنتين بدعمها للمغرب في الملف.
وكشفت مصادر مقربة من السلطات الجزائرية لـ"عربي بوست" أن الجزائر تعتبر القرار الفرنسي قراراً انتقامياً من الجزائر، التي همشتها طيلة السنوات الماضية من الاستثمارات والمشاريع الكبرى، واستحوذت عليها الصين وإيطاليا وتركيا.
وأضافت المصادر نفسها أن هذا القرار الذي تم إخبار السلطات الجزائرية به جاء قبل تشكيل الحكومة الفرنسية الجديدة، وبسرعة قبل وصول اليسار إلى السلطة، لأن قراراً مثل هذا يصعب اتخاذه في ظل احتمالية معارضة اليسار للقرار.
وعن رد الفعل الجزائري، يقول المصدر نفسه إن الجزائر تنتظر أولاً تشكيل الحكومة الجديدة والتي من المتوقع أن تراجع القرار مع الجمعية الوطنية، بالإضافة إلى أن القرار اصطدم مع الانتخابات الرئاسية في الجزائر، ويصعب اتخاذ أي قرار في هذه الفترة.
وأشار إلى أن الجزائر ابتداء من شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2024 ستقوم باستهداف المصالح الفرنسية في الجزائر سواء على المستوى الثقافي أو الاقتصادي مع استخدام ورقة الغاز المسال في فصل الشتاء. ستزيد أيضا توطيد علاقاتها مع إيطاليا ومنحها المزيد من الامتيازات والاستثمارات، باعتبارها المنافس الأول لفرنسا في المنطقة الأوروبية والبحر الأبيض المتوسط.
كما أن توتر العلاقات بين البلدين سيؤثر على ملف الذاكرة المفتوح بين البلدين، فضلاً عن ملف الهجرة والتحالف في منطقة الساحل، والقرار الفرنسي سيلغي أي لقاءات ثنائية وأبرزها تلك التي كانت مبرمجة بعد الرئاسيات للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى باريس، يقول المصدر نفسه.
ماذا يعني اعتراف فرنسا؟
من جهته حشد المغرب جهوداً دبلوماسية في السنوات الأخيرة من أجل الحصول على دعم فرنسي وإسباني، باعتبار أن الدولتين لهما موقف قريب من الحسم في قضية الصحراء المتنازع عليها مع جبهة البوليساريو.
ونجح المغرب في الحصول على دعم إسباني، كما أن الرباط بعثت رسائل أكثر من مرة على لسان شخصيات رسمية أو في خطابات الملك إلى قصر الإليزيه تطلب من خلاله باريس الخروج من المنطقة الرمادية، وإعلان موقفها من قضية الصحراء.
يقول محمد شقير، أستاذ القانون والعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، إن بالنسبة للاعتراف الفرنسي، كما أعلنته الخارجية الجزائرية فهو يشكل مساندة قوية للموقف المغربي وينضاف إلى الموقف الإسباني، بحكم أن الدولتين كانتا محتلتين لـالمغرب مما يجعل موقفهما يتميز بخاصية سياسية قوية.
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أن اعتراف فرنسا بالتحديد هو ما يفسر الرد العنيف من طرف الخارجية الجزائرية على كل من الموقف الإسباني والفرنسي، لأنها أدركت فقدانها لتغطية سياسية كانت ترتكز عليها في مواصلة تعنتها ضد المغرب.
وأكد محمد شقير أن الاعتراف الفرنسي يشكل أيضاً قطيعة فيما يتعلق بالموقف الفرنسي فيما يتعلق بالحفاظ على توازن العلاقات مع كل من الجزائر والمغرب، حتى لو كان ذلك على حساب مصالح المغرب العليا لإرضاء الجزائر.
وأشار إلى أن الاعتراف قد قوى من الموقف المغربي ومبادرته فيما يتعلق بالحكم الذاتي بوصف فرنسا تشكل الدولة الثانية بعد الولايات المتحدة التي تمتلك حق الفيتو، مما يُرجح كفة المغرب وقد يشجع بريطانيا كدولة تمتلك حق الفيتو على الاعتراف بمغربية الصحراء.
لماذا يطمح المغرب؟
بعد حصوله على الدعم الفرنسي، كما أعلنت الخارجية الجزائرية، يسعى المغرب إلى حشد جهوده الدبلوماسية هذه المرة إلى جنوب الصحراء وبالضبط إلى الاتحاد الإفريقي، وذلك لإخراج البوليساريو من التنظيم الأقوى في القارة.
ويحتاج المغرب إلى ثلثي أصوات الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي لإخراج البوليساريو، ويقف أمامه 4 دول وهي الجزائر وجنوب إفريقيا وإثيوبيا ونيجيريا، في المقابل حصل على اعتراف أكثر من نصف الدول الإفريقية الأعضاء في الاتحاد الإفريقي.
يُحاول المغرب النزول بكل قوته الدبلوماسية في كواليس الاتحاد الإفريقي، وذلك بغرض حشد أصوات أغلب الدول الإفريقية للتصويت ضد "عضوية البوليساريو في الاتحاد"، وذلك بعد دخولها قبل 39 عاماً بمساندة الرئيس الجزائري الراحل، هواري بومدين.
وبدأ المغرب يتحرك منذ 2016 وفق استراتيجية معينة للعمل على تفعيل عضويته في الاتحاد كمرحلة أولى، ثم جمع تواقيع عدد من الدول الأعضاء في سبيل طرد "البوليساريو"، على اعتبار أنها غير معترف بها من قبل الأمم المتحدة، وكان المغرب قد غادر الاتحاد الإفريقي احتجاجاً على عضوية البوليساريو، لكنه عاد سنة 2016 بعد معركة دبلوماسية طويلة.
يقول محمد شقير، أستاذ القانون والعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط ، إن موقف فرنسا سيشجع بلا شك دولاً إفريقية على تغيير موقفها والاعتراف بمغربية الصحراء وفتح قنصليات لها في الأقاليم الصحراوية.
وأضاف المتحدث أن ذلك قد يسهل مأمورية الدبلوماسية المغربية ويهيئ لها الأرضية لتعبئة الأصوات الإفريقية لطرد الجمهورية الصحراوية من عضوية الاتحاد الإفريقي، خاصة بعد إصدار القرار الأخير بعدم السماح للدول التي لا تتوفر على المقومات الدولية المطلوبة المشاركة في اجتماعات الاتحاد الإفريقي مع المنظمات والهيئات الدولية.