استعرض تقرير نشرته وكالة أسوشيتدبرس الأمريكية، الخميس 18 يوليو/تموز 2024، الأوضاع الصعبة التي يعاني منها سكان غزة في ظل الحرب التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على القطاع، خاصة ما يتعلق منها بالصحة العقلية والنفسية وما يعانيه الأطفال وغيرهم من القلق والخوف والاكتئاب والحرمان من النوم والصدمات النفسية.
ونقل التقرير عن أخصائيي الصحة العقلية قولهم إن العدد الهائل من الأشخاص الذين يعانون من الصدمات النفسية في غزة يحد من قدرتهم على تقديم الدعم الحقيقي، ما يضطرهم إلى تقديم "الإسعافات الأولية النفسية" للتخفيف من حدة الأعراض.
وقالت أولريكه جوليا ويندت، منسقة حماية الأطفال في حالات الطوارئ لدى لجنة الإنقاذ الدولية: "هناك حوالي 1.2 مليون طفل يحتاجون إلى الدعم النفسي والاجتماعي. وهذا يعني في الأساس جميع أطفال غزة تقريباً".
وأضافت ويندت، التي كانت تزور غزة منذ بداية الحرب، إن التأثير النفسي للحرب على الأطفال قد يؤثر على نموهم على المدى البعيد.
وقالت إن الأطفال في غزة يعانون من الكوابيس والتبول اللاإرادي بسبب التوتر والضوضاء والازدحام والنزوح المستمر.
ومن بين الحالات التي رصدها التقرير كانت نبيلة حمادة التي أنجبت توأمين في غزة في وقت مبكر من الحرب، في مستشفى مليء بالجثث المتحللة والنازحين.
وعندما هددت قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي باقتحام المستشفى، فرت هي وزوجها مع أحد الطفلين فقط، حيث قال الطاقم الطبي إن الطفل الآخر كان ضعيفاً للغاية ولا يستطيع المغادرة. وبعد فترة وجيزة، داهمت القوات الإسرائيلية المستشفى، وهو الأكبر في غزة، ولم تر حمادة طفلها مرة أخرى.
تركت صدمة فقدان أحد التوأمين حمادة البالغة من العمر 40 عاماً في حالة خوف دائمة من فقدان الآخر، حتى أنها باتت غير قادرة على التعامل مع العبء اليومي للبقاء على قيد الحياة.
وقالت حمادة: "لم أعد قادرة على رعاية أطفالي الآخرين الأكبر سناً أو منحهم الحب الذي يحتاجون إليه."
النزوح المستمر
التقرير أشار إلى أن النزوح المتكرر والمستمر يزيد أيضاً من حدة الصدمة. إذ تشير التقديرات إلى أن 1.9 مليون شخص من سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة قد نزحوا عن ديارهم. ويعيش أغلبهم في مخيمات خيام بائسة ويكافحون من أجل الحصول على الغذاء والماء.
وكانت تقارير سابقة قد أشارت إلى تحذيرات لأطباء وموظفي إغاثة من تزايد حالات الإصابة بالكبد الوبائي (أ) وتفشي الكوليرا في مخيمات النازحين في غزة، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف وتردي الأوضاع البيئية والصحية في ظل القصف الإسرائيلي المتواصل على القطاع.
وقال جهاد الهمص الذي كان يحتمي بالقرب من مدينة خان يونس الجنوبية، إنه فقد عينه اليمنى وأصابع يده اليمنى عندما انفجرت عبوة من الذخيرة غير المتفجرة بينما كان يحاول البحث عن الطعام، وكاد أطفاله يصابون.
ومنذ ذلك الحين، أصبح يعاني من الأرق وفقدان التوازن. وقال: "أبكي في كل مرة أنظر فيها إلى نفسي وأرى ما أصبحت عليه."
وقد تواصل الهمص مع إحدى المبادرات القليلة للصحة العقلية في غزة، التي تديرها وكالة الأونروا.
ونقل التقرير عن فؤاد حماد، مشرف الصحة النفسية في الأونروا، قوله إنهم عادة ما يقابلون ما بين 10 إلى 15 بالغاً يومياً في الملاجئ في خان يونس ممن يعانون من اضطرابات في الأكل والنوم وصدمات نفسية.
ومن بين الحالات الأخرى أيضاً التي تعكس حجم المعاناة في غزة كانت حالة محمود ريحان الذي فقد ابنه الصغير وابنته بفعل القصف الإسرائيلي، وبُترت ساق زوجته، وهو الآن يعزل نفسه داخل خيمته وينام معظم اليوم، ولا يتحدث إلى أحد تقريباً.
فيما قالت نشوى نبيل من دير البلح إن أطفالها الثلاثة فقدوا كل إحساس بالأمان، أكبرهم يبلغ من العمر 13 عاماً وأصغرهم يبلغ من العمر 10 أعوام.
وأضافت: "إنهم يعانون من التبول اللاإرادي، ويصرخون، وأصبحوا عدوانيين لفظياً وجسدياً. وعندما يسمع ابني معتز صوت طائرة أو دبابة، فإنه يختبئ في الخيمة".
وفي مدينة دير البلح وسط القطاع، يعمل فريق الدعم النفسي والاجتماعي التابع لجمعية المجد مع عشرات الأطفال، حيث يقومون بتعليمهم كيفية الاستجابة لتبعات الحرب ومنحهم مساحة للعب.
يأتي ذلك بينما لا تزال إسرائيل تشنّ حرباً على غزة دخلت شهرها العاشر وخلفت أكثر من 120 ألف قتيل وجريح، بحسب أرقام وزارة الصحة الفلسطينية.