صوّت الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي، مساء الأربعاء، 17 يوليو/ تموز 2024، ضد مشروع قانون لإنشاء لجنة تحقيق رسمية في أحداث 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، فيما تتزايد الخلافات داخل الحكومة الإسرائيلية بشأن إبرام صفقة تبادل أسرى مع حركة "حماس"، حيث يجدد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تمسكه بشروطه، الأمر الذي يعارضه عدد من المسؤولين والوزراء، وسط تشكيك في إمكانية الوصول إلى صفقة جراء هذه الشروط.
وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت": "رفضت الهيئة العامة للكنيست مشروع قانون إنشاء لجنة تحقيق رسمية في أحداث 7 أكتوبر، بأغلبية 53 معارضًا (من أصل 120 بالكنيست) مقابل 51 مؤيدًا".
وقالت صاحبة الاقتراح، عضو الكنيست أوريت فركاش هكوهين من حزب "معسكر الدولة" برئاسة بيني غانتس قبل التصويت: "أولئك الذين لا يعرفون كيفية تحمل المسؤولية والتعلم من الأخطاء واستخلاص الدروس، لا يستحقون أن يكونوا قادة".
وأضافت: "الجمهور يستحق إجابات، الأهالي الثكالى، الجنود، وأهالي المختطفين".
وتابعت هكوهين: "هناك حاجة أمنية ملحة لدراسة الإخفاقات والاستعداد لمواجهة التحديات المستمرة من أعدائنا"، وفق المصدر ذاته.
تراشق بين نتنياهو وغانتس
وخلّف رفض الكنيست إنشاء لجنة تحقيق رسمية في أحداث السابع من أكتوبر، تراشقًا لفظيًا بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وغانتس على منصة "إكس".
وكتب غانتس: "رئيس الوزراء، كنت خائفًا من الدخول في المناورة البرية وتأخرت في دخول خان يونس، وترددت في الدخول إلى رفح".
وأضاف مخاطبًا نتنياهو: "تحدثت عن رفح، عندما أصررنا على ضرورة السيطرة أولاً على محور فيلادلفيا (على الحدود بين غزة ومصر) ومنع تجدد قوة حماس".
ومضى غانتس: "سيتم الكشف عن كل شيء عندما يتم سماع البروتوكولات والشهادات أمام لجنة التحقيق الرسمية، التي سيتعين عليها طرح الأسئلة: لماذا أخرت دخول رفح وخانيونس؟ لماذا خفت وتأخرت وترددت؟ وما هي الثُّمن التي دفعناها وما زلنا ندفع ثمنها؟".
من جانبه، كتب نتنياهو: "مرة أخرى أخبار مزيفة من بيني غانتس".
وأضاف: "ألتقطت لقطة للشاشة، وسأذكر منشوره غير الواقعي هذا عندما تنكشف البروتوكولات وسيكتشف الجمهور من كان يبحث عن أعذار لوقف القتال لمدة عام أو عامين ومن دفع فعلاً لمواصلة الحرب حتى النصر".
وحتى 9 يونيو/ حزيران الماضي، كان غانتس عضوًا في مجلس الحرب الذي جرى تشكيله بعد اندلاعها، لكنه انسحب بعدما انتهت مهلة حددها لنتنياهو لوضع استراتيجية واضحة للحرب وما بعدها.
ومرة أخرى عاد غانتس وكتب مجددًا على "إكس": "يا رئيس الوزراء، إنني أنتظر تشكيل لجنة تحقيق رسمية والكشف عن البروتوكولات لاستخلاص الدروس من أكبر كارثة في تاريخنا ومن أجل مستقبل أفضل لدولة إسرائيل".
وقال غانتس إن نتنياهو غير قادر على تقديم إجابات شافية بشأن "إعادة المختطفين" وموعد عودة الإسرائيليين الذين نزحوا من الجنوب والشمال بعد اندلاع الحرب.
وختم بقوله: "إذا فعلت الشيء الصحيح، فستحصل على كل الدعم. وهذا ما يهم الآن".
من جانبه، علق رئيس المعارضة لابيد على رفض الكنيست مشروع قانون إنشاء لجنة تحقيق رسمية في أحداث السابع من أكتوبر، وكتب على "إكس": " إنهم خائفون من لجنة التحقيق. لأنهم مذنبون بارتكاب أسوأ كارثة في تاريخ البلاد. وهم يعرفون ذلك".
وفي أكثر من مناسبة، أعلن نتنياهو رفضه إنشاء لجنة تحقيق رسمية حتى انتهاء الحرب، والقضاء على حماس، وفق قوله.
نتنياهو يسعى لإفشال الصفقة
في السياق، تتزايد الخلافات داخل الحكومة الإسرائيلية بشأن إبرام صفقة تبادل أسرى مع حركة "حماس"، حيث يجدد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تمسكه بشروطه، الأمر الذي يعارضه عدد من المسؤولين والوزراء، وسط إبدائهم تشكيكهم في إمكانية الوصول إلى صفقة جراء هذه الشروط، وفق ما أورده إعلام عبري.
تأتي هذه الخلافات بين المستويات السياسية والأمنية في الحكومة الإسرائيلية وسط استمرار المفاوضات غير المباشرة التي يجريها وسطاء بين إسرائيل وحماس للتوصل إلى صفقة تبادل أسرى ووقف إطلاق نار في غزة.
ونقل موقع "والا" العبري، مساء الأربعاء، عن وزير في الكابينت (لم يسمه)، أن رئيس "الموساد"، ديفيد بارنياع، قال لنتنياهو خلال اجتماع المنتدى المصغر لإدارة الحرب، الثلاثاء، إن "الأمر سيستغرق أسابيع عديدة لإيجاد آلية فحص تمنع نقل الأسلحة من جنوب قطاع غزة إلى شماله، وليس لدى الإسرائيليات في الأسر هذا الوقت".
جاء حديث بارنياع على خلفية رغبة نتنياهو في الدفع نحو إنشاء آلية لمنع مرور المسلحين إلى شمال القطاع، وهو بند لم يكن واردا في المخطط الأصلي للصفقة، رغم تأكيد نتنياهو المتكرر دعمه للصفقة الأمريكية التي طرحها الرئيس جو بايدن، بحسب هيئة البث الإسرائيلية الرسمية التي نشرت هي الأخرى تقريرا حول ما جرى في اجتماع الكابينت، الثلاثاء.
وحذرت وسائل إعلام عبرية ومعلقون إسرائيليون من إصرار نتنياهو على شروط محددة لإنجاز الصفقة من بينها "منع مرور المسلحين من جنوب قطاع غزة إلى الشمال، والسماح بالتواجد الإسرائيلي في محور فيلادلفيا (على الحدود بين غزة ومصر)"، قائلين إن من شأنها "نسف الصفقة مع حماس".
في ذات الاجتماع، أعرب وزيرا الأمن القومي رئيس حزب "عوتسما يهوديت" (قوة يهودية) إيتمار بن غفير، والمالية رئيس حزب "الصهيونية الدينية" بتسلئيل سموتريتش، عن معارضتهما للصفقة، وفق ما أورده موقع "والا".
وقالت وزيرة المواصلات ميري ريغيف -من حزب الليكود بقيادة نتنياهو- خلال الاجتماع: "هذا جرح ينزف في المجتمع، ومن واجبنا تجاه الجمهور والمواطنين الذين لم يوفر لهم الجيش الإسرائيلي والشاباك (جهاز الأمن العام) الحماية في 7 أكتوبر (تشرين الأول) أن نعيدهم".
وهو الرأي ذاته الذي تبنته وزيرة الابتكار والعلوم والتكنولوجيا غيلا غمالائيل (من الليكود)، بحسب المصدر ذاته.
ووفق صحيفة "يديعوت أحرونوت"، التي نشرت هي الأخرى تقريرا عما جرى في اجتماع الكابينت، قالت غمالائيل، وهي مراقبة في الكابينت، لنتنياهو: "هذه الصفقة مسجلة باسمك، ويجب عليك المضي قدما فيها حتى النهاية وتجاهل كل تهديدات الائتلاف من قبل بن غفير وسموتريتش".
وهدد بن غفير بمغادرة القاعة، قائلا لنتنياهو: "السيدة (غمالائيل) هي مراقبة، وحان الوقت لتضعها في مكانها، إنها حتى لا تمثل مواقف الليكود"، وفق الصحيفة.
ورد نتنياهو قائلا: "أنا لا أعلق على الأمور السياسية، الضغط العسكري على حماس هو الذي سيجلب المختطفين".
محورا نتساريم وفيلادلفيا
من جانبه، قال وزير الدفاع يوآف غالانت خلال الاجتماع، وفق الإعلام العبري إن: "هناك احتمالًا ضعيفًا بالتوصل إلى صفقة لإطلاق سراح المختطفين تشمل تفتيش الفلسطينيين الذين يمرون من جنوب القطاع إلى شماله على محور نيتساريم (أقامه الجيش الإسرائيلي جنوب مدينة غزة ويفصل شمال القطاع عن جنوبه)".
وقال مصدر مطلع لـ "والا"، إن رئيس الموساد قال نفس الكلام.
وأضاف غالانت أن "المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تستطيع إيجاد حلول لمسألة منع التهريب من محور فيلادلفيا عبر الوسائل (التكنولوجية) التي سيتم وضعها على الجانب المصري من الحدود".
بدوره، كرر نتنياهو قوله إنه فقط "من خلال مزيد من الضغط العسكري يمكن إعادة المختطفين".
وزعم أن "الوزراء والمسؤولين الأمنيين الذين يعبرون عن عكس ذلك وبشكل علني، يضعفون موقف إسرائيل في المفاوضات"، وفق ما أورده موقع "والا".
ومساء الاثنين، قال نتنياهو في مقابلة أجرتها معه القناة (14) الخاصة، إن جيش بلاده سيبقى في محور فيلادلفيا، مخالفًا بذلك وزير الدفاع غالانت الذي يعارض البقاء في المحور.
واعتبر نتنياهو وقتها أن البقاء في المحور "له مزايا سياسية وأمنية"، مضيفًا "مسموح للجميع التعبير عن رأيه، كما يُسمح لرئيس الوزراء بذلك، وفي النهاية سنتخذ القرار حسب الأغلبية، وأنا متأكد من أن الأغلبية تؤيد موقفي كونه الموقف الصحيح".
وفي 29 مايو/ أيار، أعلن الجيش الإسرائيلي، إنهاء سيطرته على محور فيلادلفيا في رفح على الحدود الفلسطينية المصرية بشكل كامل، وقال وقتها إنه "اكتشف ما لا يقل عن 20 نفقًا تعبر إلى أراضي سيناء"، وفق القناة (12) الإسرائيلية الخاصة.
وفي بداية يونيو/ حزيران، طرح الرئيس الأمريكي بايدن بنود الصفقة التي عرضتها عليه إسرائيل "لوقف القتال والإفراج عن جميع المختطفين".
وتضمنت الخطوط العريضة للصفقة، وقفًا كاملاً لإطلاق النار، وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي من المناطق المأهولة، وإطلاق سراح النساء والمرضى، وفق هيئة البث الإسرائيلية.
وحسب المخطط، ستستغرق المرحلة الأولى من الصفقة 6 أسابيع، وسيتم خلالها مناقشة المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار طالما استمرت المفاوضات.
وتشمل المرحلة الثانية من الصفقة، إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين الأحياء بمن فيهم الجنود، وبالإضافة إلى ذلك، سيصبح وقف إطلاق النار المؤقت دائمًا.
فيما تشمل المرحلة الثالثة، إعادة جثث الأسرى الآخرين بقطاع غزة.
وعلى مدار أشهر تحاول جهود وساطة تقودها الولايات المتحدة وقطر ومصر التوصل لاتفاق بين إسرائيل وحركة حماس يضمن تبادلًا للأسرى من الجانبين ووقفًا لإطلاق النار، يفضي إلى ضمان دخول المساعدات الإنسانية للقطاع الفلسطيني.
غير أن جهود الوساطة أعيقت على خلفية رفض نتنياهو الاستجابة لمطالب حماس بوقف الحرب.
وبدعم أمريكي، أسفرت حرب إسرائيل على غزة عن أكثر 128 ألف قتيل وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد عن 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة عشرات الأطفال.
وتواصل تل أبيب الحرب متجاهلة قراري مجلس الأمن الدولي بوقفها فورًا، وأوامر محكمة العدل الدولية بإنهاء اجتياح رفح (جنوب)، واتخاذ تدابير لمنع وقوع أعمال إبادة جماعية، وتحسين الوضع الإنساني المزري بغزة.
كما تتحدى إسرائيل طلب مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية كريم خان إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو وغالانت؛ لمسؤوليتهما عن "جرائم حرب" و"جرائم ضد الإنسانية" في غزة.