أظهرت صور أقمار صناعية وإحصاءات حكومية نشرتها صحيفة فايننشيال تايمز البريطانية، الخميس 27 يونيو/حزيران 2024، أن إسرائيل تسعى لاقامة منطقة عازلة تمتد لمسافة 5 كيلومترات جنوب لبنان في محاولة لمواجهة ضربات حزب الله التي تستهدف المناطق الشمالية في إسرائيل.
وقال تقرير الصحيفة البريطانية إن الهجمات الإسرائيلية دمرت وألحقت أضراراً بالغة بالبنية التحتية والأراضي الزراعية والغابات في مناطق بجنوب لبنان، فضلاً عن ضرب أهداف عسكرية لحزب الله.
وعلى مدار 9 أشهر منذ أن تصاعدت التوترات بين جيش الاحتلال الإسرائيلي وحزب الله بعد حرب غزة، تمت تسوية بعض الأحياء بالكامل في القرى والبلدات المتفرقة المنتشرة على الحدود.
وقد حدث معظم الدمار في المناطق التي تمتد لمسافة 5 كيلومترات شمال الخط الأزرق مباشرة، وهي الحدود التي رسمتها الأمم المتحدة بين لبنان وإسرائيل، وفقاً لتحليل صور الأقمار الصناعية وبيانات الرادار والإحصاءات الحكومية، إلى جانب مقابلات مع مسؤولين محليين وحكوميين.
وأشارت البيانات التي جمعتها فايننشيال تايمز إلى أنه مع تعثر المفاوضات الدبلوماسية، استخدم جيش الاحتلال الإسرائيلي القوة لخلق واقع جديد على الأرض. وقد أدى القصف الجوي والمدفعي واستخدام الفسفور الأبيض الكيميائي الحارق إلى تحول أجزاء كبيرة من المناطق على امتداد 5 كيلومترات جنوب لبنان إلى مناطق غير صالحة للسكن.
منطقة عازلة
وبحسب فايننشيال تايمز، خلفت الأضرار البنيوية والتدهور البيئي والأضرار الاقتصادية شريطاً من الأرض يشبه "المنطقة العازلة" التي تريد إسرائيل إقامتها في لبنان. ولم يبق هناك سوى مجموعات صغيرة من المدنيين. ومعظم المباني خاوية، وقد دُمر العديد منها.
ولم تنجح محاولات التفاوض على اتفاق يتضمن انسحاب حزب الله من الحدود. لكن المنطقة أصبحت بحكم الأمر الواقع منطقة عسكرية، يحرسها مقاتلو حزب الله والقوات المسلحة اللبنانية وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
جمعت صحيفة فايننشيال تايمز بيانات من الأقمار الصناعية التجارية مع أبحاث من مركز الدراسات العليا بجامعة مدينة نيويورك وجامعة ولاية أوريغون.
وأظهرت الصور آثار الدمار في قرية عيتا الشعب، بالقرب من الحدود. وقد تعرض وسط البلدة لضربات شديدة منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ونقلت فايننشيال تايمز عن محمد سرور، رئيس بلدية عيتا الشعب، قوله: "إنه تدمير منهجي".
وأضاف سرور: "إنهم يدمرون البنية التحتية، لكي يجعلوا من المستحيل عليك العودة والعيش هنا".
مفاوضات دبلوماسية
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 95 ألف شخص نزحوا قسراً في جنوب لبنان. وأدت الضربات الإسرائيلية إلى مقتل أكثر من 90 مدنياً و300 من مقاتلي حزب الله، وفقاً لإحصائيات صحيفة فايننشيال تايمز. وأدت هجمات حزب الله على شمال إسرائيل إلى مقتل أكثر من 20 جندياً ومدنياً ونزوح حوالي 60 ألف شخص، بحسب إفصاحات الحكومة الإسرائيلية.
ولا تزال المفاوضات الدبلوماسية التي تقودها الولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وحزب الله تواجه صعوبات.
وفيما يعتقد مسؤولون أمريكيون أن حزب الله وإسرائيل وإيران لا يريدون حرباً شاملة، لكن البعض يخشى من أن التوترات المتصاعدة بين الجانبين قد تخرج عن نطاق السيطرة.
وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية أن الولايات المتحدة قدمت مقترحاً يتضمن نقل عدة آلاف من جنود القوات المسلحة اللبنانية إلى المناطق الحدودية وانسحاب قوات حزب الله لمسافة 7 كيلومترات من الحدود، وفقاً لمسؤولين حاليين وسابقين لنزع فتيل التوترات.
وفي المقابل، ستوافق إسرائيل على الحد من تحليق الطائرات الحربية والطائرات من دون طيار فوق الأراضي اللبنانية مقابل انسحاب حزب الله.
ولا يزال حزب الله ينفذ عمليات يومية ضد أهداف إسرائيلية. وقال محللون ودبلوماسيون ومسؤولون لبنانيون وأشخاص مطلعون على تفكير حزب الله إنه من الناحية العملية، فإن سحب مقاتليه سيكون أمراً غير وارد عملياً.
وقال مقاتل من حزب الله طلب عدم ذكر اسمه: "إن مطالبتنا بالانسحاب من الجنوب هي بمثابة مطالبة السمكة بعدم السباحة في البحر".
تسوية 3000 منزل
وقال مسؤول لبناني كبير إن السؤال المطروح هو ما إذا كانت الدبلوماسية والمنطقة العازلة الفعلية كافيتين لتفادي حرب أوسع نطاقاً!
وتساءل: "أم أنهم يريدون توسيع الحرب ومحاولة تنفيذ خطتهم الحمقاء لمحاولة القضاء على حزب الله بالكامل؟".
فيما قال مسؤول عسكري إسرائيلي كبير: "هذه ليست منطقة عازلة".
وأضاف: "نريد فقط إبعاد حزب الله. ليست لدينا مشكلة مع بقاء قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة أو القوات المسلحة اللبنانية أو المدنيين اللبنانيين هناك… ولكن يتعين علينا "تطهير" المنطقة من وجود حزب الله".
وفي قرية الناقورة الحدودية، تمت تسوية عدة صفوف من المنازل بالأرض في الأشهر الأخيرة. وقال أحد السكان، الذي طلب عدم الكشف عن هويته: "قريتنا الجميلة أصبحت الآن مدينة أشباح".
وفي جميع أنحاء الجنوب، تمت تسوية أكثر من 3000 منزل بالكامل بالأرض، مع تعرض 12000 منزل آخر لأضرار متوسطة المستوى، وفقاً لهاشم حيدر، رئيس المجلس الجنوبي اللبناني.
وقال مسؤولون وسكان إن الضربات الإسرائيلية بدأت تزحف إلى المراكز الحضرية في وقت سابق من هذا العام. وقالت إسرائيل إنها تستهدف حصرياً مواقع حزب الله، بما في ذلك حرق الأشجار بالقرب من الحدود التي تقول إن حزب الله يشن عملياته منها.