الذبح في أفريقيا وشراء الأضحية بالتقسيط.. مصريون يبحثون عن بدائل بسبب الأزمة الاقتصادية وارتفاع أسعار الأكباش

عربي بوست
تم النشر: 2024/06/14 الساعة 17:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/06/14 الساعة 18:35 بتوقيت غرينتش
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء مصطفى مدبولي/صفحة الرئاسة المصرية عبر فيسبوك

دفعت الأوضاع الاقتصادية في مصر إلى ارتفاع استثنائي في أسعار الأضاحي، مما دفع الأسر المصرية إلى الجمعيات الخيرية التي تتيح صكوك الأضاحي بأسعار منخفضة داخل مصر، أو ذبح الأضاحي في دول أفريقية بأسعار زهيدة.

وتشير تقديرات القصابين في مصر إلى أن أسعار المواشي شهدت ارتفاعاً هذه السنة بنسبة تتراوح ما بين 20% إلى 30% عن العام الماضي الذي عرف بدوره ارتفاعاً في الأسعار، وهو ما يشكل ضغطاً على الأسر؛ لا سيما مع تراجع قيمة الجنيه وموجات التضخم المستمرة في البلاد.

 ورصد "عربي بوست" أن أسعار أضاحي في مصر بالنسبة للضأن تبدأ من 200 إلى 220 جنيهاً للكيلوغرام القائم الحي، أما البقري والجاموسي فمن 165 إلى 185 جنيهاً، وتباع لحوم الضأن بعد ذبحها من 450 إلى 500 جنيه للكيلو غرام، والجاموسي من 400 إلى 450 جنيهاً، والجملي 350 جنيهاً.

وتوقع تقرير نشرته وزارة الزراعة الأمريكية، نوفمبر/تشرين الثاني 2023، انخفاض الاستهلاك المحلي للحوم البقر في مصر في السنة المالية 2024 بنسبة تقارب 6% ، مقارنة بالسنة المالية 2023 نتيجة انخفاض القدرة الشرائية وارتفاع التضخم.

فرحة العيد منقوصة هذا العام

يقول مجدي سالم، وهو رب أسرة مكونة من خمسة أفراد ويبلغ من العمر 65 عاماً، إنه اضطر هذا العام إلى التخلي عن شعيرة الأضحية رغم أنه اعتاد عليها لسنوات أن يشترك مع عدد من أقاربه في ذبح أضحية بقري، لكن هذا العام هناك عزوف منهم أيضاً.

وقال المتحدث لـ"عربي بوست" إن الخروف يتراوح سعره ما بين 11 ألف جنيه ويصل إلى 13 ألفاً، ولن يكون مجزياً بالنسبة للفقراء الذين ينتظرون توزيع اللحوم عليهم في أول أيام العيد، لذلك قرر شراء كيلوغرامات من اللحوم وتوزيعها بدلاً من ذبح الأضحية.

وأضاف أن مبلغ ذبح الأضحية يصل إلى 14 ألف جنيه في حال اشتراكه مع سبعة أفراد للماشية الواحدة، وهو الأمر الصعب بالنسبة له، خاصة أن لديه ابناً في مرحلة الثانوية العامة بحاجة إلى ميزانية ضخمة العام المقبل لا يعرف كيف سيدبرها مع ارتفاع أسعار كافة السلع والخدمات.

وأضاف المتحدث أن هناك حالة من الحزن بين أصدقائه وفرحتهم بالعيد منقوصة هذا العام لاختفاء أجواء ذبح الأضاحي، بعد أن اعتاد الأبناء عليها، لتنضم الأضحية إلى عادات كثيرة لم يعُد يقبل عليها خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وبالتالي يحاول الإيفاء بمتطلبات الحياة اليومية.

الموظف يعمل بإحدى شركات القطاع الخاص راتبه يتجاوز 15 ألف جنيه وكان هذا المبلغ يكفي لقضاء احتياجات أسرته قبل سنوات، لكن الوضع الآن أضحى صعباً للغاية، قائلاً بنبرة حزينة إن ميزانية الأسرة لم يعد بها بند اللحوم لفترات طويلة من العام.

وأشار المتحدث إلى أنه أصبح  يلجأ للشراء من منافذ بيع تابعة لجهات حكومية عدة لانخفاض أسعارها مقارنة بالجزارين، لكن من تذوق طعم اللحوم البلدي يشعر أنه اشترى قطع كاوتش.

الذبح في أفريقيا

ولا يختلف الوضع كثيراً بالنسبة لمحمد سمير وهو مدرس لغة إنجليزية بالمعاش والذي قال إن شراء أضحية العيد أصبح أمنية مستحيلة بعد الارتفاعات الكبيرة في أسعارها على الرغم من أنه ميسور الحال بسبب دخله من الدروس الخصوصية.

وأضاف المتحدث أنه التجأ إلى الجمعيات الخيرية التي تقوم بذبح الأضاحي في البلدان الأفريقية، واتفق على ذبح خروف في دولة تنزانيا يبلغ سعره 2500 جنيه ويرى أن ذلك مبلغ مناسب للحفاظ على أداء الشعيرة.

 يوضح سمير أن العديد من الأسر التجأت إلى الذبح في أفريقيا، رغم أنهم لا يعرفون تفاصيل هذه العملية، منتظراً أن ينصلح حال البلد ويعود مرة أخرى للالتزام بسنة الأضحية في بلده، لافتاً إلى أنه ينوي شراء عدد من الكيلوغرامات من اللحوم وتوزيعها على الفقراء الذين ينتظرونها كل عام.

يشير إلى أن أبناءه الأربعة شاركوا رغبته في ذبح الأضحية وتوزيعها على الفقراء المسلمين في الدول الأفريقية، لكن يخيم عليهم حالة من الحزن لأن أجواء العيد لن تكون مكتملة لغياب عادة قديمة نشأوا عليها منذ الصغر.

وأضاف المتحدث أن العيد بالنسبة لهم هو الوقوف على ذبح الأضحية والتسابق على توزيعها صباح أول يوم العيد على الفقراء والمحتاجين والأقارب، لكن هذا العام كل ما لديهم هو فيديو للأضحية سترسله الجمعية الخيرية.

فيديوهات مصورة للأضحية

يقول أحد موظفي الجمعيات التي تنظم قوافل لذبح الأضاحي بالدول الأفريقية لـ"عربي بوست" إن إقبال المصريين هذا العام تضاعف بشكل كبير؛ وهو ما دفعنا لمد باب حجز الأضاحي إلى صباح أول أيام العيد.

وأضاف المتحدث أن الجمعية لديها نشاط مستمر منذ عدة سنوات من خلال تقديم المساعدات الإنسانية للمسلمين المحتاجين في عدد من الدول الأفريقية على رأسها تنزانيا والصومال وكينيا وأوغندا وغيرها من الدول، وكثير من المصريين يتواصلون من أجل ذبح العقائق والنذور والفدية وغيرها.

وأشار الموظف إلى أن نشاط الشركة تضاعف خلال العامين الماضيين في الفترة التي ارتفعت فيها أسعار اللحوم في مصر بشكل كبير، وأصبح الآلاف إن لم نقل الملايين من الأسر غير قادرة على ممارسة شعيرة عيد الأضحى.

 مشيراً إلى أن الجمعية تمنح المواطنين الذين يتعاملون معها إيصالات تثبت دفع المبلغ المدفوع ويكون هناك حضور مباشر لعمليات الذبح وتوزيع اللحوم، وأن الخدمة الأخيرة قد لا تكون متاحة في عيد الأضحى، لكن يتم توثيق الذبح في فيديوهات مصورة يتم إرسالها لأصحاب هذه الأضاحي.

وأكد أن العديد من المواطنين لا يصدقون أسعار المواشي في الدول الأفريقية بسبب انخفاضها مقارنة بسوق الأضاحي في مصر، لكن تلك الأسعار أسبابها عديدة وتتعلق بوفرة الثروة الحيوانية في تلك الدول.

وأشار إلى أن الأسعار تتزايد أيضاً خلال الأيام الأخيرة قبل العيد أسوة بارتفاع أسعار المواشي في الأسواق التي نقوم بالشراء منها، كما أن عملية الذبح وتوزيع الأضحية يبقى مكلفاً بشكل أكبر خلال أيام العيد.

ولفت في حديث مع "عربي بوست" إلى أنه بدأ حجز الأضاحي منذ شهر أبريل/نيسان 2024 ويستمر بكثافة حتى الآن، وبالطبع يتجه البعض لحجز الأضاحي في توقيت مبكر للاستفادة من الأسعار المنخفضة.

وشدد على أن الجمعية لديها تراخيص عمل في مصر، ولديها وكلاء في الدول الأفريقية المختلفة، ويتم الحصول على المبالغ من المواطنين إما عبر الذهاب إلى فرع الجمعية الرئيسي في القاهرة أو إرسالها عبر أي من محافظ شركات الاتصالات المختلفة في مصر.

مشيراً إلى أن بعض المواطنين يفضلون دفع نصف ثمن الأضحية في وقت مبكر واستكمال المبلغ قبل يوم أو اثنين من الذبح وهو ما تتيحه الجمعية أيضاً تسهيلاً عليهم.

ويوضح المصدر ذاته أن سعر الخروف يتراوح ما بين 2000 إلى 2500 جنيه، كما تتراوح أسعار العجول ما بين 20 ألف جنيه وحتى 30 ألف جنيه على حسب الوزن، ودائماً لا يتجاوز نصيب الفرد في السهم الواحد 3000 آلاف جنيه، وهي مبالغ زهيدة للغاية مقارنة بأسعار الأضاحي في مصر وتشكل بديلاً مناسباً للطبقات المتوسطة والفقيرة التي لديها رغبة في أداء شعيرة الأضحية.

تقسيط مبالغ الأضحية

بحسب مصدر مطلع بشعبة القصابين (الجزارين) في مصر، فإن مربي المواشي وأصحاب محال الجزارة تأثروا هذا العام سلباً باتجاه عدد كبير من الأسر المصرية نحو الجمعيات الخيرية في الدول الأفريقية.

ويضيف المصدر أن الأسر لجأت إلى شراء عدد كيلوغرامات من اللحوم بدلاً من ذبح الأضحية، غير أن المستفيد من ذلك هم منافذ بيع اللحوم الحكومية التي يتراوح فيها سعر الكيلو ما بين 250 جنيهاً وحتى 350 جنيهاً، الأمر الذي يشكل خطراً على تربية المواشي.

ويتوقع الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر انخفاض أعداد الماشية المصرية بنسبة 4% إلى 7.8 مليون رأس نهاية 2024، مقارنة بتقديرات عام 2023، نتيجة "ارتفاع معدل الذبح بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف وانخفاض أعداد الماشية المستوردة، نتيجة للأزمة المستمرة في السودان".

ويؤكد المصدر ذاته لـ"عربي بوست" أن معدلات البيع تراجعت بنسبة قد تصل إلى 40% مقارنة بالعام الماضي، وفي الوقت ذاته فإن الأسعار شهدت زيادة تتراوح ما بين 20% إلى 30%.

وأرجع تلك الزيادة إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج مع تراجع قيمة الجنيه قبل ثلاثة أشهر ورفع أسعار خدمات الكهرباء والوقود، إلى جانب عدم انخفاض أسعار الأعلاف كما كان متوقعاً، والأمر يرجع إلى تقلص مساحات زراعتها في مصر والاعتماد على الاستيراد بشكل كبير.

يقول سيد عيد، وهو صاحب أحد محال الجزارة ويمتلك مزرعة مواشٍ بمحافظة الجيزة، إنه اضطر لأول مرة هذا العام لتقديم عروض لزبائنه عبر تقسيط مبالغ الأضحية خلال الشهرين الأخيرين قبل عيد الأضحى.

وأضاف أنه استقبل مقدمات حجز من البعض خلال شهر أبريل/نيسان لكي يتمكن من التعرف على حجم السوق تقريباً، بعد أن واجه خسائر العام الماضي نتيجة ضعف الإقبال، لافتاً إلى أن أسعار اللحوم دائماً ما تشهد ارتفاعاً في الأيام الأخيرة قبل عيد الأضحى مع قلة المعروض وزيادة الطلب، لكن هذا لم يحدث هذا العام أو العام الماضي.

وأضاف أنه اتجه إلى تقليص حجم دورته الإنتاجية نتيجة ارتفاع أسعار الأعلاف وتكاليف التغذية بوجه عام، إلى جانب اضطراره لرفع رواتب العاملين بجانب زيادة أسعار النقل، وأنه ترك مزرعة كبيرة كانت تتسع لـ50 ألف ماشية وقام باستئجار حظيرة صغيرة لا يتجاوز عدد المواشي فيها 8000 ماشية، وأنه أغلق أحد محاله بمنطقة حدائق الأهرام واكتفى بمحله الرئيسي في شارع فيصل.

وأكد أنه كان يشتري كميات أخرى إضافية عن المواشي التي يقوم بتربيتها مع اقتراب عيد الأضحى، لكن هذا لم يحدث أيضاً لافتاً إلى أنه اعتاد إغلاق محل الجزارة الخاص به قبل ساعات من وقفة عرفات ولمدة شهر بعد العيد، لكنه سوف يغير خطته هذا العام مع اتجاه المواطنين لشراء اللحوم الطازجة خلال أيام العيد بدلاً من الأضحية.

وذكر أن معدلات المكسب جراء تربية المواشي وبيعها تراجع أيضاً بصورة كبيرة ولم يعد هناك هامش ربح قوي كما كان الوضع سابقاً، بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج وتراجع معدلات البيع، وأن الأسعار المعروضة حالياً يصل فيها سعر كيلو اللحم البقري إلى 430 جنيهاً والضأن إلى 450 جينهاً للكيلو هي أقل قيمة للبيع.

وتخوفت جهات رسمية في مصر من تأثير اتجاه المصريين إلى الجمعيات الخيرية للتضحية في أفريقيا كبديل للجمعيات المصرية وحذرت في تقارير تم رفعها للمسؤولين من تأثير ذلك على التكافل بين المواطنين، فضلاً عن ارتفاع عدد الفقراء المصريين وهم في أشد الحاجة لتلك الأضاحي وينتظرونها من عام لآخر؛ مما جعل دار الإفتاء تتشر قبل أيام بياناً حمل عنوان "مهم جداً عن الأضحية".. حذرت فيه من ظاهرة بدأت في الانتشار مؤخراً، وهي قيام البعض بشراء الأضحية في بعض البلاد الأفريقية بسبب انخفاض أسعارها وتوكيل جمعيات بالذبح في تلك البلاد نيابة عن المضحي في مصر.

وقالت الإفتاء في بيان نشرته عبر حسابها الرسمي على منصة التواصل الاجتماعي إكس (تويتر سابقاً): "رصدنا مؤخراً انتشارَ العديد من الدعوات على منصات التواصل الاجتماعي التي تدعو المصريين إلى ذبح أضاحي عيد الأضحى المبارك في عدد من الدول الأفريقية، من خلال بعض الجمعيات المجهولة بدعوى رخص ثمنها عن الأضاحي في مصر".

وختمت الإفتاء بيانها المهم، قائلة: "نهيب بالمصريين عدم الانسياق وراء هذه الدعوات التي تعد فرصة لنهب أموال من يرغبون في أداء شعيرة الأضحية وفعل الخيرات، وهناك العديد من الفقراء والمحتاجين في مصر، مما يجعلها فرصة عظيمة للتكافل الاجتماعي بين أبناء الوطن".

تحميل المزيد