سلط تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، الجمعة 7 يونيو/حزيران 2024، الضوء على معاناة البدو الفلسطينيين، حيث تقوم سلطات الاحتلال الإسرائيلي بمصادرة أراضيهم وهدم منازلهم واقتلاع أشجارهم وإصدار تهديدات باعتقالهم ومراقبتهم باستخدام الطائرات من دون طيار.
واستعرضت الصحيفة البريطانية الأوضاع المزرية لعدد من السكان من البدو في القرى المنتشرة في صحراء النقب ومن بينها قرية وادي الخليل التي تقع شرق بئر السبع، على بعد حوالي 20 كيلومتراً من قطاع غزة.
ومن بين هؤلاء الأشخاص طيير أبو أسدة الذي أقام خيمة للمرة الخامسة خلال الأسبوعين الماضيين، والتي ستكون بمثابة منزل مؤقت لزوجته وأطفاله الخمسة على الأقل في الأيام المقبلة.
وأبو أسدة، 38 عاماً، هو بدوي فلسطيني وسائق شاحنة، وواحد من مجموعة من البدو يبلغ عددهم الآن 500 شخص يعيشون منذ عقود في وادي الخليل.
وفي أوائل شهر مايو/أيار الماضي، هدمت سلطات الاحتلال الإسرائيلية 303 مبنى في وادي الخليل و47 منزلاً، ما أدى إلى تشريد مئات الأطفال، بحسب تقرير الغارديان.
وفي ظل الحرب الإسرائيلية على غزة، وصفت سلطات الاحتلال الإسرائيلية هذا الإجراء بأنه "خطوة مهمة للسيادة والحكم".
يقوم البدو بنصب خيام مؤقتة لتوفير المأوى لعائلاتهم. ومع ذلك، تصل القوات الإسرائيلية كل ثلاثة أيام برفقة قوات الشرطة، وتقوم بتفكيك المنازل المؤقتة واقتلاع الأشجار التي كانت توفر الظل وتصدر تهديدات بالاعتقال.
معاناة الأطفال
ونقلت الغارديان عن جبر أبو عيسى، 55 عاماً، وهو أب لـ9 أطفال وجد لـ15 طفلاً، قوله: "في وادي الخليل، يفعل الإسرائيليون ما فعلوه على مدى عقود في الضفة الغربية. إنهم يفعلون ذلك دون أن يقدموا لنا أي بديل. إننا يائسون. ونكافح من أجل الوصول إلى المياه. بينما يعاني أطفالنا من الحر نهاراً والبرد ليلاً. إننا لا نستحق أن يفعل بنا هكذا. منذ سنوات ونحن نبحث عن حل، ونأمل أن يكون حلاً عادلاً، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي أعاق كل خياراتنا".
من جانبها، تعتبر إسرائيل المنازل التي تم بناؤها في وادي الخليل غير قانونية، ويقول نشطاء حقوق الإنسان إنها استخدمت في الماضي وضع البدو "غير المعترف به" لحرمان هذه القرى من الحقوق والخدمات الأساسية ولتبرير مصادرتها. وتفتقر القرى إلى معظم الخدمات الأساسية، مثل جمع القمامة والحصول على المياه.
فيما خططت سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ فترة طويلة لهدم القرية لتوسيع الجزء الجنوبي من الطريق السريع رقم 6، لكن أعمال التوسعة توقفت في النهاية بسبب نقص التمويل.
وقد أيد وزير الأمن القومي اليميني المتطرف، إيتمار بن غفير، علناً، ودفع من أجل هدم منازل الفلسطينيين، سواء داخل إسرائيل أو في الأراضي الفلسطينية المحتلة. منذ أكثر من عام، شارك مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي يحتفل بهدم منازل البدو الفلسطينيين في النقب.
وفي الشهر الماضي وصف إنشاء المنازل في وادي الخليل بـ"غير القانوني"، وأصدر تحذيراً لأي شخص "ينتهك القانون في النقب".
وقال مكتب بن غفير: "كما وعد الوزير، هناك زيادة كبيرة في عمليات هدم المنازل غير القانونية في النقب، والوزير فخور بقيادة هذه السياسة ويقوم بها كل أسبوع. يجب على كل خارج عن القانون أن يعرف أن أراضي النقب ليست أرضاً محظورة، وستقاتل إسرائيل بكل قوتها ضد أولئك الذين يستولون على الأراضي ويحاولون فرض الواقع على الأرض".
"لن نرحل"
وعلق أبو عيسى بقوله: "قريتنا غير شرعية؟". لقد كنا هنا قبل تأسيس إسرائيل. الحقيقة هي أننا عرب. لو كنا يهوداً لكانوا قد غيروا الطريق السريع بدلاً من ذلك وقاموا بتوسيع قريتنا".
والشهر الماضي، عقدت المحكمة المركزية في بئر السبع جلسة استماع بعد استئناف قدمه مركز عدالة، وهو مركز قانوني غير ربحي يديره فلسطينيون، ضد قرار محكمة أدنى درجة أعطى الضوء الأخضر للتهجير القسري لجميع السكان في قرية رأس جربة البدوية التي يقطنها حوالي 500 شخص. ويعيش البدو هناك منذ أجيال ويقاومون محاولات الدولة لطردهم من أجل توسيع مدينة ديمونة القريبة.
وقال مركز عدالة إن محكمة الصلح ارتكبت خطأً فادحاً عندما خلصت إلى أن سكان رأس جربة ليس لديهم الحق في المطالبة بالأرض، على الرغم من اعترافهم بأن القرية كانت موجودة في موقعها المحدد منذ 45 سنة.
يذكر أن صحراء النقب كانت موطناً لحوالي 92 ألف بدوي فلسطيني قبل قيام إسرائيل عام 1948. وبعد الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، بقي 11 ألفاً فقط داخل حدود إسرائيل، وفقاً لمركز عدالة. ورفض الكثير منهم إعادة توطينهم في المدن، وظل البدو يواجهون صعوبات في المجتمع الإسرائيلي منذ ذلك الحين.
وقد تحول البدو الذين يعيشون في النقب، والمعروفون بأسلوب حياتهم التقليدي شبه البدوي كرعاة للحيوانات، تدريجياً نحو الحياة المستقرة استجابة للقيود المتزايدة المفروضة على حركتهم وسبل عيشهم. واليوم، يمتهن الكثير منهم الزراعة كوسيلة أساسية لدعم مجتمعاتهم والحفاظ على تراثهم الثقافي.
ويدعي أهالي القرى البدوية أن القوات الإسرائيلية اقتلعت نحو 100 شجرة زيتون كان البدو يستخدمونها لإنتاج زيت زيتون عالي الجودة.
وقال أبو أسدة إن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تنشر طائرات من دون طيار لتحديد موقع الخيام المؤقتة التي نصبها القرويون والأشجار.
وقد فقد العديد من البدو في وادي الخليل وظائفهم بسبب عمليات الهدم. وختم أبو أسدة بقوله: "لكننا لن نرحل". سيتعين عليهم إزاحتنا بالقوة. لقد كان هذا المكان موطننا منذ عقود. لقد نشأنا هنا، ونشأ أطفالنا هنا أيضاً. سنقاوم مهما كان الثمن".