نشرت وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية، الأربعاء 22 مايو/أيار 2024، تقريراً كشف أن الروايات التي حُبكت من طرف "شهود" إسرائيليين عن عنف جنسي اتهمت حماس بارتكابه خلال عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر تبين أنها ليست صحيحة.
ونقلت الوكالة عن إسرائيلي يُدعى "حاييم أوتمازجين" اشتهر حينها بنشره اتهامات و"شهادات" مزيفة، تتهم حماس بارتكاب عنف جنسي، قوله إنه "ليس الأمر أنني اخترعت قصة، لكن اتضح أنه مختلف وقمت بتصحيحه".
كما أقر المتحدث نفسه أنه "لم ينشر أي دليل مقنع لدعم ادعاءات ما حدث في 7 أكتوبر".
وكانت هذه الشهادة، قد روَّج لها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في أكثر من مناسبة، كما تم عرضها داخل مبنى "الكنيست" أمام الأعضاء وقادة غربيين من أجل حشد الدعم ضد "حماس"، كما أن الرئيس الأمريكي جو بايدن، تبنى روايات الاحتلال وأدان في أكثر من مرة المقاومة بدعوى أنها ارتكبت "جرائم جنسية".
وقال "حاييم"، الذي كان يعمل متطوعاً مع جمعية خيرية، إنه شاهد إلى جانب مجموعة من الجثث المنتشرة في الكيبوتس الذي استهدفته المقاومة، جثة فتاة منزوع لها جزئياً سروالها، وكان قد نشر حينها شهادات تقول إنها ربما قد تعرضت لاعتداء جنسي.
لكنه حالياً تراجع عن تصريحاته، وقال إن المشهد لا يدل بالضرورة على أنه اعتداء جنسي، وذلك بعد أن "نبه الصحفيين إلى ما رآه، وروى التفاصيل وهو يبكي في ظهور متلفز على المستوى الوطني في البرلمان الإسرائيلي، وفي الساعات والأيام والأسابيع المحمومة التي أعقبت عملية حماس، ترددت شهادته في جميع أنحاء العالم".
تقول الوكالة الأمريكية إنه قد ثبت أن "بعض الروايات من ذلك اليوم، مثل رواية أوتمازجين، غير صحيحة".
عاصفة من الدعاية ضد المقاومة
في مارس/ آذار 2024، انتقد ناشطون ومحامون وأكاديميون قيام قادة سياسيين ووسائل إعلام غربية بنقل توصيف "غير دقيق" لما ورد في تقرير الأمم المتحدة بشأن مزاعم ارتكاب حماس والمقاتلين الفلسطينيين جرائم عنف جنسي، في هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023؛ ما أسفر عن "عاصفة من الدعاية التي تتهم الفلسطينيين بجرائم الاغتصاب الجماعي".
جاء ذلك بعد أن أصدرت براميلا باتن، الممثلة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالعنف الجنسي في حالات النزاع، في مارس/آذار 2024، تقريراً يبحث في مزاعم العنف الجنسي خلال معركة طوفان الأقصى، في 7 أكتوبر/تشرين الأول، على القواعد العسكرية الإسرائيلية والمستوطنات القريبة من قطاع غزة.
جاء التقرير في أعقاب مقالات عديدة نشرتها الصحف الغربية، ورسمت فيها صورة مزعومة عن ممارسة المقاتلين الفلسطينيين جرائم اغتصاب جماعي وعنف جنسي بحق الإسرائيليات خلال الهجوم ذاته، إلا أن منظمات حقوقية وناشطين مؤيدين للقضية الفلسطينية طعنوا في هذه التقارير الغربية، واتهموها بالتحيز للرواية الإسرائيلية للأحداث.
في مراجعة لتقرير الأمم المتحدة كتبت "شبكة التضامن النسوي مع فلسطين"، وهي مجموعة دولية مؤيدة للفلسطينيين "إن التقرير لم يخلص، في واقع الأمر، إلى كثير من الاستنتاجات التي روَّجتها وسائل الإعلام الغربية، بل إن نتائج عدة توصل إليها تقوِّض الرواية الإسرائيلية".
تقول شبكة التضامن النسوي إنها "مجموعة دولية تتألف من أكاديميين ومحامين وناشطين نسويين مناهضين للإمبريالية والاستعمار، ومعنيين بمكافحة الدعاية الاستعمارية الاستيطانية الصهيونية، سعياً إلى تحرير فلسطين".
ضللت الجمهور
فيما تتهم الشبكة الحقوقية وسائل الإعلام الغربية بأنها ضللت الجمهور حين وصفت تقرير ممثلة الأمم المتحدة بأنه "تحقيق" في مزاعم عنف جنسي، في حين أن مكتب الممثلة الأممية ليس مكلَّفاً بالتحقيق في مثل هذه المزاعم، وإنما تقتصر مهمته على "جمع المعلومات"، والمشاركة في "الدفاع السياسي" عن الحماية من جرائم العنف الجنسي في حالات النزاع.
وأشارت الشبكة النسوية المؤيدة للفلسطينيين إلى أن إسرائيل رفضت التعاون مع فريق آخر يعمل تحت إشراف مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، كانت مهمته التحقيق في الجرائم المزعومة، بل وأصدرت تعليمات للأطباء والعاملين الصحيين الذين عالجوا "ضحايا" هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، بعدم التعاون والإدلاء بشهاداتهم إلى هذا الفريق، بحسب ميدل إيست آي.
وكتب النشطاء: "من المفارقات أن غياب أي قدرة أو سلطة تحقيق لدى فريق براميلا باتن هو الذي دفع إسرائيل على الأرجح إلى توجيه الدعوة إليها"، "فهم كانوا يعلمون مسبقاً أن البعثة ليست لديها القدرة -ولا العزم في الحقيقة- على تفحص هذه الادعاءات".
وقال النشطاء إن إسرائيل أشادت بتقرير الممثلة الأممية وزعمت أنه "تصديق من الأمم المتحدة لادعائها بأن حماس ارتكبت أعمال عنف جنسي منهجية، في 7 أكتوبر/تشرين الأول"، لكن المراجعة تكشف أن التقرير دحض كثيراً من الادعاءات التي قدمتها الحكومة الإسرائيلية.
فقد فنَّد التقرير ما ورد من ادعاءات في مقال نشرته شبكة NBC الأمريكية، وزعمت فيه أنه عُثر على جثمان امرأة في كيبوتس بئيري و"قد طُعنت بأشياء شبيهة بالسكاكين في أعضائها التناسلية"، وقال التقرير إن فريق بعثة الأمم المتحدة الذي اطلع على الصور "لم يعثر على شيء من هذا القبيل".
وذكر التقرير كذلك أن شهادات المسعفين وعمال الإنقاذ الذين وصلوا في البداية إلى المواقع التي تعرضت للهجوم تضمنت "تشخيصات طب شرعي غير موثوق بها وغير دقيقة، أطلقها أشخاص غير مؤهلين بالتدريب اللازم".
ما إن صدر التقرير إلا وتناولته وسائل إعلام غربية كبرى، مثل صحيفة "فايننشيال تايمز" و"الغارديان" البريطانيتين، وصحيفة واشنطن بوست، وقالت إنه يقدم "حججاً معقولة" للزعمِ بأن حماس ارتكبت أعمال عنف جنسي، في 7 أكتوبر/تشرين الأول.