بينما كانت أعين الكثير من المغاربة تتابع مباراة نهائي كأس الاتحاد الأفريقي لكرة القدم بين نهضة بركان المغربي والزمالك المصري، مساء الأحد 19 مايو/أيار 2024، أصدرت وزارة الاقتصاد والمالية قراراً غير مسبوق أثار جدلاً واسعاً بين المغاربة، ويتعلق الأمر بتقليص الدعم الموجه لقنينات غاز البوتان في المغرب وبالتالي زيادة هي الأولى منذ 30 عاماً.
حسب بيان لوزارة الاقتصاد والمالية المغربية فقد تم الشروع في التقليص الجزئي من الدعم الموجه لقنينات غاز البوتان، وأعلنت عن زيادة قدرها 2,5 دراهم (0.25 سنت)، بالنسبة لقنينة غاز البوتان في المغرب من فئة 3 كيلوغرامات، و10 دراهم (دولار واحد) لقنينة غاز البوتان من فئة 10 كيلوغرامات.
يأتي ذلك تطبيقاً لخطة تنفذها الحكومة المغربية تقوم على إلغاء دعم بعض المواد الأساسية مثل غاز الطهي، مقابل الدعم المالي المباشر للأسر المحتاجة، وفق ما أعلنه رئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش، في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2023، في إطار "خطتها الإصلاحية" كما تزعم.
خلفيات تقليص دعم أسعار غاز البوتان في المغرب
وهو ما أكده بيان وزارة الاقتصاد والمالية الذي أوضح أن تقليص دعم غاز البوتان في المغرب يأتي "في إطار تنزيل برنامج الدعم الاجتماعي المباشر، حيث استفادت 3.6 ملايين أسرة حتى أبريل/نيسان الماضي، حيث تستفيد الأسر المحتاجة من 500 درهم (50 دولاراً) شهرياً، اعتماداً على مبدأ الاستهداف الأنجع للأسر المستحقة للدعم".
كما أضاف بيان مديرية المنافسة والأسعار والمقاصة بوزارة الاقتصاد والمالية، أن الخطوة تأتي أيضاً "بعدما قامت الحكومة بتعزيز برنامج الدعم بمجموعة من البرامج الاجتماعية منها تعميم التأمين الصحي، عبر استفادة 4.2 ملايين أسرة، وبرنامج دعم السكن، حيث استفادت منه 330 ألف أسرة على مدى 3 سنوات".
بالإضافة إلى "إعلان رفع أجور الموظفين والأجراء في القطاعين العام والخاص برسم جولة أبريل/نيسان 2024 من الحوار الاجتماعي (تجمع الحكومة والنقابات وأرباب العمل)، مما سيساهم في رفع القدرة الشرائية لأكثر من 4 ملايين أسرة مغربية".
فيما كان أخنوش قال في جلسة أمام البرلمان المغربي شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إن "قنينة غاز البوتان في المغرب التي تباع بـ40 درهماً (4 دولارات) حالياً، سعرها الحقيقي يصل إلى 130 درهماً (13 دولاراً)، يؤدي المواطن منها 40 درهماً والباقي تؤديه الدولة".
وأضاف أخنوش أنه "ابتداء من أبريل 2024 سيبدأ رفع الدعم بنحو 10 دراهم تدريجياً وسيتم تسقيف سعر قنينة غاز البوتان في المغرب، نافياً تحريرها كليا." ومقابل ذلك، أعلن أخنوش عن دعم الدعم المالي للعائلات المحتاجة بما لا يقل عن 500 درهم (50 دولاراً) لكل أسرة.
هكذا بررت الحكومة قرارها
مباشرة بعد قرار الرفع من "سعر البوطا" حل الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، بمجلس النواب، الإثنين 20 مايو/أيار 2024، حيث قدم مبررات الحكومة للرفع من أسعار غاز البوتان من خلال الرفع الجزئي للدعم.
لقجع قال إنه من 2015 إلى 2023 خصصت الدولة 111 مليار درهم لدعم غاز البوتان لم يستفد 20 في المئة من الفقراء إلا بـ2.5 مليار درهم سنوياً، أي 14 في المئة من هذه الحصة، في حين استفاد 20 في المئة ممن لديهم الإمكانات من أكثر من 27 في المئة من هذا الدعم.
فيما تساءل الوزير المغربي خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب: "هل نستمر في تخصيص العشرات من الملايين لدعم الميسورين وذوي القدرة الشرائية، أم نوفر هذه الهوامش ونعطيها مباشرة لأولئك الذين يحتاجونها؟".
قبل أن يستطرد المسؤول المغربي أن هذه الطبقات التي تحدث عنها، والتي تتعلق بـ3.6 مليون من المواطنين، "سيتوصلون هذه السنة بـ25 مليار درهم، وسيستفيدون سنة 2026 من 29 مليار درهم"، وفق ما نقلته وسائل إعلام محلية.
وأشار فوزي لقجع إلى أن ما عرفه غاز البوتان في المغرب اليوم "ليس تحريراً للأسعار هو فقط إضافة 10 دراهم في الثمن، وثمن قنينة البوطا الحقيقي اليوم هو 88 درهماً، معناه أن الدولة ستواصل دعم هذه المادة بأكثر من 35 درهماً للقنينة الواحدة".
وبينما اعتبر المحلل الاقتصادي ورئيس "مرصد العمل الحكومي"، محمد جدري، أن "الرفع التدريجي لدعم سعر قنينات الغار كان متوقعاً، لأنه لا يمكن دعم العديد من المواد التي تستفيد منها جميع فئات المجتمع سواء أغنياء أو فقراء دون إصلاح صندوق المقاصة".
اعتبر أنه "لكن لا يعقل أن يكون إصلاح صندوق المقاصة دون إجراءات موازية لمحاربة مجموعة من الظواهر في المنظومة التسويقية كالمضاربين والوسطاء والمحتكرين ومؤسسات الريع"، وفق ما صرح به لموقع "أصوات مغاربية".
مخاوف من ارتفاع أسعار المواد الأساسية
قرار الزيادة في أسعار قنينة غاز البوتان في المغرب قوبل بانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث عبر مغاربة عن مخاوفهم من انعكاس ذلك على أسعار المنتجات الأساسية، خاصة فيما يتعلق بأسعار الخبز والخضر.
وهو ما أكده المحلل الاقتصادي محمد جدري قائلاً: "سيكون من الطبيعي أن تشهد الأسابيع المقبلة ارتفاع أسعار مجموعة من السلع والخدمات نتيجة التأثير المباشر للزيادة في قنينة الغاز".
فيما ذكرت وسائل إعلام محلية أن أرباب المخابز لا يستبعدون الزيادة في أسعار الخبز بعد تقليص الدولة من دعمها لغاز البوتان، وهو ما أكدته نقلاً عن مسؤول في الفيدرالية الوطنية للمخابز والحلويات الذي اعتبر أن هذه الزيادة إن تمت "ستكون مشروعة".
بينما نفى الوزير المنتدب المكلف بالميزانية أي زيادة مرتقبة في أسعار الخبز، وقال: "لابد من إبراز الحقائق كما هي، الدولة خصصت 10 مليار درهم لتوفير القمح بأثمانه الحقيقية والكميات الضرورية ولهذا سيبقى الخبز في ثمنه دون أي ارتفاع".
كما أشار لقجع خلال جلسة لمجلس النواب إلى أن الحكومة ضخت خلال السنتين الماضيتين 8 مليارات درهم للحفاظ على الأثمان المعمول بها حالياً وضخت 9 مليارات للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب لكي لا ترتفع الأسعار.
زيادات أخرى في الطريق
وفق البرنامج الذي سطرته الحكومة المغربية التي يقودها عزيز أخنوش، فإن رفع الدعم الجزئي عن قنينات غاز البوتان في المغرب، ليست سوى مرحلة أولى تستهدف رفع الدعم عن المواد الأساسية المدعمة، في مقابل منح دعم مالي مباشر للأسر المعوزة.
وتنص خطة الحكومة، كما أعلنت عن ذلك في وقت سابق، على أن تبدأ في رفع الدعم عن غاز البوتان بنحو 10 دراهم تدريجياً كل سنة على مدى ثلاث سنوات، ليصل السعر إلى 70 درهماً في سنة 2026، وهي السنة التي ستشهد الانتخابات التشريعية لاختيار حكومة جديدة.
كما ورد في المذكرة التقديمية لمشروع القانون المالية لسنة 2024، أنه في إطار التقيد بالتوجهات الاستراتيجية لورش تعميم الحماية الاجتماعية الرامية إلى صرف الدعم الاجتماعي المباشر للفئات المحتاجة المستهدفة، "فمن المقرر مواصلة رفع الدعم، تدريجياً، عن المواد المدعمة المتبقية".
ومن المتوقع أن يشمل قرار رفع الدعم عن المواد الأساسية التي تدعمها الدولة إلى جانب غاز البوتان في المغرب، كلاً من السكر الذي تخصص له الحكومة 3.88 مليار درهم، والدقيق الوطني للقمح اللين بنحو 143 درهماً للقنطار.