تسبب سقوط طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ومقتله ووزير خارجيته أمير حسين عبد اللهيان، يوم الأحد 19 مايو/أيار 2024 في محافظة أذربيجان الشرقية شمالي شرقي البلاد، في إثارة الجدل والحديث عن مقومات الطيران المدني الإيراني، ولماذا كان يستقل الرئيس الإيراني طائرة ذات مقومات ضعيفة، وفق ما وثقت لقطات فيديو للطائرة، فيما طرح البعض تساؤلات حول ما اذا كانت العقوبات الأمريكية قد طالت قطاع الطيران المدني وتسببت في إضعاف أسطولها الجوي؟.
بالنظر إلى نوع الطائرة التي كان يستقلها الرئيس الإيراني وسقطت فوق أحد الجبال شمالي شرق البلاد، فهي عبارة عن طائرة هليكوبتر من نوع بيل 212 (Bell 212) أمريكية الصنع، تعود إلى حقبة الستينيات من القرن الماضي، وهي من صناعة شركة "بيل هليكوبتر" (الآن تسمى بيل تيكسترون Bell Textron). وتعد طائرة بيل 212 ترقية للطائرة الأصلية UH-1 Iroquois التي كانت تستخدمها أمريكا وكندا في ذلك الحين، حيث منح التصميم الجديد الطائرة محركين توربينيين بدلاً من محرك واحد، ما يمنحها قوة وقدرة حمل أكبر، وذلك وفقاً لوثائق التدريب العسكري الأمريكي.
في هذا التقرير نشرح أسباب تردي مستوى قطاع الطيران المدني وأسباب ذلك، ولماذا فشلت إيران في استيراد طائرات أمريكية أو أوروبية لتطوير أسطولها من الطائرات المدنية، وما هو علاقة كل ذلك بالعقوبات الأمريكية على طهران؟
حوادث سابقة تتعلق بسلامة الطيران المدني
في البداية، وبالنظر في الإحصائيات التي تخص الحوادث السابقة التي شهدها قطاع الطيران المدني في إيران، في السنوات القليلة الماضية، كان منها، ما حدث في مارس من عام 2021، حيث شهدت إيران سقوط مروحية كانت تقل وزير الرياضة آنذاك، حميد سجادي، ومرافقيه، أثناء هبوطها في المجمع الرياضي بمدينة بافت في محافظة فارس الإيرانية وتُوفي ساعتها مساعد وزير الرياضة السابق، إسماعيل أحمدي، في تلك الحادثة.
كذلك لقي قائد القوات البرية للحرس الثوري الإيراني، أحمد كاظمي، مصيراً مأساوياً مع عدد من قادة الحرس الثوري الإيراني، في عام 2005، بحادث تحطم طائرة داسو فالكون 20، بالقرب من أورمية وتحطمت طائرة "ياك 40" التابعة لشركة "فراز قشم" الجوية، في 27 مايو 2001، التي كانت تقل وزير الطرق والنقل، رحمن دادمان، شمال إيران. وأدى هذا الحادث إلى مقتل عدد من نواب البرلمان، ومساعدي بعض الوزراء، وعدد من مسؤولي هيئة الطيران المدني.
وفي عام 1994، قُتل قائد القوات الجوية، منصور ستاري، مع كبار ضباط القوات الجوية في حادث تحطم طائرة بالقرب من مطار بهشتي الدولي في أصفهان. وتحطمت طائرة هرقل سي-130 تابعة لسلاح الجو الإيراني بالقرب من طهران، في عام 1981، ولم ينج سوى 19 من ركابها البالغ عددهم 77 راكباً.
تصريحات حديثة وتهديد أمريكي بعقوبات
هذه الحوادث المتكررة في قطاع الطيران المدني في إيران طرحت تساؤلات حول موقف الحكومة الإيرانية من ذلك، ودفعت البعض للتساؤل حول خططهم لتطوير هذا القطاع الهام في دولة يبلغ عدد سكانها أكثر من ثمانية وثمانين مليون شخص، في ظل استمرار العقوبات الأمريكية عليها، ليرد عليها محمد محمدي بخش، رئيس هيئة الطيران المدني في مارس/آذار 2024 بقوله إن الجمهورية الإيرانية تكافح لتحقيق الأهداف التشغيلية للطائرات، حيث يوجد 180 طائرة فقط في الخدمة حالياً، وهو أقل من العدد المخطط له وهو 250 طائرة بحلول نهاية عام 2023.
وشدد محمد محمدي بخش، رئيس هيئة الطيران المدني، على ضرورة توسيع الأسطول لاستيعاب سكان البلاد، الذين تشير التقديرات إلى أنهم يحتاجون إلى 550 طائرة ومع ذلك، مع وجود 330 طائرة فقط في الأسطول وأقل من 200 طائرة مستخدمة بشكل نشط، تواجه الصناعة عجزاً كبيراً في مواجهة العقوبات العالمية بسبب برنامج إيران النووي، وانتهاكات حقوق الإنسان ودعم الغزو الروسي لأوكرانيا.
وكان محمدي بخش قد أبلغ سابقاً عن زيادة في عدد الطائرات العاملة قبل عيد النوروز، مع عودة الطائرات المتوقفة عن الطيران إلى الخدمة، ما رفع أعداد الطائرات التشغيلية إلى 178 خلال موسم الأعياد. وفي 2023 ادعى أن جهود الشراء أدت إلى إضافة أكثر من 50 طائرة ومروحية إلى الأسطول، لكن الهدف المتمثل في 250 طائرة تشغيلية بحلول نهاية العام لم يتحقق.
كذلك وعطفاً على تصريحات رئيس هيئة الطيران المدني الإيراني، فقد أعلن أمين سر اتحاد الخطوط الجوية الإيرانية في مايو/أيار 2024 أن أسعار تذاكر الطيران للرحلات الداخلية داخل إيران ارتفعت بنسبة 30% وسط ارتفاع تكاليف التشغيل وركود الإيرادات، حيث تعمل 21 شركة طيران حالياً في البلاد، ولكن وفقاً لرئيس منظمة الطيران المدني الإيرانية، لا يزال هناك ما مجموعه 171 طائرة إيرانية فقط تعمل وتخدم سكاناً يبلغ عددهم 85 مليون نسمة.
أما بخصوص التهديد الأمريكي الذي طال الطيران المدني في إيران، وكشف مدى حجم التدخل الأمريكي فيها، فقد سبق أن حذرت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون في أبريل/نيسان 2024 من احتمال فرض مزيد من العقوبات إذا نقلت طهران صواريخ باليستية إلى روسيا لاستخدامها ضد أوكرانيا. وبحسب ما ورد تشمل هذه العقوبات الإضافية حظراً محتملاً على الرحلات الجوية الأوروبية لشركة الخطوط الجوية الإيرانية، الناقل الوطني للجمهورية الإسلامية.
وقالت التقارير الأمريكية إنه على مدى السنوات القليلة الماضية، أدت الصعوبات المالية إلى خفض أسطول الخطوط الجوية الإيرانية من الطائرات الصالحة للاستخدام إلى 19 طائرة فقط، نتيجة لسوء الإدارة الداخلية والعقوبات السابقة.
فما هي رحلة الطيران المدني في إيران مع العقوبات الأمريكية؟
من المفارقات أنه قبل الثورة الإسلامية عام 1979، كانت الرحلات الجوية الإيرانية من بين أفضل سبع شركات طيران في العالم. كان لدى البلاد أسطول بوينج كبير وفقاً لموقع PlaneCrashInfo.com، وخلال عامي 1998 و2007، تعرضت شركة HOMA، أقدم شركة طيران إيرانية، لأكبر عدد من حوادث الطيران بين 12 شركة طيران في الشرق الأوسط وأفريقيا. ونتيجة لذلك، تراجعت مرتبتها إلى المرتبة 78 بين 90 شركة طيران في العالم.
وبين عامي 1980 و2010، وصل العدد الإجمالي للضحايا المرتبطين بحوادث الخطوط الجوية الإيرانية إلى ما يقرب من 1800 ووقعت 59% من هذه الحوادث بين عامي 2000 و2010 فقط، وهذه الحوادث كانت نتيجة لعدم قدرة إيران على تحديث طائراتها، بسبب العقوبات الأمريكية عليها، إذ تشير التقارير الأخيرة إلى وجود 220 طائرة بمتوسط عمر 22 عاماً في الأسطول الإيراني بحاجة إلى الاستبدال وقد جعلت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة من المستحيل على شركات الطيران الإيرانية إعادة بناء أو تحديث نظام الطيران الخاص بها. ولذلك يتعين على معظم شركات الطيران الإيرانية استخدام الطائرات القديمة.
على وجه التحديد، منعت العقوبات الأمريكية شركات الطيران الإيرانية من شراء أي طائرة مصنوعة بما لا يقل عن 10% من أجزائها من الولايات المتحدة. وفي حين أن هذا يمنعها بوضوح من الحصول على طائرات بوينج جديدة، إلا أن طائرات إيرباص يتم تصنيعها أيضاً بقطع غيار وعمالة من الولايات المتحدة.
وقد كشف رئيس هيئة الطيران المدني الإيرانية، محمد محمدي بكش، أن البلاد ستحتاج إلى أكثر من 370 طائرة جديدة خلال السنوات القليلة المقبلة لتحقيق الاستقرار في صناعة الطيران، وهو أمر شبه مستحيل. وأضاف أنه من بين حوالي 330 طائرة مسجلة في إيران، هناك حوالي 180 طائرة فقط تعمل، ما يعني أن ما يقرب من نصف أسطول البلاد متوقف عن الطيران.
العقوبات الأمريكية على قطاع الطيران المدني لم يتوقف، ففي يوليو/تموز 2018 فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على شركة Mahan Travel and Tourism Sdn Bhd، وهي وكيل مبيعات مقره ماليزيا كان يعمل لصالح شركة طيران Mahan Air، أو بالنيابة عنها، وهي شركة طيران مدرجة في القائمة السوداء. وقال وزير الخزانة الأمريكي آنذاك ستيفن منوشين: "إن شركة ماهان إير هي شركة الطيران المفضلة لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي، ما يسهل دعمها للإرهاب في جميع أنحاء الشرق الأوسط". وأضاف: "إن الإجراء الذي اتخذناه ضد شركة مستقلة تقدم خدمات وكيل المبيعات العامة لشركة ماهان يوضح للجميع في صناعة الطيران أنهم بحاجة ماسة إلى قطع جميع العلاقات والنأي بأنفسهم على الفور عن شركة الطيران هذه".
كذلك وفي أغسطس/آب 2018 وقع الرئيس دونالد ترامب على أمر تنفيذي يعيد فرض العقوبات على إيران ونتيجة لهذه العقوبات، ففي 14 سبتمبر/أيلول 2018 فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على شركة My Aviation Company Limited ومقرها تايلاند لعملها لصالح أو بالنيابة عن شركة Mahan Air، وهي شركة طيران إيرانية كانت مدرجة سابقاً على القائمة السوداء لدعم الإرهاب. وقال وزير الخزانة آنذاك ستيفن تي منوشين: "تقوم الخزانة بقطع مزود خدمة آخر يعمل نيابة عن شركة طيران ماهان، وهي شركة طيران خاضعة للعقوبات تنقل الجنود والإمدادات إلى [الرئيس السوري بشار] الأسد وتغذي الأنشطة الإرهابية في جميع أنحاء المنطقة".
وقد سبق أن تم إدراج شركة ماهان إير في أكتوبر 2011 لتقديمها الدعم المالي أو المادي أو التكنولوجي لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي الإيراني، المسؤول عن العمليات في الخارج.
استكمالاً لسلسلة من العقوبات الأمريكية على القطاع المدني في إيران، ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2018 أعادت وزارة الخزانة الأمريكية فرض العقوبات على إيران التي تم رفعها أو التنازل عنها في يناير/كانون الثاني 2016 بموجب الاتفاق النووي. حيث فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية عقوبات على أكثر من 700 فرد وكيان وطائرة وسفينة، وهو أكبر إجراء يتخذه في يوم واحد على الإطلاق ويستهدف النظام الإيراني. وشملت الأهداف البنوك، بما في ذلك البنك المركزي الإيراني، وشركة النفط الإيرانية، والعديد من الجهات الاقتصادية الرئيسية الأخرى مثل شركات طيران ايرانية.
كذلك وفي مايو/أيار 2020 فرضت وزارة الخزانة عقوبات على شركة مقرها الصين لتقديم خدمات لشركة طيران ماهان، وهي شركة طيران إيرانية فُرضت عليها عقوبات في عام 2011 لدعمها قوة القدس النخبوية. وقد قالت وزارة الخزانة الأمريكية إن شركة ماهان إير قد قامت بنقل المقاتلين والأسلحة والمعدات والأموال لدعم النظام السوري ووكلاء إيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك حزب الله. كانت شركة Shanghai Saint Logistics Limited هي الشركة السابعة التي تمت معاقبتها لعملها كوكيل مبيعات عام لشركة Mahan Air.
أما في أغسطس/آب 2020 ففرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على شركتين مقرهما في الإمارات العربية المتحدة لقيامهما بتوفير قطع الغيار والخدمات اللوجستية لشركة الطيران الإيرانية ماهان إير. وقال وزير الخزانة الأمريكي آنذاك ستيفن منوشين: "يستخدم النظام الإيراني شركة ماهان إير كأداة لنشر أجندته المزعزعة للاستقرار في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الأنظمة الفاسدة في سوريا وفنزويلا، وكذلك الجماعات الإرهابية في جميع أنحاء الشرق الأوسط".
لم تتوقف العقوبات الأمريكية عند هذا الحد، ففي يناير/كانون الثاني 2021 وسعت الولايات المتحدة العقوبات على صناعتي الدفاع والشحن الإيرانيتين وفرضت الإدارة عقوبات على ثلاث شركات تصنيع أسلحة وسبع شركات شحن دولية واثنين من مديري الأعمال الإيرانيين واستهدفت عقوبات الشحن الامريكية الشركات الإيرانية والصينية والإماراتية التي تتعامل مع شركة الشحن البحري الوطنية الإيرانية وزعمت وزارة الخارجية أن الشركات قامت بشحن منتجات الصلب الخام أو الجاهزة جزئياً إلى إيران في انتهاك للعقوبات الأمريكية. كما فرضت الإدارة عقوبات على محمد رضا مدرس خيباني، الرئيس التنفيذي لشركة IRISL، وحميد رضا عظيميان، الرئيس التنفيذي لشركة مباركة للصلب وفي أبريل/نيسان 2023.
محاولات إيرانية سابقة لشراء طائرات مدنية
ورغم العقوبات الأمريكية على قطاع الطيران المدني، فإن قطاع الطيران المدني في إيران لعب دوراً حيوياً في دعم النظام وسياساته في الخارج، ونجحت العقوبات الأمريكية في الحد من وصول إيران إلى الطائرات الحديثة وقطع الغيار والخدمات اللازمة لإبقائها قيد التشغيل لعقود من الزمن، وأسطولها الجوي القديم قد تراجع من حيث الكم والنوع مع مرور الوقت.
ولقد حاولت إيران القفز على هذه العقوبات التي "كبلت" طهران من شراء أي طائرات جديدة، فكانت إحدى محاولاتها في ديسمبر/كانون الأول 2022، حيث اشترت إيران أربع طائرات عريضة البدن من طراز إيرباص A340 من خلال سلسلة معقدة من الإجراءات المصممة لإخفاء وجهتها النهائية. وكانت الطائرات مملوكة سابقاً لشركة الخطوط الجوية التركية، وتم بيعها لشركة مقرها هونغ كونغ والتي قامت بتخزينها في جنوب أفريقيا في عام 2019 وعندما غادرت جوهانسبرج كانت الطائرات الأربع تحمل تسجيلاً جديداً، من دولة بوركينا فاسو الأفريقية، ثم انطلقت بعدها إلى أوزبكستان وهبطت في نهاية المطاف في طهران لتؤكد بعدها سلطات الطيران المحلية في إيران انضمام الطائرات الأربع إلى أسطول الطيران المدني الإيراني.
لكن الجانب السلبي بالنسبة لإيران هو أن عمر هذه الطائرات كلها يزيد عن 20 عاماً إحداها معرضة جداً للحوادث لدرجة أنها حصلت على لقب "مايك المجنون" من طاقم التشغيل السابق لها بسبب أعطالها الفنية المتكررة. لذلك، حتى عندما تنتهي العقوبات الأمريكية على إيران، فنادراً ما تتمكن إيران من الحصول على أي شيء آخر غير الطائرات القديمة والمستعملة.
بالعودة إلى الوراء، وجدنا أنه في عام 2007، اعتمدت أكبر شركة طيران تجارية خاصة في إيران، شركة ماهان إير، على وسيط أرمني لشراء العديد من طائرات بوينغ 747 القديمة. وتتبعت السلطات الأمريكية عملية شراء طائرات 747، وفي عام 2008 عثرت على ثلاث طائرات منها في كوريا الجنوبية، حيث كان يجري تجديدها. وانتهت الإجراءات القانونية ضد المالك الأصلي للطائرة بغرامة باهظة في عام 2010 على المورد الذي يقع مقره في بريطانيا.
على النقيض من ذلك، بعد أن حصلت شركة اسمها " فارس إير قشم" ، وهي شركة شحن مرتبطة بالحرس الثوري الإسلامي الإيراني، على طائرتي شحن قديمتين من طراز بوينغ في عام 2015، لم يتم فرض عقوبات على شركة الطيران حتى عام 2019 ويبلغ عمر كلا الطائرتين الآن أكثر من 30 عاماً وهي طائرات قديمة وتعاني من مشاكل فنية أدت إلى توقفها مراراً وتكراراً.
كذلك وفي عام 2015، وضعت شركة ماهان إير مخططاً يتضمن وسيطاً عراقياً لشراء تسع طائرات إيرباص كانت تديرها سابقاً شركة فيرجين أتلانتيك ، كانت جميع هذه الطائرات في حالة جديدة وجيدة نسبياً : كان عمر إحداها 11 عاماً، والأخرى 12 عاماً، وخمس طائرات عمرها 13 عاماً، وواحدة عمرها 18 عاماً وكانت واحدة فقط أكثر من 20 عاماً.
لكن وبمرور الوقت، بدأ أسطول طائرات إيرباص 340 التابعة لشركة ماهان إير يعاني من نفس مشاكل الأجزاء والصيانة التي تعاني منها الطائرات الإيرانية في جميع المجالات. وقد يكون هذا هو السبب وراء قيام إيران في نهاية المطاف بنقل أربع طائرات من طراز A340 إلى شركة Conviasa الفنزويلية وإلى الخطوط الجوية العربية السورية ، إذ إنها حاولت مساعدة حلفائها لكي يتخطوا العقوبات الأمريكية.
صفقات إيرانية لم تكتمل
لم تتوقف إيران عن السعي لتطوير قطاع الطيران المدني، وقد استغلت التوقيع على الاتفاق النووي مع أمريكا في عام 2015، ووافقت في ديسمبر/كانون الأول 2016 عن طريق شركة الطيران الوطنية الإيرانية على عقد صفقة كبيرة مع شركة بوينغ الأمريكية لصناعة الطائرات لشراء طائرات ركاب بقيمة 16.6 مليار دولار في واحدة من أكثر الفوائد الملموسة لإيران وذلك بعد توقيعها الاتفاق النووي في عام 2015.
صفقة إيران للطيران لشراء 80 طائرة هي أكبر اتفاقية تبرمها إيران مع شركة أمريكية منذ ثورة 1979 والاستيلاء على السفارة الأمريكية. ولديها القدرة على إحداث تحول في صناعة الطيران الإيرانية المتعثرة والمعرضة للحوادث، والتي تعرقلت بسبب سنوات من العقوبات وتغطي الصفقة 50 طائرة من طراز 737 ماكس 8 ذات الممر الواحد، وهي نسخة سيتم طرحها قريباً من خط بوينغ الحالي ضيق الجسم 737.
وتشمل أيضاً 30 طائرة من طراز 777، وهي طائرة ذات محركين وجسم عريض تُستخدم عادةً في الرحلات الطويلة والتي تحظى بشعبية لدى شركات الطيران الأخرى في الخليج العربي مثل طيران الإمارات ومقرها دبي. وسيغطي نصف الطلب نسخة 777-300ER، بينما سيكون الباقي من طراز 777-9 الذي لا يزال قيد التطوير.
وفي سبتمبر/أيلول 2016، منحت واشنطن الإذن لشركتي "بوينغ" و"إيرباص" ومقرهما فرنسا ببيع طائرات بقيمة مليارات الدولارات إلى إيران. وتحتاج شركة إيرباص إلى موافقة الولايات المتحدة لأن ما لا يقل عن 10% من مكونات طائراتها من أصل أمريكي لكن انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي في عام 2018 الغى هذه الصفقة.
كما وقعت إيران عقدا لشراء 100 طائرة مدنية من شركة "إيرباص" الفرنسية، ورغم أنها تسلمت 3 منها قبل عودة العقوبات الأميركية، وقامت بشراء عدد آخر من شركة "إيه تي آر" الفرنسية الإيطالية، فإن الشركات الغربية اعتذرت عن الوفاء بالتزاماتها إثر عودة العقوبات على طهران.
يجب الاشارة الى إن معظم أسطول إيران القديم المكون من 250 طائرة تجارية قد سبق إن تم شراءه قبل عام 1979، واعتباراً من يونيو/حزيران 2016 ، كانت 162 طائرة فقط صالحة للعمل، بينما تم إيقاف الباقي عن الطيران بسبب نقص قطع الغيار. وتقدم الخطوط الجوية الإيرانية، التي يضم موقعها على الإنترنت أسطولا من 43 طائرة، رحلات مباشرة إلى أكثر من 30 وجهة دولية، بما في ذلك لندن.
كيف تقوم إيران بعمليات الصيانة لطائراتها داخل البلاد؟
كان من المدهش لنا، حين وجدنا أن روسيا ونتيجة للعقوبات الأمريكية كذلك عليها بعد الحرب على أوكرانيا، قد لجأت في أبريل/نيسان من عام 2023 إلى طهران للاستعانة بها من أجل إصلاح إحدى أكبر طائراتها في مجال الطيران المدني، وذلك لأنها لم تكن قادرة على التعامل مع أي شركات أوروبية لإصلاح إحدى طائرات الإيرباص التي تمتلكها.
وقد قامت أكبر شركة طيران روسية بإرسال إحدى طائراتها إلى إيران لإصلاحها للمرة الأولى على الإطلاق، وذلك في إطار اتفاقية التعاون في مجال الطيران المدني بين طهران وموسكو، وأن الخطوط الجوية الروسية، المعروفة باسم إيروفلوت، والتي تواجه عقوبات غربية وسط الحرب الأوكرانية المستمرة منذ عام، أرسلت مؤخراً إحدى طائراتها من طراز إيرباص إلى إيران لإصلاحها. وقد قامت شركة ماهان إير، شركة الطيران الخاصة ومقرها طهران، بأعمال الإصلاح والصيانة على الطائرة التابعة لشركة الطيران الروسية الرئيسية.
كذلك فقد ذكرت وسائل إعلام روسية أنه تم إرسال طائرة إيرباص A330-300 إلى طهران للصيانة لأول مرة، نقلاً عن مصادر قولها إن ذلك جاء بعد أشهر من المناقشات بين الجانبين، وجاء ذلك بعد أن توقفت شركتا بوينغ وإيرباص، شركتا تصنيع الطائرات في الولايات المتحدة وفرنسا على التوالي، عن بيع قطع الغيار لشركات الطيران الروسية بسبب العقوبات الغربية ومعظم أسطول إيروفلوت المكون من 179 طائرة، وفقاً للتقارير، يتألف من طائرات إيرباص A320، وبوينغ 737-800، وبوينغ 777-300ER.
وقالت وسائل إعلام روسية إن أكبر شركة طيران في البلاد تخطط لإرسال المزيد من طائرات A330 إلى إيران للصيانة إذا سارت الإصلاحات في الطائرة الأولى التي تم إرسالها مؤخراً بشكل جيد ونقلت مجموعة RBC الإعلامية عن متحدث باسم شركة إيروفلوت قوله: "سيتم إجراء صيانة طائرة إيرباص A330 [في إيران] من قبل المزود على مجموعة واسعة من الأعمال"، مضيفاً أن شركة ماهان إير "تمتلك القاعدة المادية اللازمة والشهادات وخبرة واسعة".
أما بخصوص صيانة الطيران المدني الإيراني فقد قال محمد محمدي بخش، رئيس وكالة الطيران المدني الإيرانية، إن الطائرات الإيرانية المتوقفة عن الطيران بسبب العقوبات الأمريكية، تخضع أيضاً للإصلاحات اللازمة في الوقت الحالي على يد مهندسين إيرانيين. وأشار بخش إلى أن قطع غيار الطائرات تنتجها شركات محلية في إيران، ما قلل بشكل كبير الاعتماد على الشركات الأجنبية، لافتاً إلى احتمال قيام طهران وموسكو "باستخدام قطع الغيار" التي تنتجها أي منهما.
أزمة قطع الغيار في إيران
نتيجة للعقوبات لم تتمكن شركات النقل الجوي الإيرانية من شراء قطع الغيار من السوق المفتوحة مباشرة، ولهذا السبب سعت بعض الشركات الايرانية إلى الحصول عليها عبر وسطاء وكيانات واجهة تعمل نيابة عنها وعادة ما يتم ذلك عن طريق شركة ماهان إير، ونظراً لقربها الجغرافي من إيران فقد عملت دبي كواحدة من أهم قنوات التهرب من العقوبات في إيران ويمكن العثور على الأدلة على ذلك في قطاع الطيران المدني، إذ إنه وفي فبراير 2014، تم فرض عقوبات على مؤسستين بالمنطقة الحرة في دبي -شركة بلو سكاي للطيران وأفيا تراست- من قبل مكتب مراقبة الأصول الأجنبية لعملهما نيابة عن شركة ماهان للطيران -واحدة كقناة دفع- والأخرى كأداة لتزويد قطع غيار ومعدات الطائرات مع الولايات المتحدة.
كذلك اشترت شركات الطيران الإيرانية أيضاً قطع غيار أمريكية من موردين في أوروبا وأمريكا الجنوبية باستخدام بائعين خارجيين في أوروبا وشرق آسيا ودول أخرى في الشرق الأوسط والذين كان لديهم مكاتب في طهران، لكن أمريكا استهدفت كل هؤلاء الوسطاء أو الوكلاء الذين كانوا يعملون لصالح الشركات الإيرانية.
بقيت الإشارة إلى أن قطاع الطيران المدني في إيران واجه أزمة كبيرة منذ الثورة الإيرانية تمثلت في قيود أمريكية صارمة على الحكومة الإيرانية منعتها من استيراد طائرات جديدة أو حتى قطع غيار للطيران الموجود لديها، وهو ما جعل أسطول الطيران المدني في إيران يواجه أزمة في التطوير والصيانة والتحديث ما أفضى في النهاية إلى كارثة مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته أمير حسين عبد اللهيان.