بينما يحاول جيش الاحتلال الإسرائيلي مواجهة التحديات التي فرضتها عودة مقاتلي حماس للظهور من جديد إلى شمال قطاع غزة، بعدما كان قد أعلن عن تطهير هذه المناطق، تصاعدت الهجمات التي تشنها قوات حزب الله على الجبهة الشمالية بوتيرة لفتت الانتباه إلى التطور الذي تشهده الترسانة العسكرية للحزب واستراتيجيته في مواجهة إسرائيل.
برز ذلك بوضوح في تقرير نشرته وكالة أسوشيتد برس الأمريكية، الجمعة 17 مايو/أيار 2024 تحت عنوان: حزب الله يستخدم أسلحة وتكتيكات جديدة ضد إسرائيل مع استمرار الحرب في غزة.
وكان حزب الله قد استهدف مساء الأربعاء الماضي، قاعدة عسكرية إسرائيلية غربي مدينة طبريا شمال الأراضي الفلسطينية المحتلة بطائرة مسيرة تمكنت من الوصول إلى هدفها والانفجار داخله.
واعترف جيش الاحتلال، صباح أمس الخميس، بأن طائرة بدون طيار واحدة تابعة لحزب الله أصابت الموقع العسكري، الذي يضم المنطاد الجوي "تل المساء"، التابع للقوات الجوية، بحسب ما نقلت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية.
يعد هذا الهجوم هو الأول من نوعه، والأعمق داخل الأراضي المحتلة منذ بدء المواجهات بين الطرفين في 8 أكتوبر/تشرين الأول.
ورغم أن حزب الله قد أطلق بانتظام صواريخ عبر الحدود مع إسرائيل خلال الأشهر السبعة الماضية، إلا أن تقرير وكالة أسوشيتد برس قال إن الهجوم الأخير كان أول غارة جوية صاروخية ناجحة يطلقها داخل المجال الجوي الإسرائيلي.
وقد أثار استخدام حزب الله لأسلحة أكثر تقدماً، بما في ذلك طائرات بدون طيار قادرة على إطلاق الصواريخ، وطائرات بدون طيار متفجرة، وصواريخ موجهة، أثار مخاوف داخل الجيش الإسرائيلي.
وقال المتحدث باسم الجيش العقيد نداف شوشاني: "لقد قام حزب الله بتصعيد الوضع في الشمال.. لقد تصاعدت هجماتهم أكثر فأكثر".
هجمات مكثفة منذ التوغل الإسرائيلي في رفح
وأضاف تقرير الوكالة الأمريكية أن حزب الله كثف هجماته على إسرائيل في الأسابيع الأخيرة، خاصة منذ التوغل الإسرائيلي في مدينة رفح جنوب قطاع غزة. بل وأدخل أسلحة جديدة وأكثر تقدماً.
ونقل التقرير عن المحلل السياسي اللبناني فيصل عبد الساتر، الذي يتابع حزب الله عن كثب، قوله: "هذه طريقة لإرسال رسائل على الأرض إلى العدو الإسرائيلي، أن هذا جزء مما لدينا، وإذا لزم الأمر يمكننا ضرب المزيد".
وقال مسؤول لبناني مطلع على عمليات حزب الله، إن حزب الله قام خلال الأسبوعين الماضيين بالتصعيد أكثر رداً على التوغل الإسرائيلي في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، حسبما ذكرت أسوشيتد برس.
محور المقاومة
وبينما كان تبادل إطلاق النار عبر الحدود مستمراً منذ أوائل أكتوبر/تشرين الأول، بدأت "الهجمات المعقدة" التي يشنها حزب الله بعد أيام قليلة من الهجوم الإيراني غير المسبوق بطائرات بدون طيار وصواريخ على إسرائيل في منتصف أبريل/نيسان الماضي.
وقال المحلل عبد الساتر إن التحالف الذي تقوده إيران والمعروف باسم محور المقاومة، والذي يضم حركة حماس، حذر من أنه إذا شنت القوات الإسرائيلية غزواً واسع النطاق لرفح في محاولة لملاحقة حماس، ستتصاعد جبهات أخرى.
برز ذلك بوضوح قبل يومين، حيث قالت جماعة الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن إنهم هاجموا مدمرة أمريكية، بينما قال المسلحون المدعومون من إيران في العراق إنهم أطلقوا سلسلة من الطائرات بدون طيار باتجاه إسرائيل في الأسابيع الأخيرة بعد أن ساد الهدوء النسبي منذ فبراير/شباط الماضي.
تقليل الخسائر
ووفقاً لأسوشيتد برس، فقد تمكن حزب الله أيضاً من خلال تعديل استراتيجية هجماته من تقليل الخسائر في صفوف قواته مقارنة بالأسابيع الأولى من الصراع.
وفقد الحزب أكثر من 250 مقاتلاً حتى الآن، مقارنة بـ 15 جندياً إسرائيلياً منذ أن شن جيش الاحتلال الإسرائيلي حرباً على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ووفقاً لإحصاء وكالة أسوشيتد برس، فقد حزب الله 47 مقاتلاً في أكتوبر/تشرين الأول و35 في نوفمبر/تشرين الثاني، مقارنة بـ 20 في أبريل/نيسان و12 حتى الآن هذا الشهر.
وقال المسؤول المطلع على عمليات الجماعة إن حزب الله خفض أعداد مقاتليه على طول المناطق الحدودية لخفض أعداد الضحايا. وبينما يواصل حزب الله إطلاق صواريخ كورنيت روسية الصنع مضادة للدبابات من مناطق قريبة من الحدود، فقد تحول أيضاً إلى إطلاق طائرات بدون طيار وأنواع أخرى من الصواريخ ذات الرؤوس الحربية الثقيلة، بما في ذلك صواريخ فلق وبركان.
أهداف عدة للحزب
كتبت إيفا جي كولوريوتيس، المحللة السياسية المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط والجماعات الجهادية، على منصة إكس، إن التصعيد الأخير لحزب الله من المحتمل أن يكون له عدة أهداف، بما في ذلك رفع سقف مطالب الجماعة في أي مفاوضات مستقبلية للتوصل إلى اتفاق حدودي، فضلاً عن ممارسة مزيد من الضغط العسكري على الجيش الإسرائيلي في ظل الاستعدادات لمعركة رفح.
وكان وزير دفاع جيش الاحتلال الإسرائيلي، يوآف غالانت، قال في خطاب ألقاه الأسبوع الماضي: "سنحقق أهدافنا، وسنضرب حماس، وسندمر حزب الله، وسنحقق الأمن".
فيما أكد زعيم حزب الله حسن نصر الله، في خطاب ألقاه يوم الإثنين الماضي، أنه لن يكون هناك نهاية للقتال على طول الحدود اللبنانية- الإسرائيلية حتى تنتهي العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة.
وقال نصر الله: "الهدف الأساسي للجبهة اللبنانية هو المساهمة في الضغط على العدو لإنهاء الحرب على غزة".
يأتي ذلك بينما تجري محاولات غربية حثيثة لمسؤولين أمريكيين وفرنسيين لمحاولة التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وحزب الله ووضع حد للأعمال القتالية التي أدت إلى نزوح عشرات الآلاف من الأشخاص على جانبي الحدود.
وبعد يوم من حديث نصر الله، زارت وزيرة الخارجية الكندية ميلاني جولي بيروت وأخبرت محطة إل بي سي التلفزيونية الخاصة في لبنان بأنها تضغط من أجل وقف إطلاق النار.
وقالت: "نحتاج إلى أن يتمكن الأشخاص الذين يعيشون في جنوب لبنان من العودة إلى منازلهم. نحن بحاجة للتأكد من أن الإسرائيليين الذين يعيشون في الجزء الشمالي من إسرائيل قادرون على العودة إلى منازلهم أيضاً".
يأتي ذلك في وقت يعاني فيه سكان المناطق الشمالية الإسرائيلية جراء الضربات الصاروخية.
وكانت صحيفة معاريف الإسرائيلية كشفت أن العديد من المستوطنين قرروا بيع منازلهم في مستوطنات شمال إسرائيل، وعدم العودة إليها خشية تكرار سيناريو شبيه بأحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول.
الصحيفة أشارت إلى أن اقتحام الفصائل الفلسطينية لمستوطنات غلاف غــزة ولّد مشاعر صعبة لدى المستوطنين في مستوطنات شمال فلسطين المحتلة المحاذية للحدود مع لبنان، حيث يعتقد البعض منهم أن العملية القادمة قد تكون موجهة ضدّهم، وبأن اقتحام المستوطنات من الحزب اللبناني ليس إلا مسألة وقت.