دمرت السلطات المصرية أكثر من 2000 نفق على يد المهندسين العسكريين في مدينة رفح الحدودية مع قطاع غزة بين عامي 2011 و2015، بحسب ما كشفته وثائق عسكرية سرية حصل عليها موقع ميدل إيست آي البريطاني الجمعة 17 مايو/أيار 2024.
الوثائق السرية، سردت حجم العلميات المصرية لتدمير الأنفاق بين شبه جزيرة سيناء وغزة والتي تم بناؤها للتحايل على الحصار الذي تفرضه تل أبيب على القطاع.
كما كشفت الوثائق أيضاً أن كبار قادة القوات المسلحة أمروا بإجراء دراسة جدوى لاقتراح حفر قناة على طول الحدود مع قطاع بالكامل كبديل آخر لتدمير الأنفاق.
الوثائق التي سربها أحد المطلعين على بواطن الأمور في الجيش المصري، تقدم نظرة نادرة على العمليات العسكرية الواسعة النطاق التي يقوم بها الجيش في محافظة شمال سيناء.
والعمليات في المنطقة الحدودية (رفح)، فُرض عليها تعتيم إعلامي منذ عام 2013 من قبل حكومة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، حيث شنت قواته عملية وحشية ومدمرة ضد المسلحين المحليين المتحالفين مع تنظيم الدولة الإسلامية.
ووفقاً للوثائق السرية، فقد بينت أن جميع الأنفاق التي تم تدميرها خلال الفترة التي تغطيها، كانت مخصصة لأنفاق تجارية أو أنفاق نقل.
وكُشفت عن هذه المعلومات بعد إغلاق معبر رفح في جنوب غزة بعد عملية إسرائيلية في 7 مايو/أيار الجاري، لكن تثير تساؤلات حول الانتقادات الإسرائيلية لفشل مصر المزعوم في إزالة أنفاق التهريب التي تستخدمها الفصائل الفلسطينية.
إذ قال مسؤولون إسرائيليون في وقت سابق إن الأسلحة التي استخدمت في عملية طوفان الأقصى على جنوب إسرائيل يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول تم تهريبها إلى غزة عبر أنفاق من مصر.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن القوات الإسرائيلية ستسعى إلى السيطرة على كامل الشريط الحدودي الذي يبلغ طوله 14 كيلومتراً، والمعروف باسم ممر فيلادلفيا، لضمان جعل المنطقة منزوعة السلاح.
وتعقيباً على ذلك، نفت مصر الاتهامات الإسرائيلية، قائلة إنها دمرت أكثر من 1500 نفق خلال العقد الماضي.
وقال ضياء رشوان، المتحدث الرسمي باسم الحكومة، إن مصر قامت أيضاً ببناء جدار خرساني على طول الحدود بأكملها، بارتفاع ستة أمتار فوق الأرض وستة أمتار تحت الأرض، وهو ما قال إنه "جعل من المستحيل تهريب الأسلحة".
كما سبق للمتحدث باسم الجيش المصري أن قدر عدد الأنفاق التي تم تدميرها بحوالي 3000. وفي عام 2018، قال متحدث عسكري إن بعض الأنفاق المدمرة وصل عمقها إلى 30 متراً تحت الأرض.
اقتراح القناة
ومع ذلك، وللمرة الأولى، تكشف الوثائق التي حصل عليها موقع "ميدل إيست آي" تفاصيل محددة حول العمليات المصرية لتدمير الأنفاق.
وتقدر وثيقة مؤرخة في 5 فبراير/شباط 2015، موقعة من المقدم أحمد فوزي عبد العزيز، عدد الأنفاق التي تم تدميرها بين أغسطس/آب 2011 وفبراير/شباط 2015 بـ2121 نفقاً.
وشملت هذه 813 غمرتها المياه؛ 1.181 تم تدميرها باستخدام الأدوات الهندسية؛ و127 انهارت بالمتفجرات.
وتتضمن الوثائق أيضاً مراسلات تتعلق بفكرة مقترحة لإنشاء قناة تكون بمثابة منطقة عازلة لمنع إنشاء الأنفاق وتخفيف التربة المحيطة بها.
وبحسب الوثائق، فقد أشرف على الاقتراح محمد فريد حجازي، الأمين العام لوزارة الدفاع آنذاك.
كان اقتراح القناة سرياً للغاية ولا يوجد دليل على أنه تم تنفيذه بنجاح.
وفي عام 2015، عندما كانت الفكرة قيد النظر، شوهدت الجرافات وهي تحفر على طول أجزاء من الحدود في مقطع فيديو مسرب لما تردد أنه مشروع لبناء قناة لإغراق الأنفاق بمياه البحر.
وأدى ذلك إلى إدانة المسؤولين الفلسطينيين، بمن فيهم رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، كما حذر صبحي رضوان، رئيس بلدية رفح في غزة آنذاك، من أن القناة ستتسبب في انهيارات أرضية وانهيار البنية التحتية في غزة.
وتظهر الوثائق أن حجازي كلف في ديسمبر/كانون الأول 2014 هيئة المياه بالقوات المسلحة بإجراء دراسات بالتعاون مع الكلية الفنية العسكرية لاختبار التربة على طول الحدود وتحديد جدوى القناة.
أجرت مصلحة المياه والكلية العسكرية 40 مسباراً لقياس عمق طبقات التربة وتحديد مستويات الرطوبة. وخلصت الدراسة إلى أن التربة على طول مسار القناة المقترحة شديدة المقاومة للمياه وأن "تشبع التربة لن يحدث إلا بعد فترة تصل إلى عدة سنوات.
وتعليقاً على النتائج، قال حجازي في رسالة مؤرخة في 17 يناير/كانون الثاني 2015، إن رئيس أركان الجيش ووزير الدفاع أمرا الهيئة الهندسية والكلية الحربية "بإجراء دراسة لبدائل محددة للتعامل مع الأنفاق غرب الحدود الشرقية عند بعمق أكثر من 20 متراً".
كما ضم حجازي خبراء من المعهد القومي لبحوث الفلك والجيوفيزياء (NRIAG)، الذين أوصوا بطريقة علمية لتحديد مواقع الأنفاق التي يزيد عمقها عن 20 متراً.
مباني رفح مدمرة
كما تكشف الوثائق عن زيادة ملحوظة في الجهود المبذولة لتحديد مواقع الأنفاق وتدميرها بعد وصول السيسي إلى السلطة في يوليو/تموز 2013 عندما قام وزير الدفاع آنذاك بانقلاب ضد سلفه المنتخب ديمقراطياً، محمد مرسي.
وأفادت إحدى الوثائق المؤرخة في 2 مايو/أيار 2013 أن إجمالي عدد الأنفاق التي دمرتها الفيضانات حتى ذلك التاريخ بلغ 124 من إجمالي 276 نفقاً تم اكتشافها، مما يشير إلى أنه تم اكتشاف المزيد من الأنفاق في فترة ما بعد عام 2013.
وخلال العقد الماضي، دمرت القوات المصرية بالكامل تقريباً مدينة رفح في شمال سيناء لإنشاء منطقة عازلة بطول خمسة كيلومترات خلال حربها ضد المتمردين المحليين المرتبطين بتنظيم داعش.
وبين يوليو/تموز 2013 وأغسطس/آب 2015، وثّقت هيومن رايتس ووتش تدمير الجيش لـ3255 مبنى مدنياً في رفح، بما في ذلك منازل ومبانٍ مجتمعية. وأدت الحملة إلى تهجير آلاف السكان البدو وتدمير نحو 685 هكتاراً من الأراضي الزراعية.
وقالت مصر إنها تهدف إلى تدمير الأنفاق العابرة للحدود التي تستخدم المباني المدنية كنقاط دخول وخروج فوق الأرض.
وفي ذلك الوقت، قال المسؤولون إنهم سعوا للدفاع عن مصر ضد "الإرهاب"، لكن هيومن رايتس ووتش قالت إن الحملة كانت عشوائية وانتهكت القانون الإنساني الدولي.
حكومات قبل السيسي
قبل السيسي، اتخذت حكومتا حسني مبارك ومحمد مرسي أيضاً إجراءات للتعامل مع بعض الأنفاق العابرة للحدود.
وأمرت محكمة مصرية في فبراير/شباط 2013 حكومة مرسي باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتدمير أنفاق التهريب بين غزة وسيناء، والتي يقدر عددها في ذلك الوقت بنحو 1200 نفق.
إذ قال عصام الحداد، مستشار الأمن القومي للرئيس مرسي، لرويترز في ذلك الشهر، إن عدداً من الأنفاق غمرتها المياه في وقت سابق من شهر فبراير/شباط لمنع تدفق الأسلحة في الاتجاهين بين غزة وسيناء.
الحداد أوضح أن الحكومة خفّفت القيود التي فرضتها الحكومات السابقة على حركة الأشخاص والبضائع عبر معبر رفح، وبالتالي لم تعُد الأنفاق ضرورية كما كانت.
وأضاف حداد: "الآن يمكننا القول إن الحدود مفتوحة إلى حد كبير – ولا يزال من الممكن تحسينها – ويسمح بدخول احتياجات سكان غزة".
وفي ذلك الوقت، ذكرت العديد من وسائل الإعلام، أن الجيش المصري غمر الأنفاق بمياه الصرف الصحي.
ونقل موقع ميدل إيست آي عن أحد كبار مساعدي مرسي شريطة عدم الكشف عن هويته: "كان الرئيس مرسي يهدف إلى تحقيق التوازن بين المصالح المتنافسة المتعددة. لقد فهم أن الأنفاق تشكل تهديداً للأمن القومي المصري. لكنه على العكس من ذلك، رفض أن يكون متواطئاً في تجويع الفلسطينيين وحصارهم".
وساهمت حكومة مبارك، بعد سيطرة حماس على غزة في عام 2007، في حصار غزة، من خلال فرض قيود شديدة على الحركة عبر معبر رفح. كما دمرت "آلاف الأنفاق"، بحسب شهادة مبارك أمام المحكمة عام 2019.
ومع ذلك، رفض مبارك أيضاً اتفاقية أمنية بين الولايات المتحدة وإسرائيل في عام 2009 لوقف تهريب الأسلحة إلى غزة.
وفي خطاب ألقاه عام 2009، أشار إلى أن الأنفاق كانت تجارية في المقام الأول وأنها نتيجة حتمية لسياسة الحصار الإسرائيلية.
وقال مبارك للمحكمة خلال محاكمته عام 2019 إن الأنفاق كانت موجودة قبل حكمه الذي بدأ عام 1981، وإن حكومته دمرت الأنفاق في السنوات التي سبقت ثورة 2011 التي أطاحت به.
ووصف الأنفاق بفتحة واحدة، ولكن يصل عددها إلى 30 نفقاً فرعياً، مع نقاط دخول وخروج في المنازل والمزارع. وقال إن الأنفاق بُنِيت دون علم السلطات.
وأضاف: "لقد دمرنا آلاف الأنفاق"، مؤكداً أنه طلب من وزارة الدفاع "حلاً جذرياً" للأنفاق، موضحاً: "اتفقنا مع وزارة الدفاع على القيام بإجراء معين للتخلص من الأنفاق".
ورفض الإدلاء بمزيد من التفاصيل بشأن الأساليب التي تم الاتفاق عليها، والتي قال إنها معلومات سرية.
وأضاف أن أي عملية لإغلاق الأنفاق أو تدميرها هي عملية محفوفة بالمخاطر للغاية، وغالباً ما يهاجمها مسلحون من غزة.
وتفرض إسرائيل حصاراً على قطاع غزة براً وجواً وبحراً منذ سيطرة حماس على القطاع في عام 2007.
ومعبر رفح هو نقطة الدخول الوحيدة إلى غزة التي لا تسيطر عليها إسرائيل بشكل مباشر. بين سبتمبر/أيلول 2005 و7 مايو/أيار 2024، تم إغلاقه لمدة 333 يوماً في عام 2015 و207 أيام في عام 2014.