بشكل مفاجئ، وخلال ساعات قليلة، تمكنت الدبابات الإسرائيلية من الوصول إلى معبر رفح البري صباح الثلاثاء 7 مايو/أيار 2024، ليعلن الجيش الإسرائيلي بعدها سيطرته الكاملة على هذا الموقع الاستراتيجي من قطاع غزة.
هذه السيطرة السريعة تطرح تساؤلات عدة، كيف تمكن الاحتلال من الوصول بهذه السرعة والسهولة لمعبر رفح والسيطرة عليه بهذا الشكل؟ ولماذا لم يواجه مقاومة شرسة، خاصة أن الاحتلال يعتبر رفح آخر معاقل حماس، ولديها على 4 كتائب في المدينة؟
توقيت التوغل والطريق الذي سلكه الاحتلال
عند النظر بشكل دقيق إلى المنطقة التي توغل منها الاحتلال، فإنه يتضح أن هذا التحرك العسكري يحمل دلالة معنوية أكثر من كونه إنجازاً عسكرياً للحرب الإسرائيلية.
فقد انطلقت آليات الاحتلال من منطقة كرم أبو سالم، التي تضم معبر كرم أبو سالم، المخصص لدخول شاحنات البضائع التجارية فقط، في منتصف ليل الثلاثاء، رافقها غطاء جوي كثيف.
سلكت الآليات طريقاً معبداً تستخدمه الشاحنات في التنقل بين معبري رفح وكرم أبو سالم التجاري، وهو طريق ملاصق تماماً للحدود المصرية الفلسطينية، ولا يبعد سوى 50 متراً عن الجدار.
المنطقة التي توغلت بها قوات الاحتلال
وبالنظر إلى المنطقة التي سلكتها قوات الاحتلال، فإن المسافة بلغت 2.6 كم، من نقطة انطلاق الآليات من كرم أبو سالم، حتى الوصول إلى معبر رفح البري.
تُظهر الخرائط أن المنطقة تعتبر رخوة بالمفهوم العسكري، حيث يحدها من الجانب الجنوبي الغربي محور فيلادلفيا والجدار الفاصل مع الجانب المصري، أما من الجانب الشمالي الشرقي فتوجد أرض زراعية مكشوفة، إضافة لعدد قليل من المباني المتفرقة.
يتضح مما سبق أن الوصول من كرم معبر أبو سالم حتى معبر رفح أمر في غاية السهولة، ولم يحتج لأي جهد كون المنطقة مكشوفة والمسافة قريبة جداً، خاصة أن الاحتلال قام بتنفيذ أحزمة نارية للمنطقة، تمهيداً للتوغل.
هذا المشهد يعيد إلى الأذهان ما حدث في بداية اجتياح الاحتلال لقطاع غزة، عندما دخل إلى منطقة التوام شرق مدينة غزة، وتمكن من السيطرة عليها، والوصول إلى ميناء غزة.
كما كانت هناك منطقة أخرى مشابهة، عندما توغل الاحتلال من منطقة شارع 10، ووصوله إلى شارع صلاح الدين الذي يمتد من أقصى شمال قطاع غزة حتى جنوبه.
لكن وصول الاحتلال لمعبر رفح والسيطرة عليه يحمل أبعاداً سياسية واستراتيجية بالنسبة للاحتلال، خاصة أنه جاء في توقيت مهم، بعدما قامت حركة حماس بخلط الأوراق لدى الاحتلال، بإعلان موافقتها على مقترح التهدئة الذي قدمه الوسطاء لها.
رسائل الاحتلال من احتلال معبر رفح
بمجرد وصول آليات الاحتلال إلى معبر رفح قام الجنود بتوثيق اللحظة عبر أجهزتهم الخلوية، وتم بث العديد من مقاطع الفيديو عبر الجروبات العبرية، وتداولتها وسائل الإعلام.
وأظهرت العديد من الفيديوهات مشاهد استعراض لتجول الآليات داخل ساحات المعبر، وهدم بعض رموزه.
كما قام الجنود بإنزال العلم الفلسطيني عن بعض الساريات، ورفع مكانه العلم الإسرائيلي.
يرى المحلل السياسي والاستراتيجي سعيد زياد، في تغريدة له على حسابه بموقع إكس، أن الاحتلال أراد من هذه الصور أن يوصل رسالة طمأنة إلى مجتمعه الداخلي، الذي اهتز بالأمس بعد رد حماس المفاجئ على مقترح الصفقة، "بأن هناك ما يمكن فعله عسكرياً، وأننا قمنا بالسيطرة على هدف حيوي خلال ساعات، وأننا قمنا باجتياح رفح كما وعدنا".
واعتبر زياد أن " هذه العملية السريعة جاءت ردّاً بالنار على ردّ حماس، وبصقة في وجوه الوسطاء جميعهم، تعني أن جهودكم هذه لا قيمة لها إن لم تكونوا منحازين إلى إسرائيل بشكل كامل".
أما رسمياً فقد نقلت شبكة CNN الأمريكية عن مصدر مطلع على العملية العسكرية الإسرائيلية قوله إن التحرك الإسرائيلي في معبر رفح سيكون "محدوداً للغاية"، ويهدف إلى مواصلة الضغط على حماس للموافقة على صفقة من شأنها أن تؤدي إلى وقف إطلاق النار واتفاق إطلاق سراح الأسرى.
وقال المصدر إن العملية ليست التوغل الأكبر في رفح الذي ظلت إسرائيل ترسل رسائل علنية حوله منذ أسابيع.
وسيلة ضغط على الفلسطينيين
وباحتلال القوات الإسرائيلية للمعبر فإنها تكون بذلك قد أطبقت بذلك سيطرتها على جميع معابر قطاع غزة، فلن يستطيع أحد الدخول أو الخروج من القطاع إلا تحت إشرافها.
وكان معبر رفح هو المتنفس الوحيد لسكان القطاع البالغ عددهم مليونين ومئتي ألف نسمة، حيث كانت تدخل من خلاله بعض المساعدات الإنسانية، في ظل إغلاق الاحتلال بقية المنافذ التجارية التي يتحكم بها.
وفور وصول القوات الإسرائيلية إلى المعبر أعلنت هيئة المعابر عن توقف كامل لحركة السفر وإدخال المساعدات الإنسانية من المعبر.
من جانبه اعتبر المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة أن احتلال المعبر هو "استكمال لحرب الإبادة الجماعية التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد شعبنا الفلسطيني في كل محافظات قطاع غزة، قرر الاحتلال تأزيم الواقع الإنساني بشكل مضاعف وكارثي".
وأضاف: "الاحتلال يقوم بذلك من خلال قتل المزيد من المدنيين والأطفال والنساء، والذين زاد عددهم خلال 12 ساعة إلى أكثر من 35 شهيداً، وإيقاف إدخال المساعدات وإغلاق معبري رفح وكرم أبو سالم، وإخراج المستشفيات عن الخدمة واستهداف المدارس التي تضم مئات آلاف النازحين".