دخل قانون العقوبات الجزائري الجديد حيز التنفيذ إثر نشره نهاية الأسبوع الماضي في الجريدة الرسمية الجزائرية في عددها رقم 30، وذلك بعد مصادقة البرلمان الجزائري عليه في شهر أبريل/نيسان الماضي، وحمل في طياته مجموعة من العقوبات الجديدة.
وفي الوقت الذي أشاد فيه متخصصون بمجموعة من التعديلات التي جاء بها قانون العقوبات الجزائري بعد تعديله، خاصة فيما يتعلق بالعقوبات البديلة وحماية الأئمة والمعلمين، حذر آخرون من إمكانية استغلال بعض العقوبات للحد من حرية التعبير.
أبرز تعديلات قانون العقوبات الجزائري الجديد
المحامي والخبير القانوني الجزائري، عبد الغني بادي، أوضح لـ"عربي بوست" أن أهم التعديلات التي طرأت في قانون العقوبات الجزائري الجديد، حدثت في مسائل تعلقت بحماية الأمن القومي وحماية الأجهزة الأمنية وحماية رموز ثورة التحرير.
وحسب ما جاء في الجريدة الرسمية رقم 30، فإن كل من يسرب معلومات أو وثائق سرية تتعلق بالأمن الوطني أو الدفاع أو الاقتصاد الوطني عبر وسائل التواصل الاجتماعي لفائدة دولة أجنبية أو أحد عملائها يتم اعتباره مرتكباً لجريمة الخيانة.
ويفرض قانون العقوبات الجزائري الجديد عقوبة السجن المؤبد لكل من يسرب معلومات أو وثائق سرية تتعلق بالأمن الوطني أو الدفاع أو الاقتصاد الوطني عبر وسائل التواصل الاجتماعي لفائدة دولة أجنبية أو أحد عملائها.
كما يفرض القانون ذاته السجن سنة إلى 30 سنة ضد كل من يقوم بتسريب معلومات أو وثائق سرية تتعلق بالأمن الوطني أو الدفاع أو الاقتصاد الوطني عبر وسائل التواصل الاجتماعي للإضرار بمصالح الدولة أو باستقرار مؤسساتها.
أما من يساهم وقت السلم في مشروع لإضعاف الروح المعنوية للجيش أو الأسلاك الأمنية بغرض الإضرار بالدفاع أو الأمن الوطنيين، فإن قانون العقوبات يفرض عليه السجن بين 5 و10 سنوات وغرامة بين 50 و100 مليون سنتيم.
وقال بادي إن المادة 63 مكرر في قانون العقوبات الجزائري الجديد جعلت عقوبة المؤبد لمن يسرب وثائق تتعلق بالأمن القومي الذي يبقى تقديره للسلطة الأمنية وبعدها السلطة القضائية في غياب تعريف واضح لهذه الوثائق أو تعريف للأمن القومي.
ويضيف في السياق: "القانون توسع كذلك في مسألة إضعاف معنويات الجيش إلى إضعاف معنويات كل الأجهزة الأمنية مع رفع العقوبة على من ينشر في منصات التواصل الاجتماعي منشورات تعتبر مساساً بالمصلحة الوطنية في المادة 96".
هذا ويتم اعتبار كل فعل يستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية واستقرار المؤسسات وسيرها العادي يتم اعتباره فعلاً إرهابياً أو تخريبياً. ويفرض قانون العقوبات الحبس بين سنة و3 سنوات لكل من يقوم بتمويل وتموين المسجلين في قوائم الأشخاص والكيانات الإرهابية.
العقوبات البديلة في القانون الجديد
حسب ما جاء في الجريدة الرسمية، فإن قانون العقوبات الجزائري الجديد تضمن تعديلات تنص على كيفيات ممارسة العمل لصالح النفع العام من طرف المحكوم عليهم. وتنص التعديلات أيضاً على كيفيات وشروط وضع المحكوم عليهم تحت المراقبة الإلكترونية.
وتمكن التعديلات الجهة القضائية من استبدال عقوبة الحبس المنطوق بها بعمل للنفع العام بدون أجر. ويتراوح العمل للنفع العام من دون أجر ما بين 40 ساعة و600 ساعة بحساب ساعتين عن كل يوم حبس.
وتكون عقوبة العمل للنفع العام في أجل أقصاه 18 شهراً ولفائدة شخص معنوي أو جمعية نشاطها ذو صالح عام أو ذو منفعة عمومية. ويستفيد من عقوبة العمل للصالح العام السجناء البالغين من العمر أكثر من 16 سنة، والمحكوم عليهم بعقوبة لا تتجاوز 5 سنوات حبساً.
وبإمكان الجهة القضائية استبدال عقوبة الحبس بوضع المحكوم عليه تحت المراقبة الإلكترونية التي تكون عبر حمل المحكوم عليه سواراً إلكترونياً طيلة مدة العقوبة لمعرفة تواجده في المكان الذي يحدده القاضي.
وبإمكان قاضي تطبيق العقوبات الترخيص لحامل السوار الإلكتروني بمغادرة مكان تحديد الإقامة في حالة العلاج أو اجتياز امتحان. ويكون الوضع تحت الرقابة الإلكترونية للمحكوم عليهم بأقل من 3 سنوات حبساً.
في هذا السياق، يؤكد الخبير القانوني، عبد الغني بادي، أن العقوبات البديلة التي تضمنها قانون العقوبات الجزائري الجديد لن يكون لها قطعياً تأثير على السجون، مشدداً على أنها لن تخفف من اكتظاظ السجون.
ويوضح بادي ذلك أن هذه التعديلات تزامنت مع ارتفاع رهيب في كم الجرائم التي لم تتوفر وسائل ناجعة لكبحها على غرار جرائم المخدرات وعصابات الأحياء وقضايا الفساد، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن المسألة تحتاج سياسة تعالج أسباب الجرائم قبل معالجة الجرائم.
بينما يرى المحامي وأستاذ القانون والعلاقات الدولية، إسماعيل خلف الله، في تصريح لـ"عربي بوست" أن استبدال عقوبة الحبس أو السجن بعقوبة إلكترونية سيخفف بشكل كبير الضغط الموجود في السجون ويسهم بشكل أو بآخر في التقليل من عدد الأشخاص في مؤسسات إعادة التربية.
ويبرر إسماعيل خلف الله رأيه بأن نسبة كبيرة من المجرمين ستطبق عليهم العقوبة البديلة المتمثلة في الرقابة الإلكترونية ما يعني انعكاساً مباشراً على الوضع بالسجون، مضيفاً في هذا السياق: "إن كانت نسبة 20 بالمئة أو 30 بالمئة من هؤلاء سيخفف الضغط على السجون".
"حصانة الشرطة" تثير الجدل
ومن جملة ما جاء في قانون العقوبات الجزائري الجديد، الحبس بين 5 و10 سنوات لكل والٍ أو رئيس دائرة أو رئيس بلدية أو غيرهم من رجال الإدارة الذين يتدخلون في أعمال السلطة التشريعية، أو يتخذون قرارات أو تدابير تهدف إلى إصدار أوامر للجهات القضائية.
كما نص القانون على عقوبة الحبس بين سنتين إلى 5 سنوات وغرامة بين 20 و50 مليوناً لكل من يعتدي بالعنف أو بالقوة على قاض أو ضابط عمومي أو موظف أثناء تأدية عمله، والمعتدين، على الأستاذة والمعلمين والأئمة وقد تصل إلى الحبس بين 5 و10 سنوات.
وحمل قانون العقوبات الجزائري الجديد، أيضاً، عقوبة الحبس بين 3 و5 سنوات وغرامة بين 50 و100 مليون سنتيم لكل من يهين أو يسب أو يقذف بأي وسيلة رمزاً من رموز ثورة التحرير.
ومنح قانون العقوبات الجزائري الجديد الحصانة لرجال الشرطة في استعمال السلاح خلال تواجدهم في الميدان، ويؤكد القانون أن مبرراتهم في استخدام السلاح الناري بداعي "الدفاع عن النفس" تكون مقبولة مهما كانت.
وهو الأمر الذي كان قد أثار خلافاً حاداً بين وزير العدل الجزائري، عبد الرشيد طبي، وعدد من أعضاء البرلمان خلال مناقشة قانون العقوبات، حيث اعتبر النواب أن هذا التعديل يفتح الباب لوقوع تجاوزات بحق الأشخاص، خصوصاً في أثناء المظاهرات.
أستاذ القانون، إسماعيل خلف الله، يوضح لـ"عربي بوست" أن قضية حصانة الشرطة في استعمال السلاح تم تقييدها بشروط ذكرتها المادة 147 مكرر 24، "لأنه توجد عصابات مدججة بأسلحة بيضاء ونارية تتاجر في الممنوعات لهذا أصبح رجال الشرطة يمتنعون من الدخول إلى هذه الأماكن"، وبالتالي منحت لهم هذه الرخصة.
بين الترحيب والتحذير
قانون العقوبات الجزائري الجديد أثار نقاشاً منذ طرحه لأول مرة في البرلمان وحتى بعد أن دخل حيز التنفيذ بصدور تفاصيله في الجريدة الرسمية، وأجمعت أغلب الانتقادات التي طالت القانون على "إمكانية استغلاله لتهديد حرية التعبير".
لكن بالنسبة لأستاذ القانون، إسماعيل خلف الله، فإن قانون العقوبات الجديد استدرك تقريباً كل الملاحظات التي وضعت من خلال إشراك اتحاد المحامين الجزائريين في عملية تمحيص الضروريات الواجب العمل عليها في القانون.
خلف الله، في حديثه عن مدى تأثير هذه التعديلات على ممارسة الحريات، يعتقد أنه من السهولة إثبات قيام هذا الجرم من عدمه، فإن كان أحد الأشخاص متابعاً بتهمة تسريب وثائق سرية فعلى جهة الاتهام عبء إثبات ذلك، ولا يمكن أن تكون التهمة بدون اركان تؤكدها أو تنفيها.
ويوضح أستاذ القانون أن ممارسة حرية التعبير مقيدة بشروط وضوابط كحماية الحق في الحياة الخاصة، وحظر خطاب الكراهية والإساءة لرموز الثورة التحريرية وزرع الفتنة داخل المجتمع، فإن وردت نصوص تضبط هذا الأمر في قانون العقوبات فهذا لا يعني أنه تم المساس بحرية الرأي والتعبير.
بينما يرى المحامي عبد الغني بادي أن مثل هذه التعديلات ستؤثر بشكل أو بآخر على ممارسة الحريات في الواقع، مضيفاً أن المخاوف التي يتحدث عنها البعض مرتبطة مباشرة بمدى قدرة ممارسة الحريات خاصة تلك المرتبطة بحرية التعبير.
ويعتبر ذات الخبير القانوني، مخاوف البعض من تأثير عقوبات قانون العقوبات الجزائري الجديد "الغليظة" -حسب وصفه- على ممارسة الحريات مشروعة، لكون التعديل زاد من عدد النصوص الفضفاضة والمفاهيم المطاطة مثل الأمن القومي، ورموز الدولة والمصلحة الوطنية، وغيرها الكثير.