تحولت المنطقة العازلة وسط قطاع غزة التي شيدها الجيش الإسرائيلي، لمسرح مواجهات بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الذي يواجه صعوبات في تأمين المنطقة المعروفة بنتساريم (الطريق 794)، الممتدة من مستوطنات غلاف غزة غرباً حتى منطقة الميناء الجديد في منطقة البيدر وسط قطاع غزة.
فقد اعترف الجيش، الإثنين 29 أبريل/نيسان 2024، بمقتل 2 من جنوده في منطقة المغراقة، بعد أن أجهزت قوة من كتائب القسام على قوة إسرائيلية أوقعتها في حقل ألغام، أدى لسقوط القوة الإسرائيلية بين قتيل وجريح.
وسبق ذلك أن اعترف المتحدث باسم الجيش دانيال هاغاري بأن قواته تواجه قتالاً مباشراً وجهاً لوجه داخل منطقة نتساريم.
كما أنهى الجيش في 18 أبريل/نيسان 2024، عملية عسكرية قادها اللواء 162 في منطقة شمال النصيرات، لتأمين المنطقة العازلة عبر حزام أمني بقطر دائري يمتد لـ7 كيلومترات من شارع نتساريم، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لوقف عمليات المقاومة في تلك المنطقة.
الجيش يستعين بالمقاولين كدروع بشرية
أمام هذا الوضع الأمني، الذي فرضته المقاومة على القوات الإسرائيلية، كشفت مصادر خاصة لـ"عربي بوست" أن المخابرات الإسرائيلية شرعت في الأيام الأخيرة في إجراء اتصالات على عدد من المقاولين وأصحاب شركات النقل لإقناعهم بالعمل مع الجيش في توسعة المنطقة العازلة وسط قطاع غزة من الجهة الجنوبية الممتدة من بلدتي المغراقة والزهراء حتى شمال النصيرات.
ووفقاً لشهادات المقاولين الذين التقى بهم "عربي بوست" وتحفظوا عن الكشف عن هوياتهم خشية الملاحقة الأمنية، فقد قدمت لهم المخابرات الإسرائيلية عرضاً سخياً للعمل في منطقة القتال شمال النصيرات، مقابل أجر يومي 2000 شيكل (550 دولاراً).
بالإضافة لذلك تعهد الجيش بتوفير تغطية مالية شاملة عن أي ضرر قد يلحق بالمعدات أثناء العمل من الجرافات والبواقر والشاحنات، وتأمين طريق الذهاب والعودة يومياً، ومنحهم حرية القرار فيما يخص المبيت داخل المنطقة العسكرية.
في مقابل ذلك تضمن العرض الإسرائيلي أيضاً تهديداً مباشراً حال رفض المقاولين عرض العمل المقدم إليهم، ووصل لحد التهديد بملاحقتهم وذويهم، وتدمير معداتهم.
يؤكد المقاول (ف.ع) لـ"عربي بوست" أنه تلقى اتصالاً من ضابط الإدارة المدنية يدعى المقدم آرون، طالبه بالتحرك صباحاً من مكان إقامته في الحي السعودي برفح لمنطقة جسر الوادي شمال النصيرات بين الساعة 7-9 صباحاً، على أن يبقى في تلك المنطقة لتأمين تنسيق أخر للتحرك نحو المنطقة العازلة.
إغراءات الاحتلال للمقاولين
وأضاف المتحدث، أن الضابط الإسرائيلي قام، من ضمن مساعيه لإقناعي، بالقول إننا سنضمن حياة كريمة لك ولذويك تمكنك من دفع تنسيق للمخابرات المصرية لإجلاء عائلتك خارج غزة، ونحن سنتكفل مالياً بتغطية وتأمين الشاحنات من أي أضرار قد تلحق بك أثناء العمل.
وتابع المتحدث: "عاود ضابط الإدارة المدنية الاتصال بي في اليوم التالي، لمحاولة إقناعي مجدداً بعد أن رفضت العرض في اليوم السابق، وقال إننا نتكفل بزيادة أجر يوم العمل لـ3000 شيكل (700 دولار)، إلا أنني رفضت ذلك".
يذكر أن المنطقة العازلة وسط قطاع غزة تمتد من شرق القطاع حتى غربه، وصولاً لمنطقة الرصيف البحري الذي تشرف على إنشائه الولايات المتحدة الأمريكية، بغرض نقل وإيصال المساعدات الإنسانية لغزة.
وبحسب جيش الاحتلال فإن مساحة المشروع تبلغ حوالي 67 فداناً (281.4 دونم)، وهي مخصصة للتشغيل ومرور كميات كبيرة من البضائع إلى أراضي قطاع غزة.
وتشن إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 حرباً مدمرة على قطاع غزة خلّفت عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين معظمهم أطفال ونساء، فضلاً عن كارثة إنسانية غير مسبوقة ودمار هائل بالبنية التحتية، الأمر الذي أدى إلى مثول تل أبيب أمام محكمة العدل الدولية بتهمة "الإبادة الجماعية".