بعد يوم من إعلانها تأجيل إبحارها إلى قطاع غزة لتقديم مساعدات إلى الفلسطينيين وكسر الحصار الإسرائيلي على القطاع، بدأت اللجنة العليا لتحالف أسطول الحرية، يومها السبت 27 أبريل/نيسان 2024، بالجدول التقليدي المتفق عليه من كافة النشطاء ولجنة الأسطول، حيث استعدوا للمؤتمر الصحفي في منطقة السلطان أحمد بمدينة إسطنبول التركية، بحضور كافة النشطاء الذين يتجهزون للإبحار إلى قطاع غزة، بجانب عشرات الصحفيين والمتابعين للحدث الإنساني الكبير.
لكن ما كان غير اعتيادي، هو أن المؤتمر الصحفي الذي تم الترتيب له من جانب تحالف أسطول الحرية، لم يكن يدري أحد أنه يتضمن تأجيل الإبحار إلى أجل غير مسمى لحين حل إشكاليات ظهرت نتيجة لضغوط إسرائيلية كبيرة تمثلت في تراجع دولة غينيا بيساو عن السماح لسفن الأسطول باستخدام علمها لكي تستطيع أن تبحر بشكل قانوني في البحر المتوسط دون أي معوقات قانونية دولية.
تأجيل أسطول الحرية في تركيا
غينيا بيساو تراجعت في اللحظات الأخيرة بعد موافقتها المسبقة، لكن الضغوط الإسرائيلية، استطاعت وقف إبحار الأسطول، في حين يبحث المشرفون على الأسطول، عن دولة بديلة لغينيا بيساو توافق على السماح باستخدام سفن الأسطول لعلمها من أجل الإبحار.
في المؤتمر الذي عُقد الساعة الثالثة بعد ظهر السبت في مدينة إسطنبول، بمنطقة السلطان أحمد، وبحضور مئات الناشطين من أكثر من ثمانين دولة حول العالم، قالت اللجنة العليا لتحالف أسطول الحرية إن سلطة تسجيل السفن الدولية في جمهورية "غينيا بيساو" قد سحبت علمها من اثنتين من سفن الأسطول، من بينها سفينة شحن محملة بأكثر من 5 آلاف طن من المساعدات الإنسانية المتجهة إلى غزة في أعقاب ضغوط إسرائيلية مستمرة لمنع انطلاق الأسطول.
وأوضحت اللجنة أنها تلقت طلباً غير معتاد لتفتيش سفينتهم الرئيسية، "أكدينيز"، رغم أن السفينة كانت قد اجتازت جميع التفتيشات المطلوبة سابقاً، ومع ذلك سمحت اللجنة لفرق تفتيش مخصصة وصلت الخميس الماضي من دولة غينيا بيساو إلى إسطنبول بالتفتيش، بهدف تأمين انطلاق الأسطول في موعده المحدد أمس الجمعة.
وتابعت في بيان لها: "في يوم الجمعة، قبل اكتمال التفتيش، تم إبلاغ الائتلاف بقرار سحب العلم في خطوة سياسية بحتة، كما طلبت عدة معلومات استثنائية، تتضمن تأكيد وجهة السفن، أي موانئ إضافية محتملة للزيارة، وميناء تفريغ المساعدات الإنسانية والتواريخ والأوقات المقدرة للوصول، بالإضافة إلى رسالة رسمية توافق صراحة على نقل المساعدات الإنسانية وقائمة كاملة بالشحنة".
وانتقد التحالف جمهورية غينيا بيساو التي سمحت لنفسها بأن تكون أداة في يد السياسات الإسرائيلية الرامية لحرمان الفلسطينيين من المساعدات الضرورية للبقاء على قيد الحياة، مما يعد تجاهلاً لالتزاماتها تجاه القانون الدولي الإنساني والقرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي ومحكمة العدل الدولية. وأضاف أن "إسرائيل تتمكن من الإفلات من العقوبة على جرائمها هذه، بسبب نظام دولي لا يُطبق القانون بالتساوي، ولا يعطي جميع البشر القيمة نفسها".
وفي ختام البيان، أكدت اللجنة العليا للتحالف تصميمها الثابت على مواصلة جهودها المكثفة لضمان إبحار الأسطول ووصوله إلى قطاع غزة، محملاً بالمساعدات الإنسانية الضرورية، رغم جميع التحديات والعقبات المفروضة.
آمال بعودة الأسطول
"عربي بوست" حضر المؤتمر الصحفي، ثم زار مقر أسطول الحرية في فندق "توجرا" بمنطقة الفاتح في مدينة إسطنبول والتقى ببعض الناشطين الذين حضروا من بلادهم من أجل المشاركة في أسطول الحرية، تضامناً مع الشعب الفلسطيني، وكانوا عازمين على الاستمرار في المشاركة في الأسطول حتى النهاية من أجل دعم الشعب الفلسطيني والوقوف في وجه الانتهاكات الإسرائيلية التي يرتكبها الاحتلال منذ أشهر في قطاع غزة، وكذلك في الضفة جراء الحرب التي بدأتها إسرائيل على القطاع منذ طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
الناشطة الأمريكية جينيفر فالكون التي تعمل في مجال الاتصالات، وأتت من ولاية تكساس الأمريكية للمشاركة في الاسطول، قالت لـ"عربي بوست": "أنت تعلم أني أمريكية، والإدارة الأمريكية تدعم بشكل كامل إسرائيل، منذ بدء الحرب، وزودت إسرائيل بالسلاح، وضغطت على الدول الغربية لدعم إسرائيل من أجل قتل الفلسطينيين".
وأضافت: "لذلك أنا هنا، ضد سياسات أمريكا، لدعم الشعب الفلسطيني، أنا حزينة لأن الأسطول يواجه عقبات، لكن نأمل أن نستطيع في القريب العاجل أن نذهب إلى غزة".
بنبرة حزن شديد، قالت ناشطة إسبانية أخرى تدعى روز، لـ" عربي بوست"، إن إسرائيل بضغوطها الشديدة والكبيرة في الأيام الماضية استطاعت وقف الأسطول بشكل مؤقت، وعبرت عن أملها في قدرة تحالف أسطول الحرية على المضي قدماً إلى غزة.
كانت الهيئة المنظمة لأسطول الحرية أعلنت، قبل يومين تأجيل انطلاق الأسطول عدة أيام، بعد أن كان من المقرر انطلاقه الجمعة، بسبب العراقيل التي يضعها الاحتلال لتأخير وصول المساعدات لغزة، وضغطه على جمهورية غينيا بيساو لسحب علمها من السفينة الرئيسية للأسطول، وهو أمر يتطلب فحصاً إضافياً يؤخر المغادرة.
في حين قال يوسف عجيسة، نائب رئيس المبادرة الجزائرية لنصرة فلسطين إن أسطول الحرية تعرض لعدة تأجيلات متتالية، بسبب الضغوط التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي أمام انطلاق السفن. وأضاف: "لقد تم تأجيل انطلاق الأسطول 3 مرات، إذ كان من المفترض أن يبحر في ثاني أيام عيد الفطر المبارك، ولكنه تأجل إلى 21 أبريل/نيسان الجاري، ومن ثم إلى 24 من الشهر ذاته، وكان آخر تأجيل يوم أمس الجمعة".
وأوضح عجيسة أنه كان من الممكن تسليم المساعدات إلى مصر لتفادي المتاعب والعقبات، لكن الهدف يتخطى مجرد توصيل المساعدات، إذ يرمي الأسطول إلى كسر الحصار بشكل كامل والضغط لإنهاء العدوان الذي استمر أكثر من 200 يوم.
كانت قناة عبرية، قد سبق أن كشفت السبت، عن تدريبات يجريها جيش الاحتلال الإسرائيلي تمهيداً لاستيلاء مسلح محتمل من قبله على "أسطول الحرية" المقرر إبحاره من تركيا خلال أيام لكسر الحصار عن قطاع غزة.
وأضافت القناة 12 الخاصة: "تجري في إسرائيل الاستعدادات لإبحار "أسطول الحرية" من تركيا إلى قطاع غزة، والذي من المقرر أن يتم في بداية الأسبوع المقبل". وتابعت: "في الأيام الأخيرة، نفذت إسرائيل سلسلة من التحركات السياسية أمام دول مختلفة، وبدأت أيضاً الاستعدادات الأمنية لاحتمال الاستيلاء المسلح على السفينة مرمرة 2".
وقالت القناة: "تستعد المنظومة الأمنية الإسرائيلية لاحتمال أن يكون من الضروري وقف الأسطول الذي يهدد بكسر الحصار المفروض على قطاع غزة". ووفق القناة، بدأت إسرائيل "سلسلة من التحركات السياسية أمام دول أوروبية (لم تسمها)، بمساعدة الولايات المتحدة"، دون أن توضح القناة طبيعة هذه التحركات.
الاجتماع الأخير
تابع "عربي بوست" اجتماع تحالف أسطول الحرية الذي انعقد في فندق "توجرا" بمنطقة الفاتح في مدينة إسطنبول التركية، مساء السبت 27 أبريل/نيسان 2024، لبحث مصير الأسطول من عدمه، وقد حضر كافة النشطاء، الاجتماع العاجل، وقالت هبة زكريا الناشطة المصرية التي حضرت الاجتماع، إن النشطاء سوف يعودون إلى بلادهم مرة أخرى، وقد طلب تحالف أسطول الحرية منهم ضرورة الضغط على حكومات بلادهم من أجل أن يكون هناك دولة علم تساعد في تسيير السفن، وأن يخاطبوا دبلوماسيي بلادهم من أجل أن يكون هناك تمثيل دبلوماسي كبير في الأسطول في المرة القادمة.
كذلك قالت إنه لا يوجد هناك وقت محدد للتحرك في ظل "ضبابية الوضع الحالي"، أما بخصوص صلاحية المساعدات، فلا خوف عليها، فمدة صلاحياتها ثلاث سنوات.
في الوقت نفسه قالت إن النشطاء سوف يسعون لزيادة الأعداد في الفترة المقبلة مع زيادة الضغط الإعلامي في الدول من أجل إنجاح التجربة المرة القادمة.
في حين قالت ماريكا كريستوس، وهي ناشطة أمريكية لـ"عربي بوست"، إنها جاءت إلى تركيا من أجل دعم الشعب الفلسطيني وإنها سوف تعود إلى أمريكا، لكنها سوف تمارس المزيد من الضغوط على إدارة بايدن عبر الحملات الإعلامية من أجل المساعدة في إنقاذ ما يمكن إنقاذه في غزة ووقف الحرب الإسرائيلية على القطاع.
يذكر أن تحالف أسطول الحرية الدولي، يضم عدداً كبيراً من منظمات المجتمع المدني الدولية والناشطين، بينها هيئة الإغاثة الإنسانية (IHH) التركية.
فيما تنص البروتوكولات البحرية على رفع علم دولة عضو في الأمم المتحدة حتى تتحرك السفن بطريقة قانونية. وتطوعت غينيا بيساو لهذه المهمة، لكن موقفها تبدل عصر الجمعة، وقررت عدم رفع العلم، مما قد يجبر السلطات التركية على الانتظار في تصريح الحركة.