يحتشد المتظاهرون في أنحاء أوروبا، احتجاجاً على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، رغم محاولات تقييدها، ومع انتشار الاحتجاجات في الجامعات الأمريكية، تثار التساؤلات بشأن إمكانية انتقالها إلى نظيرتها الأوروبية.
ومن لندن إلى جنيف، نظمت مجموعات متنافسة من المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين والمؤيدين لإسرائيل في أوروبا منذ أشهر مسيرات تضامنية، ووقفات احتجاجية فيما يتعلق بالحرب على غزة، لكنها لم تنتقل إلى الجامعات الأوروبية.
فمنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وحتى منتصف أبريل/نيسان 2024، شهدت أوروبا أكثر من 3100 مظاهرة تتعلق بالحرب في قطاع غزة، لكن خلال الفترة ذاتها كان عدد التظاهرات والأنشطة نحو 2700 مظاهرة ووقفة في الولايات المتحدة، بحسب بيانات منظمة "إيه سي إل آي دي" التي تتبع النشاطات السياسية من هذا النوع حول العالم.
التساؤل الأبرز، المتداول الآن، هو "هل تنتقل ظاهرة المظاهرات في الجامعات الأمريكية إلى نظيرتها من الجامعات الأوروبية؟".
صحيفة "يو إس إيه توداي"، أشارت إلى أنه خلافاً لما يحدث في جامعات الولايات المتحدة، إلا أن المواجهات في حرم الجامعات الأوروبية بقيت إما محدودة أو تحت المراقبة.
يفسر محللون تحدثوا إلى الصحيفة، أن "اختلاف ثقافة الاحتجاج والتركيبة السكانية، وقوانين التعبير عن الرأي واللوائح الجامعية، وسلوكيات الشرطية"، أسباب قد تحول دون توسع المظاهرات في الجامعات الأوروبية.
لكن آخرين يرون، أن بعض الحكومات الأوروبية سعت إلى فرض قيود على الاحتجاجات الداعمة للفلسطينيين، ويقول البعض منهم إن هناك توترات حدثت، ولكن تجاهلتها وسائل الإعلام إلى حد كبير.
المظاهرات المنتظمة في لندن
يعتقد مدير مركز السياسة البريطانية في جامعة هال، مات بيتش، أن أحد أسباب انخفاض الاحتجاجات العنيفة داخل الحرم الجامعي في بريطانيا مقارنة مع ما يحصل في الولايات المتحدة، بسبب المظاهرات المنتظمة والواسعة التي تجرى كل يوم سبت، في لندن ومدن أخرى في المملكة المتحدة.
حيث أشار إلى أن طلبة الجامعات في بريطانيا يشاركون في هذه الاحتجاجات الواسعة، ويعتقدون أن أصواتهم مسموعة في ظل التجمعات الاحتجاجية الكبيرة.
وعلى النقيض من ذلك، فإن المسيرات المؤيدة للفلسطينيين والمؤيدة لإسرائيل المتكررة في الولايات المتحدة، لم تضاهِ تلك التي تجري في لندن في نهاية كل أسبوع.
القيود الحكومية أحد أسباب عدم انتشار الاحتجاجات في الجامعات الأوروبية
الأكاديمي بيتش، أشار إلى أن التعديلات في الولايات المتحدة، تسمح للطلاب بالمشاركة علناً في تلك المظاهرات، لكن قوانين خطاب الكراهية في المملكة المتحدة قد تكون بمثابة رادع لما يرغب الطلاب في قوله داخل الحرم الجامعي.
كما أن القيود الحكومية في أوروبا، تعد عاملاً مهماً في ذلك، ففي ألمانيا التي طالما اعتبرت نفسها تتحمل مسؤولية فريدة للدفاع عن اليهود وإسرائيل بسبب المحرقة، رفض المسؤولون فيها مراراً وتكراراً السماح بالعديد من الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين، بزعم "منع الفوضى" و"معاداة السامية".
على سبيل المثال، في برلين قامت الشرطة الألمانية بقمع مجموعة من المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين الذين أقاموا معسكراً يوم الجمعة، خارج البرلمان الألماني في برلين، في فكرة على ما يبدو أنها مستوحاة من الاحتجاجات في الحرم الجامعي الأمريكي.
أما في فرنسا، موطن جاليات إسلامية ويهودية كبيرة، انتهت سلسلة من الإجراءات القانونية بقرار المحاكم بالسماح بالاحتجاجات على أساس كل حالة على حدة، بعد أن قالت السلطات إنها قد تؤدي إلى التحريض على الكراهية.
وفي بريطانيا، هدد المسؤولون بإلغاء تأشيرات الدخول أو طرد الطلاب الأجانب الذين يشيدون بحركة حماس، كما منحت الشرطة صلاحيات جديدة لاعتقال المتظاهرين.
مظاهرات طلابية بالجامعات الأوروبية لم تلقَ اهتماماً
ومع ذلك، قالت ستيلا سوين، منسقة "حملة التضامن مع فلسطين"، التي تصف نفسها بأنها أكبر منظمة مناصرة للفلسطينيين في أوروبا، إنه كان هناك "احتلال طلابي" للحرم الجامعي في المملكة المتحدة، وأماكن أخرى، لكن الأمر لم يعره أحد الكثير من الاهتمام.
حيث أشارت إلى أن الطلاب المحتجين في جامعة غولدسميث بلندن، أغلقوا بعض أقسام الكلية لأكثر من شهر في وقت سابق من هذا العام، حيث طالبوا إدارة الجامعة بقطع جميع علاقاتها مع الحكومة الإسرائيلية، وسحب استثماراتها من الشركات التي تدعم الاحتلال، فيما نظمت احتجاجات مماثلة في الكليات البريطانية في بريستل وليدز.
مع ذلك، قالت سوين إنه سيكون "غير عادي للغاية" أن يتم استدعاء الشرطة البريطانية، كما حدث في الجامعات الأمريكية، مشيرة في الوقت ذاته إلى أنه كانت هناك "جهود حثيثة" من السلطات البريطانية على مدى العقد الماضي، لتقييد القدرة على تنظيم الاحتجاجات وغيرها من الأنشطة المؤيدة للفلسطينيين.
في المحصلة، فإن الاحتجاجات، سواء أكانت داخل أم خارج الجامعات الأوروبية، لم تكن خالية من التوتر، رغم أن بيانات "ACLED" تشير إلى أن الغالبية العظمى منها كانت سلمية.
توقعات بانتشار الاحتجاجات في الجامعات الأوروبية
لكن النائب الفلسطيني مصطفى البرغوثي لا يتفق مع هذا التقييم، وقال لصحيفة "يو إس إيه توداي"، إن احتجاجات الحرم الجامعي في الولايات المتحدة تشبه الاحتجاجات والنشاط ضد الحرب في فيتنام والحركة المناهضة للفصل العنصري في جنوب أفريقيا، متوقعاً أن تنتشر إلى الجامعات الأوروبية وأخرى في أنحاء العالم.
ففي جامعة "سيانس بو" للعلوم السياسية، بفرنسا، شهد التحرك الطلابي المناهض للحرب على غزة، توتراً مساء الجمعة، مع وصول محتجين مؤيدين للاحتلال الإسرائيلي.
ويعتصم بعض الطلاب داخل مبنى في الجامعة منذ الليل، وردد الطلاب هتافات داعمة للفلسطينيين ورفعوا الأعلام الفلسطينية على النوافذ وفوق مدخل المبنى. ووضع عدد منهم الكوفية ذات اللونين الأسود والأبيض التي أصبحت رمزاً للتضامن مع غزة.
المحتجون طالبوا إدارة الجامعة بإدانة تصرفات إسرائيل، فيما زعم موقع "فرانس 24" أن هؤلاء الطلاب تلقوا دعماً من شخصيات عدة في اليسار الفرنسي.
كما نظم عشرات الطلاب بجامعة أكسفورد البريطانية العريقة، مظاهرة احتجاجية ضد استضافة رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة والنائبة الديمقراطية حالياً، نانسي بيلوسي، بسبب دعمها للاحتلال الإسرائيلي.