يعاني كثير من الفلسطينيين بعد خروجهم من غزة إلى مصر أو دول أخرى من الحصول على الغذاء أو الملابس أو دفع قيمة الإيجار؛ إذ توجهوا إلى المجهول، بعد أن كانت أحوالهم المعيشية ميسورة ولديهم ممتلكات عدة بالقطاع قبل جحيم الحرب.
ومنذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة عقب عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تقول السلطات المصرية إن أكثر من 83 ألف شخص غادروا القطاع.
وسافر معظمهم منذ ذلك الحين إلى بلدان أخرى، لكن الناشطين يقولون إنه قد يكون هناك آلاف الفلسطينيين لجأوا إلى مصر، على الرغم من غياب أي جهود إغاثة مركزية، بحسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية، الخميس 18 أبريل/نيسان 2024.
تقرير الصحيفة سلّط الضوء على حالة الفلسطينية "رانيا" التي دخلت مصر في يناير/كانون الثاني، عبر معبر رفح، وهو الطريق الوحيد المتبقي للخروج من القطاع الساحلي.
وقبل الخروج من القطاع، فقدت رانيا كل شيء أثناء رحلتها وأسرتها هرباً من قنابل الاحتلال في شمال غزة وتوجههم جنوباً.
وبعد ثلاثة أشهر طويلة، وجدت رانيا نفسها في مدينة رفح الحدودية وهي تتخلى عن خواتمها وأساورها الذهبية وقلائدها لدفع "رسوم التنسيق" البالغة 15 ألف دولار اللازمة لإدراج عائلتها على قائمة الإخلاء لمغادرة غزة.
وعلى عكس الدول المجاورة، لم تتحمل أي هيئة تابعة للأمم المتحدة المسؤولية عن الفلسطينيين الذين فروا إلى مصر، في حين أن السلطات المصرية متهمة بالتربح من ارتفاع رسوم عبور الحدود، وفق الصحيفة.
الجمعيات الخيرية
وتعتمد رانيا وعائلتها على الجمعيات الخيرية الشعبية لمساعدتهم على دفع ثمن الطعام وإيجار شقة في القاهرة.
وهذا يتناقض بشكل حاد مع حياتها القديمة، حيث تقول رانيا إنها كانت الشخص الذي يأتي إليه الناس للحصول على الدعم.
وعن حياتها في غزة تقول:" حصل زوجي على راتب جيد من عمله في منظمة إغاثة، وكنا نمتلك منزلين وسيارتين، وكان أطفالها يدرسون في الجامعة"، لافتة إلى أن العائلة تمضي الليالي في المطاعم والمقاهي، وفي الصيف كانوا يقودون سياراتهم إلى الشاطئ.
وبعد مرور أسبوع على الحرب، ألقت القوات الإسرائيلية منشورات على الحي الذي تسكن فيه رانيا، تمنحهم مهلة 24 ساعة لمغادرة المنطقة. قررت العائلة المغادرة، والتوجه جنوباً، والاحتماء مع الغرباء في الطريق.
وبعد ثلاثة أسابيع من رحلتهم، كانوا يشاهدون الأخبار عندما رأوا أن حيهم القديم قد تعرض للقصف.
وكان منزلهم قد دُمر في قصف عنيف أودى بحياة 20 فرداً من أفراد عائلتها الكبيرة. تقول رانيا: "أولئك الذين نجوا كانوا من ذوي الإعاقة". "وفقد بعضهم أسلحته. البعض فقد أرجله".
وعندما أُمر سكان وسط غزة أيضاً بالإخلاء، واصلت عائلة رانيا طريقها جنوباً، وانتهى بها الأمر في خيمة في رفح، حيث تقدمت بطلب للعبور إلى مصر.
حسب الغارديان، انتظرت رانيا أسابيع حتى تتم الموافقة على طلبها. وفي هذه الأثناء، استمرت القنابل في التساقط. وتقول: "كان الناس يموتون من حولنا". "يمكن لأي شخص أن يموت في أي لحظة."
وتقول رانيا:" إن عائلتها ممزقة والحياة في مصر ليست سهلة" لا نريد البقاء هنا، ولكننا لا نريد المغادرة أيضاً. في بعض الأحيان نفكر في الهجرة. ولكن عندما نطرح هذا الموضوع، نعلم جميعاً في قلوبنا أننا نريد فقط العودة إلى غزة".
وبينما كان السفر من غزة إلى مصر يتم تنظيمه في البداية من قبل وكالات متعددة تفرض أسعاراً متفاوتة إلى حد كبير، ظهرت منذ ذلك الحين شركة واحدة تحتكر المعابر الحدودية، وهي شركة "هلا للاستشارات والسياحة" حيث تفرض رسوماً ثابتة قدرها 5000 دولار (4000 جنيه إسترليني) للشخص البالغ و2500 دولار لكل طفل، بحسب ما قاله أحد الناشطين المصريين.
في السياق ذاته، كانت عائلة الفلسطينية ليلى تعيش حياة مريحة في غزة، وكانت تكسب أموالاً جيدة من المبيعات حتى بداية الحرب.
وبعد وقت قصير من بدء سقوط القنابل على حيها، هربت ليلى جنوباً مع والديها وإخوتها، ولكن عندما وصلوا إلى رفح واتصلوا بشركة هلا كانت مدخراتهم قد نفدت. وتقول: "إنها أموال كثيرة بالنسبة للأشخاص الذين لم يحصلوا على عمل لمدة ستة أشهر".
حملة تمويل جماعي
مثل كثيرين، أطلقت عائلة ليلى في أوروبا حملة تمويل جماعي عبر الإنترنت لجمع مبلغ 25 ألف دولار اللازم لإجلائهم. وهم يعيشون الآن في سكن مؤقت في مصر. ولم تسفر جهودهم للانضمام إلى أقاربهم في أوروبا عن شيء حتى الآن.
وتقول ليلى ورانيا إن عائلاتهما لم تتلق أي مساعدة من منظمات الإغاثة الرائدة.
منذ عام 1949، تتولى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) قيادة مسؤولية دعم اللاجئين الفلسطينيين.
من جهتها، قالت داون تشاتي، الأستاذة الفخرية للأنثروبولوجيا والهجرة القسرية بجامعة أكسفورد، إنها لم تتفاجأ بعدم وجود استجابة منسقة للفلسطينيين الذين يدخلون مصر.
وأضافت تشاتي: "هناك تاريخ عميق فيما يتعلق بوكالات الأمم المتحدة التي تتولى مسؤولية اللاجئين الفلسطينيين"، مشيراً إلى الارتباك الشائع في حدود صلاحياتها والتسييس الشديد للقضية.
وتابعت: "لن تمنحهم الحكومة المصرية حق اللجوء إن منح اللجوء الرسمي للأشخاص الفارين من غزة قد (يدمر) حقهم النظري في العودة إلى هذه الأراضي، ويمكن أن يضع مصر في مشكلة كبيرة مع الدول العربية الأخرى".
شبكة المتطوعين
وبدلاً من ذلك، اضطرت العائلات إلى الاعتماد على شبكة من المتطوعين الشعبيين والتجمعات الصغيرة، المرتبطة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومجموعات الواتساب.
إحدى المتطوعات هي أميرة، وهي مديرة عمليات من القاهرة انضمت إلى مجموعة محلية عند اندلاع الحرب لإرسال طرود المواد الغذائية والمساعدات إلى غزة.
ومنذ أن بدأ الفلسطينيون في الوصول إلى مصر، ركزت أميرة جهودها على دعمهم بالطعام والملبس والسكن. تقول أميرة: "يأتي الناس إلى هنا بلا شيء".. "إنهم يتضورون جوعاً".
وتواصلت عائلة رانيا، التي عبرت الحدود بما يمكنها حمله، مع متطوعين في مصر بعد أن شاهدت صفحة على فيسبوك تعرض الملابس لأشخاص من غزة.
في غضون ذلك، قالت رايا، وهي ناشطة من المملكة المتحدة: "في بعض الحالات، يتوسل إلينا الناس حرفياً لمساعدتهم على إطعام أطفالهم"، مضيفة: "وصلت إلى مصر في وقت سابق من هذا العام وساعدت في إنشاء مجموعة مساعدة مشتركة، تربط المانحين في أوروبا بالأسر الفلسطينية المحتاجة".