يهدد نقص الطاقة (الغاز) في مصر باستنزاف احتياطيات النقد الأجنبي الحيوية التي تحتاج إليها البلاد من أجل التعافي، وذلك رغم حزمة الإنقاذ المالي الضخمة البالغة 50 مليار دولار والتي ساعدت القاهرة في تجنب الأزمة الاقتصادية، حسبما أفاد تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية، الإثنين 8 أبريل/نيسان 2024.
انقطاع التيار الكهربائي
تقرير الوكالة أشار إلى أن التعهُّدات بتقديم تمويلات ضخمة منحت قيادة البلاد فرصة لبداية جديدة للتغلب على الأزمات الاقتصادية، لكن التحدي التالي للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يكمُن في معالجة انقطاعات التيار الكهربائي التي اجتاحت مصر العام الماضي وتسببت في استياء شعبي واسع النطاق.
الوكالة أوضحت أن مصر كانت بلداً مُصدِّراً للغاز سابقاً، لكنَّها لم تعد تنتج ما يكفي من الغاز للحفاظ على تشغيل أنظمة الكهرباء خلال فصل الصيف الذي تزداد الحرارة فيه أكثر فأكثر.
فكان الصيف الماضي هو الصيف الأكثر حراً على الإطلاق، الأمر الذي استلزم قطع الكهرباء بما يصل إلى ساعتين واضطر مصر إلى وقف صادرات الغاز الطبيعي المُسال خلال الموسم. وتوقع الخبراء أن يكون عام 2024 أسوأ.
شراء شحنات من الغاز
والأسبوع الماضي، أفادت وكالة بلومبرغ بأنَّ البلاد بدأت في شراء شحنات من الغاز الطبيعي المسال -الذي تستخدمه في توليد الكهرباء لتكييف الهواء- في وقت مبكر غير معتاد من العام من أجل تجنُّب الانقطاعات المزمنة.
ووفقاً لتقرير الوكالة، فإنه من شأن حدوث انقطاعات كبيرة للتيار الكهربائي هذا الصيف أيضاً أن يؤدي لتراكم الضغوط على شعب يعاني بالفعل من ارتفاع التضخم، وانخفاض قيمة العملة بشكل كبير، والارتفاع في أسعار الوقود المحلي.
الجانب المقابل لهذا هو أنَّ المشتريات الكبيرة تهدد باستنزاف احتياطيات النقد الأجنبي في الوقت الذي تواجه فيه مصر ضغوطاً ناجمة عن الحرب في غزة وتراجع عائدات المرور عبر قناة السويس.
وبيّنت الوكالة أن مشتريات الغاز الطبيعي المسال تمثل تحولاً كبيراً بالنسبة للبلاد، التي كانت قد توقفت إلى حدٍ كبير عن استيراد الوقود عام 2018 بعدما عزَّز اكتشاف حقل غاز "ظهر" العملاق الإنتاج المحلي وحوَّل البلاد إلى بلد مُصدِّر.
وتهدف الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية حالياً لاستيراد شحنة واحدة على الأقل شهرياً حتى يوليو/تموز أو أغسطس/آب المقبلين، وذلك وفقاً لأشخاص مطلعين على المسألة. وأضاف أحدهم أنَّ مصر ستحتاج إلى 5 شحنات على الأقل من أجل الصيف.
كانت مصر في عام 2022، ذروة أزمة الطاقة الأوروبية، قد باعت كميات قياسية في الأسواق الدولية، وهو الأمر الذي وفَّر مصدراً محل ترحيب للعائدات في وقتٍ كانت تعاني فيه من ارتفاع تكاليف الغذاء.
وكانت أحد المُورِّدين الذين ساعدوا أوروبا على إبقاء أنوارها مضاءة بعد تقييد روسيا لتدفقات الغاز عبر خطوط الأنابيب، وهو ما ساهم في تعزيز الطموحات بأنَّها قد تتحول إلى مركز رئيسي للطاقة.
الاحتياجات المتزايدة للطاقة
لكنَّ الإنتاج المحلي للغاز تراجع مؤخراً إلى أدنى مستوى له منذ سنوات، وهو ما ربطه وزير البترول طارق الملا بالتراجع الطبيعي في حقول الغاز.
ووفقاً لجاكوبو كاسادي، وهو محلل بشركة Energy Aspects Ltd لاستشارات الطاقة في لندن، فإنَّ الإنتاج المحلي في مصر والواردات عبر خطوط الأنابيب من إسرائيل لن تكفي لتغطية احتياجات البلاد من الغاز هذا الصيف. ويُتوقَّع أن تكون درجات الحرارة في القاهرة أعلى من معدلاتها الموسمية المعتادة لاحقاً هذا الشهر، أبريل/نيسان.
وإلى جانب تلبية الطلب الأكبر على التبريد، يُستخدَم الغاز أيضاً لتغذية صناعات كثيفة استهلاك الطاقة مثل إنتاج الأسمدة.
وتراجعت أسعار الغاز العالمية بشكل كبير في الوقت الراهن على الأقل، وهو ما يُسهِّل على العملاء الحساسين لتغيُّر الأسعار في الأسواق الناشئة الحصول على شحنات الغاز.
من جهته، قال ريكاردو فابياني، مدير مشروع شمال أفريقيا بمجموعة الأزمات الدولية: "ستعاني مصر على المدى القصير لتحقيق رؤيتها بأن تصبح مركزاً للطاقة. فهي تفتقر للإنتاج المحلي الكافي لتلبية الطلب الداخلي والتزامات التصدير".
وتابع: "ستحتاج مصر على المدى الطويل إلى زيادة جهودها الاستكشافية من أجل تعزيز الإنتاج والرهان على الطاقة المتجددة"، مضيفاً أنَّ كليهما ليس أمراً سهلاً.
بينما قال عمر منيب، كبير محللي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمجموعة أوراسيا (Eurasia Group)، إنَّ البلاد في وضعٍ أفضل الآن بعد حصولها على تمويل خارجي. وسيسمح هذا للسلطات بتجنُّب انقطاعات التيار الكهربائي الواسعة التي شهدتها البلاد الصيف الماضي، في حين تقطع التيار الكهربائي لفترات أقصر.