نقلت صحيفة The Guardian البريطانية، عن عملاء استخبارات هنود وباكستانيين قولهم إن الحكومة الهندية اغتالت أفراداً في باكستان، وذلك في سياق استراتيجية واسعة اتَّبعتها الهند في السنوات الماضية لملاحقة من تعدُّهم "إرهابيين" يعيشون على أراضٍ أجنبية، والقضاء عليهم.
وقالت الصحيفة البريطانية إنها أجرت مقابلات مع مسؤولي استخبارات من الهند وباكستان، واطلعت على وثائق قدمها محققون باكستانيون، وقد سلط هذا التحقيق الاستقصائي الضوء على جانب لم يُكشف عنه من قبل بشأن المزاعم المتداولة بأن "جناح البحث والتحليل الهندي" (جهاز الاستخبارات الخارجية الهندية) بدأ بتنفيذ اغتيالات في الخارج ضمن نهج جريء للأمن القومي شرعت فيه البلاد بعد عام 2019.
وأوضحت الصحيفة أن جهاز الاستخبارات الخارجية الهندي يخضع لسيطرة مباشرة من مكتب رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، الذي يترشح لولاية ثالثة في الانتخابات التي ستجرى في وقت لاحق من أبريل/نيسان الجاري.
"اغتيال الأعداء في الخارج"
ذهبت الغارديان إلى أن هذه التقارير والوثائق تُقوي الادعاءات القائلة إن دلهي نفذت سياسة تقوم على استهداف من تعدُّهم شخصيات معادية للهند، مشيرة إلى أن التقارير التي اطلعت عليها كشفت عن ملاحقة الهند متهمين بارتكاب "جرائم إرهابية خطيرة وعنيفة".
لكن عمليات الاغتيال المزعومة لم تقتصر عليهم، فقد أوردت واشنطن بوست الأمريكية أن الولايات المتحدة اتهمت الحكومةَ الهندية علناً بمحاولة اغتيال فاشلة لمعارض سيخي في الولايات المتحدة العام الماضي، واتهمتها كندا باغتيال معارض سيخي على أراضيها.
وذكرت الغارديان أن الادعاءات الجديدة تتناول 20 عملية اغتيال نفذها مسلحون مجهولون في باكستان منذ عام 2020.
وعلى الرغم من تداول مزاعم غير رسمية ربطت الهند بهذه الاغتيالات، فإن الغارديان تزعم أن تقريرها يتناول لأول مرة روايات من موظفي استخبارات هنود عن عمليات اغتيال مزعومة في باكستان، وأنها اطلعت على وثائق مفصلة تتناول مزاعم الضلوع المباشر لجهاز الاستخبارات الخارجية الهندي في هذه الاغتيالات، وتكشف كذلك عن ملاحقة الجهاز لانفصاليين سيخ من حركة "خالصتان" في باكستان ودول غربية.
وتحدثت الغارديان إلى محققين باكستانيين زعموا لها أن هذه الاغتيالات تولى إدارتها وتنفيذها خلايا نائمة للاستخبارات الهندية يعمل معظمها من دولة الإمارات.
وأرجع المحققون تزايد عمليات القتل في عام 2023 إلى تصاعد نشاط هذه الخلايا المتهمة بدفع ملايين الروبيات لمجرمين هنود أو باكستانيين فقراء لتنفيذ عمليات الاغتيال، وزعموا أن عملاء هنوداً جنَّدوا في بعض العمليات متشددين وأقنعوهم بأن يقتلوا "كفاراً" تحل دماؤهم.
"التركيز على الانفصاليين والمعارضين في الخارج"
وقال ضابطان من الاستخبارات الهندية لصحيفة الغارديان إن جهاز الاستخبارات الهندي اتخذ مسار التركيز على الانفصاليين والمعارضين في الخارج بعد هجوم "بولواما" عام 2019، حين استهدف مهاجم قافلة عسكرية في كشمير الخاضعة للإدارة الهندية، وقتل 40 من أفراد قوة الشرطة الاحتياطية الهنود.
وقد أعلنت جماعة "جيش محمد" المتمركزة في باكستان مسؤوليتها عن الهجوم، فيما أشارت الصحيفة البريطانية إلى أن مودي كان مرشحاً لرئاسة الوزراء في ذلك الوقت، وفاز بالانتخابات بعد ذلك.
وقال عميل للاستخبارات الهندية: "بعد بولواما، تغيَّر النهج إلى استهداف العناصر [التي تراها الهند معادية] خارج البلاد قبل أن يتمكنوا من شن هجوم أو إثارة أي اضطراب"، وأوضح أن إجراء مثل هذه العمليات "يتطلب موافقة من أعلى الرتب في الحكومة الهندية".
وزعم الضابط الهندي أن دلهي اقتدت في هذا المسار بأجهزة استخبارات أخرى مثل الموساد الإسرائيلي وجهاز "كيه جي بي" الروسي، وغيرهما من الأجهزة التي كثيراً ما ارتبطت بتنفيذ عمليات اغتيال خارج نطاق القانون على أراض أجنبية.
وقال أيضاً إن مسؤولين في جهاز الاستخبارات الهندي تأثروا كذلك باغتيال الصحفي السعودي والمعارض جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018، "فأنت لا تتخلص من عدوك فحسب، بل تبث رسالة تقشعر لها الأبدان، وتحذيراً للأشخاص الذين يعملون ضد مصالحك".
"20 عملية قتل في باكستان منذ عام 2020"
في سياق متصل، قال مسؤولون كبار من جهازي استخبارات باكستانيين مختلفين إنهم يشتبهون في ضلوع الهند في ما يصل إلى 20 عملية قتل في باكستان منذ عام 2020.
واستندوا في مزاعمهم إلى ما قالوا إنها أدلة لم يُكشف عنها من قبل في 7 اغتيالات، وقد اشتملت هذه الأدلة على شهادات شهود وسجلات اعتقال وبيانات مالية ورسائل واتساب وجوازات سفر.
وقال المحققون الباكستانيون إنها تعرض تفاصيل العمليات التي نفَّذها عملاء هنود لاغتيال أهداف على الأراضي الباكستانية، فيما أفادت صحيفة الغارديان أنها اطلعت على الوثائق لكن لم يتسنّ لها التحقق منها بطريقة مستقلة.
وزعمت المصادر الاستخباراتية الباكستانية أن الاغتيالات زادت زيادة كبيرة في عام 2023، واتهمت الهند بالضلوع في قتل نحو 15 شخصاً، معظمهم أطلق عليهم مسلحون مجهولون النارَ من مسافة قريبة.
وفي ردٍّ لصحيفة الغارديان، نفت وزارة الشؤون الخارجية الهندية جميع هذه المزاعم، وكرَّرت ما قالته في بيان سابق من أن هذه الاتهامات ليست إلا "دعاية كاذبة وخبيثة مناهضة للهند".
وشددت الوزارة على النفي السابق الذي أدلى به وزير الخارجية الهندي، سوبرامانيام جيشانكار، بأن عمليات القتل المستهدف في بلدان أخرى "لا تتوافق مع سياسة الحكومة الهندية".