"ليه بس .. حرام أنا جاي من كفر الشيخ سفر طويل بالعربية، وكله ده علشان أبسط العيال، وفي الآخر ألاقي حديقة.. مقفولة!.."، هكذا تحدث عبد الله، صاحب مدرسة خاصة وبرفقته حوالي 15 طفلاً، من أمام بوابة حديقة الحيوانات الجيزة.
وأثناء حديث عبد الله، جاء صوت حارس الحديقة ليخبره عن مكان آخر بالجيزة يتواجد فيه مجموعة من الحيوانات، فهو بمثابة حديقة للجمهور، ولكنها خاصة، وليست تابعة للحكومة.
وأقفلت حديقة الحيوانات الجيزة أبوابها في 8 يوليو/تموز 2023، وذلك قصد تطويرها من طرف تحالف مكون من شركات وطنية، حسب ما أعلنت عنه وزارة الزراعة المصرية.
وحديقة الحيوان الجيزة هي أول وأقدم حديقة حيوان في أفريقيا والشرق الأوسط، حيث افتتحها الخديوي توفيق عام 1891 بتوجيه من والده الخديوي إسماعيل على مساحة 80 فداناً.
وبدأت حديقة الحيوان الجيزة بعرض أزهار ونباتات مستوردة غير موجودة في الطبيعة المصرية، ثم تم تخصيص حديقة الأورمان لعرض النباتات.
لأول مرة.. مصر بدون حديقة
قال أحد العاملين في بوابة حديقة الحيوانات الجيزة لـ"عربي بوست": "الناس في مصر لم تعتد أبداً أن تكون حديقة الجيزة مغلقة باستثناء 6 أشهر فقط عام كورونا، وهذا العيد سيكون أول عيد بدون حديقة الحيوان على المصريين منذ سنوات كثيرة".
وأضاف المتحدث: "تخيل اليوم جمعة والدنيا هادئة ومفيش حد عند الحديقة، فالمعتاد في مثل هذا التوقيت أن يكون أمام أبواب الحديقة الكثير من الزوار، والرحلات التي تتوافد من كل محافظات مصر".
وحسب ما رصد "عربي بوست"، فإن حديقة الحيوانات الجيزة أصبحت خاوية من الحيوانات باستثناء القطط التي تتجول بالداخل وفي محيطها، وبعض الغربان التي تستقر فوق عروش الشجر.
يقول أحد العاملين داخل الحديقة لـ"عربي بوست" إن "الحيوانات الآن محبوسة في بيوتها الداخلية، فهي لا تخرج إلى الأقفاص سوى عدة ساعات صباحاً، ثم يتم إدخالها مرة أخرى".
وأضاف المتحدث أن معظم الحيوانات تعاني من حالة اكتئاب شديدة عقب غلق الحديقة، وقد قامت الجهات البيطرية المسؤولة بإحضار طبيبين متخصصين في اكتئاب الحيوانات من ألمانيا لمعالجة الحيوانات.
فيما يقول أحد العلافين المسؤول عن تغذية الحيوانات في حديقة الحيوانات الجيزة لـ"عربي بوست" إن "الأطباء نصحونا بتقليد زوار الحديقة في التعامل مع الحيوانات عندما كانت الحديقة مفتوحة".
وأضاف المتحدث: "كنا نقوم بتشغيل الطفطف والدوران به داخل الحديقة أثناء خروج الحيوانات للأقفاص صباحاً، والكثير من الأمور الأخرى لكسر موجة الاكتئاب لديها، فتلك أطول فترة يغيب فيها الزوار عن الحديقة".
وبخصوص فتح الحديقة لأبوابها، قال المتحدث: "إن المخطط كان أن ينتهي المشروع خلال 18 شهراً، لكن أشغال التطوير لم تبدأ إلا خلال شهر فبراير/شباط 2024 قبل أيام من شهر رمضان، ويقول المهندسون، إن الحديقة ستعود للعمل في منتصف 2025″.
ووفق الخطة المعلنة، فإن عملية التطوير بتكلفة مبدئية مليار جنيه مصري (نحو 33 مليون دولار)، والتحالف القائم على عملية التطوير سيتولى إدارة حديقة الحيوان وحديقة الأورمان عند إعادة افتتاحهما.
وسيكون هناك عقد انتفاع لمدة 25 عاماً تحت إشراف وزارة الزراعة المالكة للحديقتين، والخطة تشمل رفع كفاءة جميع خدماتها، بهدف تعظيم الاستفادة من مقوماتها، مع الحفاظ على طابعها الأثري والنباتات والأشجار النادرة واستعادة طابعها التراثي.
وسيتم إعادة إحياء حديقة الحيوانات الجيزة كمنطقة مفتوحة بمساحات خضراء تعد متنفساً للمواطنين، حتى تكون حديقة الحيوان على غرار الحدائق العالمية المفتوحة بلا حواجز، مع تطبيق أعلى معايير الأمان العالمية بالتعاون مع الاتحاد الدولي لحدائق الحيوان وتحت إشراف الاتحاد الأفريقي لحدائق الحيوان.
آثار إغلاق حديقة الحيوانات الجيزة
يبدو أن الحيوانات ليست هي الوحيدة المتأثرة من غلق حديقة الحيوانات الجيزة، فحتى العاملون بها تأثروا من طول مدة الإغلاق، من حراس إلى علافين الذين التقاهم "عربي بوست" خلال إنجاز الربورتاج.
وقال أحد حراس حديقة الحيوانات الجيزة لـ"عربي بوست": "كنا نأمل أن يتم الإغلاق الجزئي للحديقة، اقترحناها على المسؤولين، لكنهم رفضوا، أنا شخصياً كنت أحصل على 400 جنيه مصري يومياً بقشيش من الزوار، وهذا أهم من راتبي الذي لا يتجاوز 1700 جنيه".
من جهته، قال أحد العلافين لـ"عربي بوست": "خراب البيوت مش للعاملين في الحديقة فقط، انظر إلى الأكشاك، فقد قام أصحابها بغلقها لعدم قدرتهم على دفع الإيجارات الخاصة بها للمحافظة".
"الدولة جعلت إيجار أي كشك ما يزيد عن 10 آلاف شهرياً، والأمر طال فئات كثيرة كانت تستفيد من الحديقة وزوارها"، هكذا يقول العلاف لـ"عربي بوست".
وهنا يوضح أحمد إبراهيم، المستشار الإعلامي لوزير الزراعة واستصلاح الأراضى، أن الغلق للأسف إجباري، وذلك نظراً لحجم أعمال التطوير والترميم الكبيرة في البنية الأساسية المتهالكة.
وأضاف المتحدث أنه سيتم حفر الطرق الداخلية، وبالتالي صعوبة استقبال المواطنين حرصاً على سلامتهم أثناء مدة التطوير والتى سيتم ضغطها تنفيذاً لتوجيهات القيادة السياسية من أجل سرعة فتح الحديقة أمام الزائرين.
وحسب ما عاين "عربي بوست"، بدأت أعمال الحفر في مشروع التطوير بإنشاء النفق الذي سيربط بين الحديقتين (النباتات والحيوانات)، وذلك في وجود لافتة تشير إلى إنشاء النفق.
وعلى المدى المنظور داخل الجزء المطل من الحديقتين على تلك الأعمال، تظهر معدات شركات المقاولات القائمة على المشروع، وقد بدأ بالفعل بعض أعمال الحفر الخاصة بالمشروع.
وكان المهندس محمد صلاح الدين مصطفى، وزير الدولة للإنتاج الحربي، قد أكّد في بيان سابق، أنَّ شركة الإنتاج الحربي للمشروعات والاستشارات الهندسية والتوريدات العامة هي المطوّر الرئيسي للمشروع، وذلك بالتحالف والشراكة مع القطاع الخاص.
وقال المتحدث إنها شركة أبناء سيناء المملوكة لرجل الأعمال إبراهيم العرجاني، على أن تتم الاستعانة بخبرات شركات عالمية للتطوير والمتخصصة في مجالات تصميم حدائق الحيوان والبيئة الحيوانية والنباتية، مثل شركة برنارد هاريسون العالمية التي تعتبر من أكبر مصممي حدائق الحيوان حول العالم وساهمت في تطوير حدائق مثل حديقة الحيوان بلندن وحديقة سنغافورة.
مشروع مثير للجدل.. غياب الشفافية سيد الموقف
وبغرض التجديد والتطوير، سلمت وزارة الزراعة المصرية مسؤولية حديقة الحيوانات الجيزة والحدائق المجاورة لها إلى شركتين؛ إحداهما يديرها الجيش، والأخرى استشارية مقرها الإمارات العربية المتحدة.
وستحصل الشركات مقابل ذلك على مداخيل الحديقة على مدى السنوات الـ25 المقبلة، الأمر الذي أثار الجدل من طرف المدافعين عن حقوق الحيوان.
تقول الناشطة دينا ذو الفقار إن "حديقة الحيوانات بالجيزة صغيرة جداً لبناء مساحات مفتوحة، ويتحدث المسؤولون عن حديقة الحيوان كمركز ترفيهي وليس كحديقة حيوان. يتم تجاهل الأهداف الحقيقية لحدائق الحيوان الحديثة تماماً، وليس من الواضح عدد الحيوانات التي سيتم الاحتفاظ بها أو حتى كيف سيتم نقلها إلى حظائر مسيجة جديدة، والمباشرة بأعمال البناء في الموقع بينما لا تزال الحيوانات في أقفاصها هو نوع من الترويع لحوالي 3000 حيوان في الحديقة".
ولكن الحكومة المصرية أكدت أن حديقة الحيوانات الجيزة ستظل ملكاً لوزارة الزراعة وتحت الإشراف الفني لهيئة الخدمات البيطرية، وأن التطوير سيجري تحت إشراف الاتحاد الأفريقي لحدائق الحيوان، والاتحاد الدولي لحدائق الحيوان.
وقد وافق الاتحاد الأفريقي لحدائق الحيوان على مشروع التطوير والتصميم الهندسي، وهذه خطوة مهمة تسهم في عودة الحديقة إلى التصنيف الدولي لحدائق الحيوان الذي خرجت منه عام 2004 بسبب عدم اتباع المعايير الدولية في إيواء الحيوانات.
وعقب الانتهاء من أعمال التطوير، سيتم جلب أنواع جديدة ونادرة من الحيوانات لم تكن موجودة من قبل، وزيادة عدد الحيوانات بالحديقة من حيث النوع والكمية، وتطوير وإدارة الحديقتين (الحيوان والأورمان) سيكون بنظام حق الانتفاع لمدة 25 سنة مقابل إيجار سنوي تتم زيادته بنسبة محددة كل عام، ولكن عملية التطوير ستراعي الحفاظ على الطابع التراثي للحديقتين، وكذلك النباتات والأشجار النادرة وكل ما هو أثري.