رصدت صحف إسرائيلية مساء الخميس 28 مارس/آذار 2024، حالة من "الصدمة" في الأوساط الدينية المتشددة في دولة الاحتلال بعد قرار المحكمة العليا بتجميد الميزانيات المخصصة للمدارس الدينية، التي لا يلتحق طلابها بالتجنيد الإجباري.
فبهذا القرار تخسر المدارس الدينية بطواقمها وطلابها كل الامتيازات التي تمتعوا بها طوال عقود من الزمن من تمويلات ضخمة من ميزانية الدولة، وإعفاء من التجنيد الإجباري في الجيش، وأصبحوا مجبرين على الالتحاق بالجيش أو تصنيفهم كهاربين من الخدمة وهو ما يعرّضهم للاعتقال.
بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، فقد تسبب هذا القرار في إحداث اضطراب كبير في النظام السياسي، حيث قوبل القرار بصدمة كبيرة بين الأحزاب المتدينة، التي تجري مشاورات حول كيفية المضي قدماً، فيما يجري نتنياهو مشاوراته خوفاً من احتمالية انسحابها من الحكومة.
فمن جانبه، قال رئيس حزب شاس أرييه درعي الحليف لنتيناهو في الحكومة: "إن الرفض الفوري لميزانيات المدارس الدينية هو علامة على سخط غير مسبوق بين علماء التوراة في الدولة اليهودية".
وتابع درعي: "بالتحديد في الأيام التي يحتاج فيها شعب إسرائيل إلى رحمة السماء في الجنوب والشمال، تقود محكمة العدل العليا موقفاً هجومياً تجاه علماء التوراة الذين يقف عليهم العالم"، حسب قوله.
ويعتقد رجال الدين اليهود والأحزاب الدينية المتشددة أن دولة الاحتلال ما زالت قائمة بسبب دورهم الديني وأدائهم الصلوات والدعوات المستمرة، وأن محاربتهم سيؤدي إلى هدم دولة إسرائيل.
حيث قال وزير التراث الإسرائيلي "مئير بوروش" رداً على قرار المحكمة العليا: "اختارت المحكمة مرة أخرى الإضرار بعالم التوراة والمدرسة الدينية، وفي خطوة غير مسبوقة تفرض عقوبات اقتصادية على أولئك الذين اختاروا دراسة التوراة المقدس وهذا انتهاك خطير لحقنا في الوجود بإسرائيل".
كما أضاف بوروش: "تسعى أعلى سلطة قضائية في "إسرائيل" إلى إلقاء علماء التوراة في السجن، ويل لها من هذا العار، لن نقبل هذا الوضع وسنناضل من أجل إلغاء القرار على الفور".
كما علق رئيس حزب "يهدوت هتوراة"، وزير البناء والإسكان يتسحاق جولدكنوبف: "الأمر الذي أصدره قضاة المحكمة العليا يهدف إلى إلحاق ضرر جسيم بطلاب التوراة في أرض إسرائيل، وهو علامة على الخزي والعار".
وأضاف: "بدون التوراة ليس لنا الحق في الوجود. سنناضل بكل الطرق من أجل حق كل يهودي في تعلم التوراة ولن نتنازل عن ذلك".
فيما قال الحاخام دوف لاندو: "إن المدارس الدينية والجامعات المقدسة التي تدرس فيها التوراة بشكل مستمر ودون توقف هي حقنا في الوجود هنا في إسرائيل، وهذا ما يحمي جميع اليهود في إسرائيل".
بحسب قناة 12 الإسرائيلية، فإن الصادم بالنسبة للجماعات الدينية أن هذا القرار غير المسبوق في تاريخ إسرائيل جاء في عهد أكثر حكومة يمينية تطرفاً، والتي قدم بنيامين نتنياهو خلال تشكيلها ضمانات بتخصيص دعم أكبر للجماعات والمعاهد الدينية داخل دولة الاحتلال.
أزمة التجنيد
وفي وقت سابق الخميس، أصدرت محكمة العدل العليا في إسرائيل، قراراً مؤقتاً، بتجميد الميزانيات المخصصة للمدارس الدينية، التي لا يلتحق طلابها بالتجنيد الإجباري، اعتباراً من مطلع أبريل/نيسان المقبل، وفق إعلام عبري.
يأتي ذلك بعد أن بعثت المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية غالي بهراف ميارا، إلى المحكمة العليا الإسرائيلية بأنه يجب البدء في تجنيد المتدينين، المعروفين باسم "الحريديم" اعتباراً من بداية الشهر المقبل.
وسبق أن هددت الأحزاب الدينية في الائتلاف الحاكم برئاسة بنيامين نتنياهو، بالانسحاب حال تبني قانون جديد للتجنيد يلغي الإعفاء الذي كان يتمتع به اليهود المتدينون.
وفي الأيام الأخيرة، فشلت الحكومة في التوصل إلى صيغة مقبولة بشأن تجنيد "الحريديم"، ما يجعلهم ملزمين بالتجنيد بداية من الإثنين.
ويشكل "الحريديم" نحو 13% من عدد سكان إسرائيل، وهم لا يخدمون في الجيش، ويقولون إنهم يكرّسون حياتهم لدراسة التوراة في المعاهد اللاهوتية.
ويلزم القانون كل إسرائيلي وإسرائيلية فوق 18 عاماً بالخدمة العسكرية، فيما يثير استثناء "الحريديم" من الخدمة جدلاً منذ عقود.
لكن تخلّفهم عن الخدمة العسكرية بالتزامن مع الحرب المتواصلة على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي وخسائر الجيش، زاد من حدة الجدل.
إذ تطالب أحزاب علمانية (في الحكومة والمعارضة) "الحريديم" بالمشاركة في تحمّل أعباء الحرب.
وفشلت الحكومات المتعاقبة منذ 2017، في التوصل إلى قانون توافقي بشأن تجنيد "الحريديم"، بعد أن ألغت المحكمة العليا قانوناً شُرّع عام 2015، وقضى بإعفائهم من الخدمة العسكرية، معتبرة أن الإعفاء يمسّ بـ"مبدأ المساواة".
يأتي هذا الجدل، في وقت يشن فيه الجيش الإسرائيلي، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حرباً مدمرة على غزة خلفت عشرات آلاف القتلى والجرحى، معظمهم أطفال ونساء، وفق مصادر فلسطينية، ما استدعى محاكمة تل أبيب أمام محكمة العدل الدولية بدعوى "إبادة جماعية".