روى ناجون من الهجوم على مجمع الشفاء والمناطق المجاورة له في غزة تجاربهم خلال حديث لهم لموقع "Middle East Eye" البريطاني.
كان عادل عبد ربه، 29 عاماً، أحد شهود العيان على الهجوم الإسرائيلي ضد المستشفى في الأسبوع الماضي، حينما وصل إلى هناك لزيارة أبناء عمه.
في حوالي الساعة الحادية عشرة من صباح الإثنين، 18 مارس/آذار، شاهد المُسيرات الإسرائيلية ذات المراوح الأربع، والدبابات، والطائرات الحربية، والمركبات العسكرية تطوق المستشفى.
وقال إن "آلاف الرصاصات" أُطلقت في اتجاه في المستشفى، ما أجبره على البقاء هناك لأنه خاف من أن يصاب بطلقة إذا فرّ من المبنى.
خلال حديثه مع موقع Middle East Eye قال: "الناس كانوا يتساقطون مثل ورق الشجر بسبب الطلقات الإسرائيلية، تُرك المرضى وحدهم يئنون من الألم في الداخل، النساء كانت تنادي على أطفالها، والأطفال كانوا يبكون في رعب، كان ذلك هو المشهد".
بعد ذلك قال عبد ربه إن حوالي 500 جندي إسرائيلي اجتاحوا المستشفى، وأمروا الجميع بأن يتحركوا، وأضاف أنهم بدأوا في اعتقال كل شخص يستطيع أن يمشي وليس لديه جروح تهدد الحياة.
ناجون من الهجوم على مجمع الشفاء: الجنود قتلوا مئات المدنيين
وقال: "في البداية طمأنونا بأنه لن يتأذى أحد، ومضوا في قتل ما لا يقل عن 300 مدني، كنا كالدمى في أيديهم".
رغم الكسور الشديدة والحروق على ساقه اليسرى خلال الهجوم، كان عبد ربه ضمن من اعتُقلوا في الهجوم، وأخبر الموقع بأن أكثر من 500 فرد، من بينهم نساء وأطفال، اعتُقلوا أيضاً.
وأضاف: "جُرد الرجال من الملابس وضُربوا ووضعت العصابات على أعينهم وقُيدوا. جرى اقتيادنا كالقطيع إلى ساحة (المستشفى) ولاحقاً خضعنا لاستجواب".
قال عبد ربه إنه خضع لثلاث جولات من الاستجوابات عن طريق الجنود الإسرائيليين، واستمرت كل جولة منها 15 دقيقة.
وسأله الجنود إذا كان قد قابل أياً من عناصر المقاومة الفلسطينية، وبعد استجواب لمدة 45 دقيقة لكل شخص تُركوا بلا ملابس خارج المستشفى، ولم يحصلوا على أي طعام للإفطار بعد الصيام، ما عدا زجاجة مياه صغيرة.
وظلوا على هذه الحالة حتى الصباح التالي، عندما أُمروا بأن يسيروا إلى شارع الرشيد، بالقرب من مقهى إسطنبول، وفي صباح الأربعاء أُطلق سراحهم وأُمروا بأن يفروا جنوباً.
وأوضح: "رغم الإنهاك والجروح والجفاف اضطررنا لخوض الرحلة لسبع ساعات إلى دير البلح، وصلت إلى هناك وأنا على حافة الموت".
كان عبد الرحمن، شقيق عبد ربه، من ضمن المحتجزين الذين فروا إلى الجنوب. تذكر عبد الرحمن مأساتهم التي استمرت ليومين، وقال إنهم واجهوا "الجوع الشديد" حتى وصلوا إلى الجنوب.
وأوضح: "إذا تجرأ أي شخص وطلب المياه كان يُضرب بالنار في ساقه، واجهنا الجوع الشديد ليومين".
وأضاف أنه شاهد صبياً يبلغ من العمر ثماني سنوات يُطلق الرصاص على ساقه عن طريق جندي إسرائيلي بعد أن طلب رؤية عائلته.
جنود الاحتلال تصرفوا مثل الوحوش
وقال إن الجنود الإسرائيليين أخضعوهم لـ "الضرب والإساءة والمعاملة غير الإنسانية"، وكانوا يتصرفون "مثل الوحوش".
قال ناجٍ آخر يدعى محمد، رفض الكشف عن اسمه الثاني، إنه كان في منزله بالقرب من مستشفى الشفاء، عندما وقع الهجوم في الساعات الأولى من 18 مارس/آذار، وأوضح أنه كان نائماً هو وأطفاله عندما بدأ الهجوم.
في حديثه مع موقع Middle East Eye قال محمد: "حاولنا مغادرة المنزل، لكننا وجدنا دبابة فوراً خارج الباب وجرافة عسكرية كانت تهدم منزل جارنا".
وأشار إلى أنهم جلسوا جميعاً في غرفة واحدة في ظل الأصوات المرتفعة للقصف المدفعي والغارات الجوية، وقد سقطت حينها جدران إحدى الغرف بسبب القصف، ولذلك اضطروا للاختباء في غرفة أخرى.
وقال: "كان أطفالي مرعوبين ولم أدرِ ماذا أفعل، زحفت إلى المطبخ لإحضار بعض الطعام، نجحت في جلب بعض أرغفة الخبز، وتشارك فيها الأشخاص التسعة الذين كانوا في المنزل، ظللت أُطمئن أطفالي كي يعودوا إلى النوم في كل مرة يستيقظون بسبب القصف".
وفي الصباح، كسر الجنود الإسرائيليون الباب واقتحموا المنزل، وأوضح محمد: "جرّدوني أنا وأخي من ملابسنا فيما عدا الملابس الداخلية، ونقلوا زوجتي والأطفال إلى أسفل الدرج بعد أخذ هاتفها. توسل أطفالي للجنود كي يأخذوني معهم لكنهم رفضوا، دفعوا ابنتي فطرحوها أرضاً وأبلغوها بأن تذهب مع أمها".
بعد مغادرة الزوجة والأطفال وُضعت عصابات على أعين محمد وأخيه، وقُيدوا، ثم تركوا في الشارع في الطقس البارد. قال: "عندما كنت أطلب كيساً كي يغطيني كانوا يضربونني. ظلوا يضربوننا ويسيئون إلينا لفظياً".
وبعد ذلك، أخذ الجنود الشقيقين مع رجال آخرين إلى مستشفى الشفاء. وأوضح محمد أنه لم ير شيئاً طيلة الوقت، لكنه كان قادراً على أن يسمع صوت الجنود بينما يضربون الرجال الآخرين.
وأضاف: "أخذوا بعض الرجال إلى غرفة أخرى، ثم سمعنا طلقات رصاص، عاد الجنود من تلك الغرفة بدون الرجال الذين أخذوهم، أدركنا أنهم أعدموهم، ولذلك جلسنا هناك انتظاراً لدورنا فحسب، بقينا هكذا ليومين، بلا مياه ولا طعام ولا غطاء، بعد يومين مسحوا وجوهنا ضوئياً وأبلغونا في النهاية بأننا نستطيع الذهاب، سرنا بين الدبابات وإطلاق النار بأمان".