أثارت متاجر أهلا رمضان، التي أطلقتها الحكومة المصرية في عدد من الأحياء الجدل، بسبب عرضها للسلع بأسعار رخيصة مقارنة مع المحلات العادية وبجودة أقل، الأمر الذي تسبب في خسارة كبيرة للتجار، أمام الإقبال الكبير للمواطنين.
وكشف عدد من التجار الذين تحدث إليهم "عربي بوست"، أن متاجر أهلاً رمضان تروج لمنافسة غير متكافئة، ونجاح الحكومة في جذب فئات عديدة من المواطنين لا يشجع على اقتصاد سوق حر، الذي تقول الحكومة إنها تتبناه، بالإضافة إلى توظيف هذه المتاجر سياسياً للتسويق إلى أحزاب قريبة من الحكومة.
وأوضح مصدر مطلع بأحد الأحزاب المقربة بالحكومة لـ"عربي بوست" أن طريقة حصول تلك الأحزاب على هذه السلع، تتم عبر منافذ وزارة التموين أو الزراعة أو منافذ القوات المسلحة، عبر اتفاقات غير معلنة. ونتيجة لهذه الاتفاقات تكون أسعار السلع أقل بشكل واضح من أسعارها في الأسواق.
وأضاف المصدر أن غالبية هذه الاتفاقيات تتم مع نواب البرلمان التابعين لهذه الأحزاب، بهدف مساعدتهم على فتح منافذ بيع بأسعار مخفضة في دوائرهم الانتخابية، وهو ما يتم استغلاله سياسياً.
وانتشرت المنافذ والمتاجر والشوادر في مناطق عديدة في كافة المحافظات المصرية، منذ منتصف شهر فبراير/شباط 2024، وحمل أغلبها اسم "أهلاً رمضان"، في إشارة إلى أن وجودها يتعلق بالتعامل مع كثافة الاستهلاك مع دخول شهر الصيام.
ويتركز وجود متاجر أهلاً رمضان على نحو أكبر في المناطق الشعبية، ومراكز المدن، والمناطق العشوائية التي تتراجع فيها القدرة الشرائية للمواطنين، وهو ما يجعل عليها إقبالاً كبيراً من طرف المواطنين، رغم أن السلع لا تتسم بالجودة ذاتها التي تكون عليها السلع في المتاجر والبقالات الأخرى.
متاجر أهلا رمضان تتسبب في خسارة للتجار
يقول محمد حامد، أحد تجار الجملة للمواد الغذائية إن متاجر الحكومة المصرية وفرت السلع القليلة في السوق، في الوقت ذاته تركت التجار يكتوون بنيران الخسائر، لأن كثيراً من السلع التي يتم بيعها حالياً هي بالأساس اشتريناها على أساس أن سعر الدولار ما بين 60 و70 جنيهاً.
وأضاف المتحدث لـ"عربي بوست" أن متاجر الحكومة توفرها بسعر الدولار الرسمي، سواء أكان ذلك السعر 31 جنيهاً قبل التعويم أو 48 جنيهاً الآن، وفي كل الحالات تكون لديها القدرة على تخفيض الأسعار.
وقال إن الحكومة لا تدفع ضرائب كما يدفع التجار، وتعتمد في البيع على عمالة زهيدة للغاية، أغلبها تعمل في المؤسسات التي تقوم بتوفير هذه السلع، ولا تدفع كهرباء أو غازاً أو مياهاً، كما أن غالبية المحال التجارية تعتمد على الإيجار الذي ارتفعت أسعاره بسبب الموجات التضخمية.
وأشار المتحدث إلى أن الفوضى التي تعانيها الأسواق أمر لا يمكن إنكاره، لكن التعامل معه يكون بتشديد الرقابة ومنح التجار القدرة على التخلص من السلع مرتفعة السعر التي لديهم حتى لا يتخذوا مزيداً من الإجراءات تضمن عدم تعرضهم للخسارة مستقبلاً، وفي تلك الحالة تتهمهم الحكومة بأنهم "تجار جشعون".
وشدد على أن وجود متاجر الحكومة، ولو في هذه الفترة هو أمر مطلوب، لأن هناك فئات عديدة من المواطنين يستفيدون منها، لكن الأزمة تتمثل في حال استمرت تلك المنافذ مع انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين من الأساس، وبالتالي فإن التجار وغيرهم من أصحاب الاستثمارات في المواد الغذائية بالقطاع الخاص سيواجهون خسائر ضخمة، لأنهم لن يستطيعوا منافسة الحكومة.
بحسب بيانات حكومية فإن العديد من الجهات تشارك في منافذ بيع السلع بأسعار مخفضة، بينها وزارة التموين، ووزارة الزراعة، ووزارة الداخلية، والقوات المسلحة، ووزارة الأوقاف، ووزارة التضامن الاجتماعي، ووزارة التنمية المحلية.
ودخلت أيضاً الأحزاب على خط الأزمة، بعد أن انتشرت على نطاق واسع منافذ تابعة لحزب مستقبل وطن، وهو الظهير السياسي للحكومة المصرية، وحزب حماة وطن (موالٍ للحكومة)، وحزب الشعب الجمهوري (موالٍ للحكومة).
وبحسب دراسة نشرها المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، فإن متاجر "أهلاً رمضان" تقدم السلع للمواطنين بتخفيضات تصل إلى 30%، وإنه في منتصف فبراير/شباط 2024 جرى افتتاح 100 منفذ إلى جانب المئات من الشوادر في القرى والنجوع.
وحسب الدراسة نفسها، هناك القوافل المتنقلة التي تجوب كافة المحافظات، إلى جانب المنافذ التموينية ضمن مشروع جمعيتي، والتي يبلغ عددها حوالي 8065 منفذاً، في كافة أنحاء الجمهورية.
وتم التنسيق مع 1200 ركن من السلاسل التجارية المشاركة في المبادرة، ويوجد 1300 فرع من المجمعات الاستهلاكية ومنافذ وزارة التموين، بخلاف منافذ وزارة الزراعة والدفاع والداخلية والتنمية المحلية.
وتضمنت معارض "أهلاً رمضان" السلع الأساسية كالزيت، والمعجنات، والسكر، والأرز، والشاي، والبقوليات، وياميش رمضان، والمنظفات، والعديد من السلع الأخرى.
تراجع الإقبال على شراء اللحوم من محال الجزارة
حسين إسماعيل تاجر مواشٍ ولديه محل جزارة بمنطقة عين شمس، قال لـ"عربي بوست" إن أسعار الأعلاف ارتفعت بنسبة تصل إلى 100% خلال الأشهر الماضية، إذ قفزت من 15 ألفاً إلى ما يقرب من 30 ألف جنيه، وعندما انخفض السعر بعد تخفيض قيمة الجنيه كان الانخفاض بمقدار 1000 جنيه فقط.
وأضاف المتحدث أن ذلك دفع لاستمرار ارتفاع الأسعار حتى الآن، مقارنةً بأسعار اللحوم في المجمعات الاستهلاكية وداخل الشوادر الحكومية، مشيراً إلى أنه يبيع كيلو اللحم الكندوز البلدي بـ400 جنيه بعد أن كان 450 قبل التعويم.
وحسب المتحدث فإن كيلو اللحم يتم بيعه بـ250 جنيهاً إلى 300 جنيه لدى المنافذ الحكومية، والأمر ترتَّب عليه تراجع الإقبال على شراء اللحوم لديه، رغم أن موسم رمضان دائماً ما يشهد إقبالاً متزايداً.
وأوضح أنه لن يستطيع خفض الأسعار أكثر من ذلك، لأن ذلك يعني خسارته، إذ إن تسمين العجول وتربيتها يكلف تقريباً 300 جنيه في الكيلو الواحد، وهناك 100 جنيه تعد جزءاً من مكسب الجزار إلى جانب مصروفات العمال والكهرباء والمياه والضرائب وغيرها.
وحسب المتحدث فإن الحكومة تستورد العجول الحية من الخارج بأسعار زهيدة، وتقوم بتسمينها لفترة لا تتجاوز الأسابيع، ثم تقوم ببيعها داخل شودارها، وبالتالي من المنطقي أن تتراجع أسعارها.
يرفض إسماعيل الاتهامات الموجهة بشكل مستمر للتجار بأنهم يرفعون الأسعار لتحقيق أرباح طائلة، في حين أن واقع أسواق تربية المواشي في مصر يشير إلى خروج عدد كبير من التجار، تحديداً الصغار منهم، جراء الخسائر التي تعرضوا لها بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف وتكاليف تربية العجول إلى جانب تكاليف خدمة البيع.
وتفاقم تدهور نشاط أعمال القطاع الخاص غير المنتج للنفط في مصر، خلال فبراير/شباط الماضي، بضغط من أزمتي سعر الصرف والانخفاض الحاد في المبيعات، ما يضع الشركات في منحدر انكماش مزمن قد يطول.
توظيف بيع السلع المخفضة في الدعاية السياسية
يؤكد خبير في الاقتصاد السياسي وعضو بارز بتحالف التيار الحر، أن المنافذ الحكومية يتم توظيفها سياسياً بصورة سلبية، لأن الأحزاب دخلت على خط تقديم السلع المدعمة من خلال الحصول عليها بأسعار مخفضة من الجهات الحكومية وبيعها للمواطنين، وتحاول إقناعهم بتخفيف متاعبهم الاقتصادية.
لكن الواقع، حسب المتحدث، يُشير إلى أنها توظف بيع السلع في الدعاية السياسية، وتظهر في صورة المخلص للأزمات المعيشية التي يعانيها المواطنون، رغم أن ذلك لا يعد ضمن أدوارها، كما أنها تزاحم التجار والمستثمرين وتترك آثارها الاقتصادية السلبية في حال تركت التجار في منافسة مع آلاف المنافذ المنتشرة في المحافظات.
يضيف المصدر لـ"عربي بوست" أن الجانب السياسي يبقى حاضراً في التوسع بتدشين الشوادر والمنافذ، لأن جهات رسمية تحاول أن تخفف من حدة الغضب الذي ينتاب قطاعات كبيرة، بسبب عدم قدرتهم على شراء احتياجاتهم جراء ارتفاع الأسعار.
وحسب المتحدث فإن الوعود التي تلقاها المواطنون بانخفاض الأسعار في أعقاب خطوة التعويم لم تتحقق، والحكومة تُحاول أن تدفع بسلع مخفضة لامتصاص الانفجار الشعبي المعلن بعد تقارير أمنية حذرت من تصاعده، واتهامات للرئيس المصري بابتعاده عن أوجاع الناس، والاهتمام بالتنمية على حساب المواطنين، وأن تخفيض قيمة الجنيه جاءت قبل أيام قليلة من بدء رمضان.
وبحسب وزارة التموين المصرية، فإن حجم إنفاق المصريين على الطعام في شهر رمضان الماضي تخطى 100 مليار جنيه، فيما حجم الإنفاق على السلع الغذائية يتراوح بين 10 إلى 12 مليار جنيه شهرياً.
وتقول الحكومة المصرية إن معدل التضخم قد عاد للارتفاع، في فبراير/شباط 2024، مسجلاً 36% على أساس سنوي، مدفوعاً بارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسب تجاوزت 45%، ودائماً ما تتعرض تقارير التضخم الرسمية كثيراً للتشكيك في دقتها.
وأشارت بيانات مؤشر مديري المشتريات إلى تراجع مشتريات الشركات بأكبر معدل خلال 5 أشهر، وتسارع الضغوط التضخمية على تكلفة الإنتاج إلى أعلى مستوى لها في 13 شهراً، فضلاً عن إبقاء الشركات على توقعات ضعف النشاط الاقتصادي خلال الاثني عشر شهراً القادمة.
تضييق الخناق على التجار
على الجانب المقابل، أكد مصدر حكومي لـ"عربي بوست"، أن المنافذ الحكومية تفعل مفهوم المنافسة، بما يُسهم في التخفيف من آثار الممارسات الاحتكارية، وأن انتشار الجمعيات الاستهلاكية أمر متعارف عليه في العديد من دول العالم، بما فيها الدول المستقرة اقتصادياً.
وأضاف المتحدث أنه في الوقت الحالي هذه المتاجر هي ذراع مهم للدولة المصرية، مع ضعف قدرة الأجهزة الرقابية في التحكم بالأسواق وتركها بدون رادع، وهو ما انعكس على وجود أسواق موازية للعديد من السلع الرئيسية خلال الأشهر الماضية.
ويوضح أن مخاوف التجار مبالغ فيها، لأن الاستهلاك الضخم للمصريين وغيرهم من أبناء الجاليات العربية الموجودين بكثافة يضمن عدم تضررهم، والحكومة عليها أن تضمن بيع السلع بأسعارها الطبيعية، والحديث عن تضرر القطاع الخاص يرتبط باستقرار الأسواق في مصر، والتي تعاني في الفترة الحالية حالة اضطراب، تدفع نحو ضرورة وجود جهات أخرى تحقق قدراً من التوازن.
لكنَّ مصدراً آخر بوزارة التموين المصرية أوضح أن الحكومة فقدت السيطرة على الأسواق، وتركت التجار يتحكمون في أسعار السلع لسبب مجهول، والآن تحاول التغطية على فشلها، لكن عبر أفكار تحقق لها هي أيضاً عامل ربح؛ لأنها لن تبيع بالخسارة، وهناك مشكلات شكا منها المواطنون، منها قلة جودة السلع، وقرب انتهاء صلاحيتها.
يستكمل المصدر: الحكومة تدرك أنها لن تستطع معاقبة التجار، فمنهم من اشترى ما لديه من بضائع بسعر صرف 31 جنيهاً، والبعض الآخر اشتراها بـ70 جنيهاً، وبالتالي يصعب تحميلهم المسؤولية، لأنها هي المسؤولة عن توفير العملة الصعبة اللازمة للاستيراد، ومن هنا جاء البحث عن أساليب ملتوية لتضييق الخناق عليهم، من خلال إغراق الأسواق بسلع منخفضة التكاليف للضغط عليهم لتخفيض الأسعار.
قبل تحرير سعر صرف العملة المحلية، في 6 مارس/آذار، أبقى البنك المركزي المصري على سعر صرف رسمي للدولار عند 31 جنيهاً لشهور، فيما ارتفع سعره في السوق الموازية ليتجاوز 70 جنيهاً، وهي السوق التي يعتمد عليها التجار في الحصول على الدولار اللازم لاستيراد المواد الغذائية.
يُستخدم الدولار لاستيراد الكثير من المواد الغذائية من الخارج، وحتى المواد المصنعة محلياً تتأثر بالدولار. فمصر تستورد مواد غذائية ومحاصيل زراعية بنحو 17 مليار دولار سنوياً، ما يساوي 21% من إجمالي واردات مصر من الخارج.