ألقت الحرب في غزة بظلالها على شهر رمضان المبارك، أما في الضفة الغربية والقدس فإن هذه المناسبة دائماً ما تكون حلوة ومرّة بذات الوقت، في ظل قيود إسرائيلية مشددة، والتي تصاعدت بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة "Washington Post"، الجمعة 22 مارس/آذار 2024.
أثار هذا المناخ القابل للاشتعال مخاوف العديدين من أن يجلب رمضان الاضطرابات إلى القدس والضفة الغربية، في ظل قيود إسرائيلية مشددة على المصلين في الوصول إلى المسجد الأقصى.
قيود إسرائيلية مشددة في القدس
وسافرت خولة مريزي (62 عاماً) من الخليل إلى القدس من أجل الصلاة. وقالت إن تدابير الفحص الإضافية جعلت رحلة الحافلة تستغرق 4 ساعات بدلاً من ساعة ونصف الساعة في الأيام الجيدة.
كما أردفت: "لقد كانت الرحلة صعبةً للغاية علينا نحن سكان الضفة الغربية، لكنني نسيت كل أوجاعي بمجرد الصلاة في الأقصى".
فيما يُخيّم الصمت على البلدة القديمة في القدس، مع حلول وقت الإفطار، بالتزامن مع توجه العائلات إلى البيوت لكسر صيامها معاً، وبعدها يتدفق سيل من الناس نحو الأقصى لتأدية صلاة التراويح.
لكن المشهد كان مختلفاً هذا العام مقارنةً بالأعوام السابقة، على حد قول الباعة، إذ قدّر مالك متجر شاي أن حركة المشاة انخفضت بنسبة 85% في رمضان الجاري، وذلك بسبب قيود إسرائيلية مشددة على الحركة بنسبةٍ كبيرة.
في يوم الثلاثاء 12 مارس/آذار، شابت الاحتفالات في القدس جريمة قتل صبي عمره 12 عاماً على يد الشرطة الإسرائيلية في مخيم شعفاط، الواقع على أطراف المدينة.
إذ قال علي حمدان الحلحولي (61 عاماً)، والد الطفل رامي، عن ضابط شرطة الحدود الذي قتل ابنه: "لقد قتل أملي ومشاعري، كان ابني مجرد طفل".
بينما تعرض 112 طفلاً فلسطينياً على الأقل للقتل في أحداث عنف مرتبطة بالصراع داخل الضفة الغربية والقدس الشرقية، وذلك منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول وحتى مطلع مارس/آذار، بحسب اليونيسف.
الاحتلال يخنق الضفة والمداهمات أكثر تكرارا وعنفا
أما في نابلس فقد تراجع عدد الزبائن الذين يترددون على متجر أحمد مشيح في الطريق الرئيسي بمخيم بلاطة لشراء حلوى اللقيمات، وذلك على حد قوله. لكن الغياب الذي أثر فيه بدرجةٍ أشد هو غياب ابنه مصطفى (21 عاماً)، الذي كان يُعد اللقيمات من العجينة بأصابعه السريعة والخبيرة في العام الماضي.
تعرض مصطفى، الذي يصفه والده بالمقاتل "النشط" في المخيم، للاعتقال في أغسطس/آب عام 2022، بتهمة إطلاق النار على حاجزٍ إسرائيلي.
بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، مُنِعَت العائلة من زيارة السجن الإسرائيلي الذي يحتجز فيه مصطفى، حيث قال مشيح: "نفكر فيه عندما نجلس للإفطار في كل ليلة، هل يأكل؟ هل هو بصحةٍ جيدة؟".
بينما تتمسك العائلة بالأمل في أن يتم الإفراج عن مصطفى ضمن صفقة وقف إطلاق النار في غزة بين إسرائيل وحماس.
يُذكر أن المداهمات العسكرية الإسرائيلية أصبحت أكثر تكراراً وعنفاً، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، على حد قول العائلات. ولا تنام الأمهات في المساء خوفاً من اعتقال أبنائهن أو تعرضهم للقتل.
وقال مراد القطاوي (10 أعوام) الأسبوع الماضي: "أذهب إلى غرفتي وأختبئ في السرير وأغطي نفسي بالبطانيات" حين يأتي الإسرائيليون.
فيما قد قُتِل عمه محمد القطاوي (43 عاماً) في غارة مُسيَّرةٍ إسرائيلية على المدينة، شهر يناير/كانون الثاني.
أما جمعة (72 عاماً)، والد محمد، فقد قال أثناء إفطاره مساء الأربعاء الماضي: "لا طعم لشيء من دون محمد، لقد كان أكبر أبنائي".
في الخليل، هذا هو أول رمضان يقضيه فارس سمامرة، مزارع فلسطيني وأبٌ لـ18 طفلاً، بعيداً عن أرضه التي عمل فيها طوال حياته.
إذ وُلِدَ سمامرة (57 عاماً) في خربة زنوتة، وهي قرية زراعية فلسطينية صغيرة تقع على تلةٍ جنوب جبال الخليل.
ويقول إن المشكلات بدأت قبل ثلاث سنوات مع وصول المستوطنين المتطرفين، إذ بدأ زعيمهم يحرث أرض العائلة ويرعى أغنامه هناك، لكن وتيرة المضايقات ارتفعت بشكلٍ حاد بعد أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، بحسب سمامرة.
وفي الـ28 من أكتوبر/تشرين الأول، حزمت عائلة سمامرة أغراضها ورحلت بدافع الخوف، لتصبح واحدةً من أكثر من 150 عائلة تعرضت "للتهجير القسري" على يد المستوطنين من المجتمعات الريفية الواقعة في الضفة الغربية بعد بدء الحرب، وذلك وفقاً لمنظمة بتسليم الحقوقية. بينما سجلت الأمم المتحدة 658 هجوماً بواسطة المستوطنين على الفلسطينيين، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول.