كشف تقرير لصحيفة Jeune Afrique الفرنسية، المتخصصة في الشأن الأفريقي، الخميس 21 مارس/آذار 2024، عن تفكيك شبكة في إسبانيا تنشط في مجال الاتجار بجثث مهاجرين غير شرعيين المغاربة والجزائريين، الذين فقدوا حياتهم وهم في طريقهم إلى تحقيق "حلم الهجرة إلى أوروبا".
وفق التقرير فإن نشاط هذه الشبكة، يتمثل في منح عائلات الشباب المفقودين معلومات لأقربائهم مقابل مبالغ كبيرة جداً، وهو النشاط الذي توقف بعد أن اعتقلت الشرطة الإسبانية مجموعة من أبرز أعضائها.
من شاب متطوع إلى متاجر في جثث مهاجرين غير شرعيين
يُوثِّق فرانسيسكو خوسيه كليمينتي مارتن، المقيم في ألمرية، القوارب التي تُنزل عشرات المهاجرين القادمين من الجزائر أو المغرب أو دول أفريقيا جنوب الصحراء كل يوم. ويصور كل شيء، بدايةً بالقوارب المُستغيثة أو التي وصلت بأمان، والجثث التي جرفتها الأمواج على الشاطئ، وحتى الأغراض الخاصة بالمهاجرين غير الشرعيين الغرقى أو رفاتهم المخزن في المشارح. ثم ينشر ذلك كله على صفحته في فيسبوك التي يتابعها الآلاف.
وبعد مضي أشهر من مشاركة المنشورات التي تتابعها بعض العائلات بحثاً عن بصيص أمل، تحوّل الشاب الإسباني المتطوع في المركز الدولي للتعرف على المهاجرين المفقودين إلى مصدر معلومات ثمين بالنسبة للباحثين عن أبسط معلومة، وأصغر دليل، وأدنى أثر لشخص عزيز ربما غرق قرب السواحل الإسبانية أو تعرض للاحتجاز في مكانٍ ما أو بقي رفاته داخل إحدى المشارح.
لكن كل ذلك توقف في السبت التاسع من مارس/آذار 2024، عندما احتجز الحرس المدني مارتن على ذمة التحقيق في مخالفات مرتبطة بالتعرف على رفات المهاجرين الجزائريين والمغاربة وإعادتهم إلى أوطانهم الأم.
شبكةٌ تساعد العائلات مقابل مبالغ ضخمة من المال
يستهدف القاضي المُكلَّف راؤول سانشيز كونيسا، من مركز التحقيقات في محكمة قرطاجنة بمنطقة مرسية، نحو 15 شخصاً من المشتبه في حصولهم على أموالٍ من عائلات المختفين -وذلك مقابل منحهم معلومات جمعوها من المشارح أو توفير خدمات الجنازة. وتقول المعلومات المنشورة في صحيفتي El País وLa Verdad الإسبانيتين إن التحقيقات تشمل عدة مدن من بينها ألمرية، ومرسية، ولقنت، ومدريد.
وأشارت المحكمة العليا في مرسية إلى أن الأشخاص المعنيين يخضعون للتحقيق بتهمة الانتماء لتنظيم إجرامي، والاحتيال، وتزوير الوثائق العامة، وارتكاب جرائم تنتهك حرمة المتوفين. وأسفرت عمليات تفتيش 13 منزلاً في مرسية، وألمرية، وجيان عن استرداد 70 ألف يورو نقداً ومصادرة أجهزة حاسوب ومعدات تقنية.
كما ضمت قائمة المشتبه بهم عدداً من موظفي دور الجنازات وأشخاص يعملون في السلك القضائي داخل مصلحة الطب الشرعي في قرطاجنة. ويأتي على رأس تلك الشبكة رشيد ساحلي الذي تم حبسه احتياطياً. كما ضمت القائمة أنتونيو سي إتش، مالك دار جنازات يقع في بلدية آبار الرتبة، وقد وضعه قاضي التحقيقات رهن الاحتجاز قبل المحاكمة.
يمتلك رشيد ساحلي، المغربي المقيم في مرسية، شركة خدمات جنازات خاصة به تحمل اسم Servicios Funerarios Ibn Sina وتتخصص في إعادة رفات الموتى إلى شمال أفريقيا.
فقد بدأت قضية رفات المهاجرين غير الشرعيين في عام 2022 بسبب شكوى من نشر صور لمهاجرين جزائريين ومغاربة غرقوا قرب السواحل الإسبانية، وذلك أثناء محاولة عبور البحر في قوارب بدائية الصنع. ويُشير التقاط الصور المذكورة في المشارح إلى تورط العاملين فيها. كما جرى إرسالها إلى أسر المفقودين لمساعدتهم في التعرف عليها، وذلك مقابل مبالغ ضخمة من المال. وبمجرد التعرف على الجثة، تتواصل الشبكة بقيادة رشيد مع العائلات نفسها لتعرض عليهم خدمات الجنازة وإتمام الإجراءات الإدارية من أجل إعادة الرفات، وذلك في مقابل أجرٍ كبير إضافي.
زيادة كبيرة في أعداد المفقودين عام 2023
في السياق، ذكرت صحيفة El País أن المبالغ التي حصلوها تراوحت بين 3.000 و10.000 يورو من كل أسرة، مع اشتراط سداد المبلغ قبل مباشرة الإجراءات. وهذا يعني أن أفراد الشبكة استغلوا محنة وفزع الآباء للحصول على مبالغ ضخمة من المال. وتفيد الإحصاءات الرسمية بوصول 57 ألف شخص إلى إسبانيا عبر الطرق البحرية غير الشرعية في عام 2023، وذلك مقارنةً بـ32 ألف شخص في العام السابق. وشهد العام زيادة كبيرة في أعداد المفقودين بحراً أيضاً. حيث ذكرت منظمة Caminando Fronteras الأهلية أن عدد الوفيات أثناء العبور بلغ 6.618 مهاجراً، بينهم 611 شخصاً من الجزائر والمغرب.
وتغطي الدولة الجزائرية كافة التكاليف المرتبطة بإعادة رفات المواطنين الجزائريين المتوفين في الخارج منذ عام 2017، وذلك تحت مظلة "صندوق التضامن للرعايا الجزائريين المتوفين في الخارج". وتشارك القنصليات والسفارات الجزائرية في عملية التعرف على الجثث وإعادتها.
وربما تنجح بعض العائلات الجزائرية في استعادة رفات أبنائها ببعض الصعوبة، بعد طلب المساعدة من السلطات القنصلية، لكن العائلات الأخرى لا تعلم بوجود هذه المساعدات وآليات التضامن، لهذا فهي مستعدة لفعل أي شيء من أجل الوصول إلى الرفات. وهنا يأتي دور تجار الجثث الذين يحتالون على تلك العائلات.