نشر الصحفي الأمريكي توماس فريدمان مقالاً بصحيفة نيويورك تايمز، الثلاثاء 19 مارس/آذار 2024، سلَّط فيه الضوء على تصريحات زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأمريكي تشاك شومر، بشأن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كما تحدث الصحفي الأمريكي عن التحديات التي أصبح بايدن يواجهها بسبب حرب الاحتلال في غزة بسبب سياسة نتنياهو.
وتساءل فرديمان عما يحدث في العلاقة بين الولايات المتحدة ونتنياهو، للدرجة التي دفعت شخصاً مخلصاً لرفاهية إسرائيل مثل تشاك شومر، إلى دعوة الإسرائيليين إلى استبدال نتنياهو، وإلقاء خطابه الذي وصفه فريدمان بالذكي وانتبه للحساسيات، وقد أشاد به الرئيس بايدن نفسه، ووصفه بأنه "خطاب جيد" يوضح المخاوف المشتركة بين "العديد من الأمريكيين".
الجواب حسب فريدمان يتعلق بتحول عميق في السياسة الأمريكية والجغرافيا السياسية عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط، وهو التحول الذي كشفته حرب الاحتلال ضد غزة، وجعل من رفض نتنياهو التعبير عن أي رؤية للعلاقات الإسرائيلية الفلسطينية مبنية على أساس دولتين لشعبين، تهديداً لأهداف السياسة الخارجية لبايدن وفرص إعادة انتخابه.
وأضاف فريدمان بشأن تحول نتنياهو إلى مشكلة كبيرة للولايات المتحدة وبايدن جيوسياسياً وسياسياً، أن استراتيجية أمريكا بأكملها في الشرق الأوسط في الوقت الحالي، بالإضافة إلى مصالح إسرائيل طويلة المدى، تعتمد على شراكة إسرائيل مع السلطة الفلسطينية غير التابعة لحماس.
كما تعتمد على احتياجات التنمية الطويلة الأجل للفلسطينيين، وفي نهاية المطاف بشأن حل الدولتين، وقد استبعد نتنياهو ذلك صراحةً، إلى جانب أي خطة أخرى مكتملة لليوم التالي في غزة.
تحديات تواجه بايدن ومصيره السياسي بسبب حرب غزة
فريدمان تحدث في مقاله عن 6 أسباب جميعها تتعلق بالتحدي الذي يواجهه بايدن ومصيره السياسي:
السبب الأول: لم يضطر أي جيش على الإطلاق إلى قتال عدو في مثل هذه البيئة الحضرية الكثيفة التي تتضمن ما يقدر بنحو 350 إلى 450 ميلاً من الأنفاق تحت الأرض الممتدة من أحد أطراف منطقة الحرب إلى الطرف الآخر، ونتيجة لذلك فإن مثل هذه الحرب في المدن كانت ستتسبب دائماً في وقوع العديد من الضحايا بين المدنيين الأبرياء، حتى مع أكثر الجيوش حذراً، ناهيك عن غضب جيش الاحتلال من عملية طوفان الأقصى.
السبب الثاني: يقول فريدمان إن تم تصميم منصة تيك توك لحرب مثل هذه، مقاطع فيديو مدتها 15 ثانية لأسوأ معاناة إنسانية، يتم بثها باستمرار، وفي مواجهة هذا التسونامي الإعلامي كانت إسرائيل بحاجة إلى رسالة واضحة بالالتزام بعملية السلام بعد الحرب، والتوجه نحو حل الدولتين، ولكن لم يكن لدى إسرائيل أي منهما، ونتيجة لذلك فإن إسرائيل لا تنفر العديد من الأمريكيين العرب والأمريكيين المسلمين فحسب، كما يقول مسؤولو إدارة بايدن، ولكنها أيضاً معرضة لخطر فقدان الدعم بين جيل كامل من الشباب العالمي (بما في ذلك جزء من قاعدة الحزب الديمقراطي).
السبب الثالث: هذه ليست حرباً "انتقامية"، مثل كل الحروب السابقة بين حماس وإسرائيل
هذه الحرب كما يقول فريدمان تهدف إلى تدمير حماس إلى الأبد، لذلك كانت إسرائيل بحاجة منذ البداية إلى تصور بديل لكيفية حكم غزة بشكل شرعي من قبل فلسطينيين، ولن يتقدم أي فلسطيني على الإطلاق لهذه المهمة دون عملية شرعية لحل الدولتين على الأقل.
السبب الرابع: كانت عملية طوفان الأقصى تهدف إلى منع إسرائيل من الاندماج أكثر من أي وقت مضى في العالم العربي، بفضل اتفاقيات إبراهيم، وعملية التطبيع الناشئة مع المملكة العربية السعودية، وبالتالي كان لا بد من تصميم رد إسرائيل بطريقة تحافظ على تلك العلاقات الحيوية الجديدة، ولن يكون هذا ممكناً إلا إذا كانت إسرائيل تحارب حماس في غزة بيد وتسعى بنشاط إلى إقامة دولتين باليد الأخرى.
السبب الخامس: كان لهذه الحرب بعد إقليمي كبير، حيث سرعان ما وجدت إسرائيل نفسها تقاتل حماس في غزة، ووكلاء إيران في لبنان واليمن وسوريا والعراق.
وأكد فريدمان في مقاله أن الطريقة الوحيدة التي يمكن لإسرائيل من خلالها بناء تحالف إقليمي -وتمكين الرئيس بايدن من المساعدة في تشكيل الحلفاء الإقليميين- هي أن تسعى إسرائيل في الوقت نفسه إلى عملية سلام مع الفلسطينيين، وهذا هو الأساس الضروري لتحالف إقليمي ضد إيران، وبدون هذه المادة الرابطة فإن استراتيجية بايدن الكبرى المتمثلة في بناء تحالف ضد إيران وروسيا (والصين)، يمتد من الهند عبر شبه الجزيرة العربية عبر شمال أفريقيا، وحتى الاتحاد الأوروبي/حلف شمال الأطلسي، ستواجه وضعاً حرجاً، فلا أحد يرغب في الانضمام لحماية إسرائيل التي يهيمن على حكومتها متطرفون يريدون احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة بشكل دائم.
ولهذا السبب قال شومر: "لا أحد يتوقع من رئيس الوزراء نتنياهو أن يفعل الأشياء التي يجب القيام بها لكسر دائرة العنف، والحفاظ على مصداقية إسرائيل على المسرح العالمي، والعمل نحو حل الدولتين"، بينما دعا شومر أيضاً رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس للتنحي جانباً وإفساح المجال لجيل جديد يحكم هناك أيضاً بشكل أفضل.
السبب السادس والأخير: أوضح لي العالم السياسي غوتام موكوندا، مؤلف كتاب "اختيار الرؤساء" هذه النقطة الأخيرة والجيدة: "إن صعود اليسار التقدمي وتحالف نتنياهو الضمني مع ترامب أدى إلى إضعاف الدعم لإسرائيل بين الديمقراطيين، فإذا خاضت إسرائيل حرباً في غزة أسفرت عن سقوط العديد من الضحايا المدنيين، لكنها لم تقدم أي أمل سياسي في مستقبل أفضل لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين، فإنها بمرور الوقت تحجب ذكريات الناس عن أهوال السابع من أكتوبر، ودعمهم لإسرائيل في أعقابها، وهذا يجعل من الصعب بشكل متزايد حتى على الشخصيات الأمريكية الأكثر تأييداً لإسرائيل -مثل شومر- الاستمرار في دعم الحرب في مواجهة التكاليف الدولية والمحلية الهائلة".
على هذا النحو، يعتقد فريدمان أن استراتيجية بايدن ستتكشف بهذه الطريقة على الأرجح بالضغط بأقصى قدر ممكن على جميع الأطراف، للتوصل إلى وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن مرة أخرى، ومن شأن وقف الأعمال العدائية أن يؤدي إلى تجميد أي خطط عسكرية إسرائيلية لغزو واسع النطاق لرفح، وبعد ذلك استخدام وقف إطلاق النار للتوصل إلى اتفاق كبير وجديد بين الولايات المتحدة والعرب والاتحاد الأوروبي، تشمل مبادرة السلام التي توفر للإسرائيليين نطاقاً وعمقاً من التطبيع مع الدول العربية، بما في ذلك السعودية، وضمانات أمنية، أكثر من أي وقت مضى، مرافقة لحل الدولتين.
فريدمان يهاجم نتنياهو
في وقت سابق قال الكاتب الأمريكي الشهير توماس فريدمان إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيُدرج في التاريخ باعتباره أسوأ زعيم في التاريخ اليهودي.
وقال في مقابلة مع صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية: "سأكون صادقاً، أعتقد أن هذه هي أسوأ حكومة شهدتها إسرائيل على الإطلاق. وأعتقد أن نتنياهو سيُدرج في التاريخ باعتباره أسوأ زعيم في التاريخ اليهودي، وليس فقط في التاريخ الإسرائيلي".
وأضاف: "لن أسمح لهذه الحكومة الإسرائيلية بأن تكون نوادل في حفل بلوغ حفيدي، إنهم غير أكفاء حقاً"، في إشارة إلى الفشل في إدارة حكومة نتنياهو الحرب على غزة.
وانتقد فريدمان رفض الحكومة وضع أي نوع من الخطط للصباح التالي للحرب.
اعتبر أنه إذا دخلت إسرائيل في شراكة مع السلطة الفلسطينية "لتشكيل دولتين لشعبين، فيمكنها حل ثلاث من مشاكلها الحالية: تغيير السرد، وتغيير خيارات غزة، وتعزيز التحالف الإقليمي مع حلفائها العرب".
ووصف فريدمان، الكاتب في صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، الحرب الإسرائيلية على غزة بأنها "الحرب العالمية الثانية الحقيقية" وقال: "عندما اندلعت حرب أوكرانيا قلت: هذه في الواقع الحرب العالمية الأولى، والحرب التي نسميها "الحرب العالمية الأولى" لم تكن حرباً عالمية".
اختتم فريدمان المقابلة بتحذيرين شديدين للأمريكيين: لا تعيدوا انتخاب (الرئيس الأمريكي السابق دونالد) ترامب، وللإسرائيليين: صوتوا لإسقاط نتنياهو وحكومته الائتلافية.
وقال فريدمان: "أعتقد أنه إذا نجا نتنياهو من هذه الحرب وأعيد انتخاب ترامب، فإن العالم الذي أريد أن أتركه لأحفادي الجدد لن يكون موجوداً".