قال ممثل ادعاء، يوم الإثنين 18 مارس/آذار 2024، أمام محكمة في روما تنظر قضية الإيطالي جوليو ريجيني، الذي عُثر عليه ميتاً في مصر قبل ثماني سنوات تقريباً، إن الشرطة المصرية ألقت القبض على ريجيني؛ اعتقاداً منها بأنه جاسوس بريطاني، ونقلته إلى مقر أمني حيث تعرض للتعذيب والقتل.
ريجيني الذي عُثر عليه ميتاً في مصر
في حين تتهم إيطاليا أربعة من أفراد الأمن المصريين بخطف وقتل ريجيني، طالب الدراسات العليا بجامعة كامبريدج البريطانية، في القاهرة عام 2016.
ويحاكَم الرجال الأربعة غيابياً، ولم يردوا علناً على الاتهامات. ودأبت السلطات المصرية على نفي أي ضلوع للدولة في اختفاء ريجيني ووفاته.
وقال ممثل الادعاء سيرجيو كولايوكو، في الجلسة الثانية للمحاكمة: "الصورة العامة التي ظهرت هي صورة لشبكة أحكمها المتهمون ببطء حول ريجيني بين سبتمبر/أيلول 2015 و25 يناير/كانون الثاني 2016".
وأضاف كولايوكو: "بسبب هذا النشاط، اقتنع المتهمون خطأ بأن ريجيني كان جاسوساً إنجليزياً، أُرسل لتقديم التمويل لنقابات مقربة من جماعة الإخوان المسلمين".
وتابع أن ريجيني تعرض لـ"تعذيب مروع" على مدار أسبوع، ثم قُتل عمداً، مضيفاً أن تفاصيل معاناته سيتم الكشف عنها في جلسة لاحقة.
تعاون الشرطة المصرية!
يطالب الادعاء بمثول 73 شخصاً إجمالاً للإدلاء بشهاداتهم، منهم 27 يعيشون في مصر. واعترف كولايوكو بأن إيطاليا تحتاج إلى تعاون الشرطة المصرية لإرسال مذكرات إلى هذه المجموعة؛ لإخبارهم بأنه يتعين عليهم الإدلاء بشهاداتهم.
ولم يتضح ما إذا كانت قضية الادعاء ستقوَّض تماماً إذا أحجم الشهود المصريون عن الإدلاء بشهاداتهم.
وفي البداية، شارك مدعون إيطاليون ومصريون في التحقيق بالقضية، لكنهم توصلوا إلى استنتاجات مختلفة. فقد ألقت مصر بمسؤولية القتل على مجموعة من رجال العصابات بعد أن كانت قد أشارت في بادئ الأمر، إلى أن ريجيني توفي في حادث طريق أو في ملابسات اعتداء جنسي.
توتر بين مصر وإيطاليا
تسببت القضية في توتر العلاقات الدبلوماسية بين إيطاليا ومصر، لكن فيما يدل على عودة العلاقات إلى طبيعتها، توجهت رئيسة الوزراء جورجا ميلوني، إلى القاهرة، الأحد، ضمن وفد أوروبي وقَّع "شراكة استراتيجية" بمليارات اليورو مع مصر.
وندد بالزيارة الحزب الديمقراطي، حزب المعارضة الرئيسي من يسار الوسط في إيطاليا، وقالت زعيمة الحزب إيلي شلاين: "لن نبرم صفقات مع أنظمة مثل النظام في مصر، الذي ظل لسنوات يحمي قتلة جوليو ريجيني".
كان ريجيني في القاهرة لإجراء بحث حول النقابات المستقلة بمصر من أجل أطروحته للدكتوراه. ويقول رفاقه إنه كان مهتماً أيضاً بهيمنة الدولة والجيش طويلة الأمد على الاقتصاد المصري. وكلا الموضوعين حساس في مصر.
ويقول ممثلو الادعاء، إن لديهم أدلة تثبت أن شريف عيَّن مخبرين لتعقُّب ريجيني، وانتهى الأمر بالقبض عليه في محطة مترو بالقاهرة. وتقول لائحة الاتهام إن شريف ومسؤولين مصريين آخرين مجهولين قاموا بعد ذلك بتعذيب ريجيني على مدار عدة أيام؛ ما سبَّب "معاناة جسدية شديدة".
وعندما انطلقت المحاكمة في البداية عام 2021، قال المدعي سيرجو كولايوكو، للمحكمة إن مصر حاولت إعاقة التحقيق وحالت دون إبلاغ المشتبه فيهم بالتهم الموجهة إليهم.
عائلة ريجيني تسعى لمعاقبة الجناة
في حين أكد والدا جوليو ريجيني، كلاوديو وباولا، القول: "نحن حاضرون هنا بعناد"، لدى دخولهما إلى قاعة محكمة الجنايات الأولى في روما يوم الإثنين، برفقة محاميتهما أليساندرا باليريني، لحضور جلسة الاستماع الجديدة للمحاكمة الغيابية ضد المتهمين الأربعة من عناصر الاستخبارات المصرية، وذلك وفق ما نشرته وكالة (آكي) الإيطالية للأنباء، يوم الإثنين 18 مارس/آذار 2024
ووفقاً لمصادر إعلامية، يتعلق الأمر بمدير الأمن الوطني اللواء طارق صابر، ومعاونِيه العقيدين آسر كامل محمد إبراهيم وحسام حلمي؛ والرائد مجدي إبراهيم عبد العال الشريف.
في هذا السياق، لم يعلق الوالدان على زيارة رئيسة الوزراء جورجا ميلوني لمصر، بينما تشهد الساحة أمام المحكمة اعتصاماً تضامنياً يشارك فيه كبار مسؤولي الاتحاد الوطني للصحافة الإيطالية أيضاً.
هذا ويواجه المتهمون الأربعة تهماً بارتكاب جريمة اختطاف تفاقمها عوامل متعددة. كما يتهم المدعون الأخيرَ بين الأربعة، بالتورط في إلحاق إصابة جسيمة بشخص الضحية، والتواطؤ في جريمة قتلها المشدد.
يُذكر أن عائلة ريجيني ورئاسة مجلس الوزراء يمثلان الأطراف المدنية في إطار الإجراءات القضائية، وتوصلت لجنة برلمانية إيطالية خاصة، في ديسمبر/كانون الأول 2021، بعد أسابيع من تعليق القضية، إلى أن "المسؤولية عن اختطاف جوليو ريجيني وتعذيبه وقتله تقع مباشرة على الأجهزة الأمنية في جمهورية مصر العربية، لا سيما على أفراد في جهاز الأمن الوطني".
واتهمت اللجنة أيضاً أجهزة القضاء المصرية بـ"التصرف بشكل معرقل ومُعادٍ بشكل علني"، بامتناعها عن الكشف عن أماكن وجود المتهمين. وبحسب المحقّقِين الإيطاليين، فإن عناصر الأمن المصريين "قاموا بتعذيبه (ريجيني) طوال أيام عدة، عبر حرقه وركله ولكمه وباستخدام أسلحة بيضاء وعصيّ" قبل أن يقتلوه. ورفضت السلطات المصرية بشدّةٍ هذه الرواية.
جدير بالذكر أن وكالة الأنباء الإيطالية ANSA قد قالت في تقرير لها يوم الإثنين 19 فبراير/شباط 2024، إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإيطالي السابق ماتيو رينزي، ووزير الخارجية الإيطالي السابق باولو جينتيلوني، كانوا ضمن الأسماء التي تضمنتها قوائم الشهود المقدمة عن طريق أطراف القضية المرفوعة ضد ضباط استخبارات مصريين متهمين باختطاف الطالب الإيطالي جوليو ريجيني وتعذيبه وقتله، في القاهرة بين شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 2016، والتي تُفتتح إجراءاتها أمام محكمة الجنايات الأولى في روما، وذلك حسب ما كشف عنه مصدر قضائي، الإثنين 19 فبراير/شباط 2024.