تداول نشطاء على منصات التواصل الاجتماعي مقطع فيديو للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، السبت 9 مارس/آذار 2024، يتحدث فيه عن الواقع الاقتصادي في مصر وقيمة الجنيه، كاشفاً في الوقت ذاته، حجم الجهود التي بذلتها حكومته من أجل إنقاذ البلاد.
الواقع الاقتصادي في مصر وقيمة الجنيه
السيسي، الذي كان يتحدث أمام مسؤولي نظامه، من الحكومة والجيش الشرطة، وذلك في الندوة التثقيفية الـ39 للقوات المسلحة، بمناسبة الاحتفال بيوم الشهيد، قال إن: "مفيش مثلاً 10 أو 12 مليار دولار خرجوا من مصر علشان فيه المسؤولين بالدولة خدوهم"، وأضاف أن مثل هذه الأمور لم ولن تحدث على الإطلاق.
السيسي قال كذلك في كلمته: "أنا مش عاوز أسيء لحد قبل كده.. بس أنا والله العظيم ملقتش بلد.. أنا لقيت أي حاجة وقالولي خد دي.. إحنا إمكانياتنا مش كبيرة"، وذكر أن الدولة كانت تعيش على 6% من مساحتها، وارتفعت حالياً إلى 12%، متسائلاً: "كنا قاعدين نجري وراء بعضنا في الـ6% من أسوان للإسكندرية، لغاية ما البلد كانت صعبة علينا كلنا".
كذلك قال السيسي إن توفر الأموال التي حصلت عليها مصر مؤخراً يسهم في تطبيق سعر مرن، مضيفاً: "لما يبقى الرقم ده عندي أعمل سعر مرن طبقاً للطلب يبقى ممكن أنجح، لكن غير كده كان ممكن يكون فيه مشكلة كبيرة في مصر، وهل عاتبت رجال أعمال وناس كتير في مصر الدولار، وراهنوا عليه ولا ياخدوه ولا كده، هل عاتبت حد؟، هل عاتبت ناس جابت البضائع وسعّرت على أن الدولار بـ70 أو 80، ولا قولت للحكومة حاولوا تنظموا الموضوع من خلال أجهزة الدولة المختلفة؟
حديث السيسي عن الدولة المصرية أثار انتقادات نشطاء كثر على مواقع التواصل الاجتماعي، فقال الأكاديمي المصري تقادم الخطيب في حسابه على "إكس": "بسيطة خالص، كنت تقدر تقول مش هاخدها/ماتلزمنيش ماحدش كتبها على اسمك يعني، أنت لقيت بلد كان سعر الدولار فيها 6 جنيه، بس دمّرتها وخربتها ومرمطت بها الأرض، وجعلتها أضحوكة بين الأمم".
في حين قال حساب آخر على "إكس": "#السيسي: "أنا والله العظيم ملقتش بلد.. أنا لقيت "أي حاجة" وقالولي خد دي"، هل هناك رئيس تحدث عن #مصر على مر العصور بهذه المهانة؟!".
كذلك قال حساب على "إكس": "ما قالها له احد: اخرس" #السيسي: أنا والله العظيم ملقتش بلد.. أنا لقيت "أي حاجة"… و"قالولي" خد دي… خطاب #السيسى وكالعادة المهين والمشين لا يوجّه إلا للمصريين. سيكتب التاريخ أننا الشعب الذي جعل من السفاح المهرج رئيس، ولأكثر من 10 سنوات سفه منا وحط من كرامتنا ما استطاع".
تعويم الجنيه المصري
يأتي ذلك في الوقت نفسه الذي نفذ فيه البنك المركزي المصري عملية تحريك كامل لسعر صرف الجنيه المصري (التعويم الحر)، الأربعاء، لتحدد قوى العرض والطلب داخل الأسواق المحلية، أسعار بيع وشراء الجنيه.
في مؤتمر صحفي له، الأربعاء، أكد محافظ البنك المركزي المصري حسن عبد الله، أن البنك ترك سعر صرف العملة المحلية "الجنيه" تحدده قوى العرض والطلب في الأسواق.
ويعني ذلك، أن أسعار الصرف أصبحت خاضعة للعرض والطلب على العملة المحلية في الأسواق المصرية، لكن عبد الله أكد أن البنك سيتدخل فوراً عند أية تحركات غير منطقية.
بذلك، أصبح الدولار الأمريكي يُباع في السوق المصرية خلال التعاملات المبكرة، الخميس، 49.5 جنيه، مقارنة مع 50 جنيهاً بعد إعلان تحريك سعر الصرف أمس الأربعاء، و31 جنيهاً قبيل قرار البنك المركزي.
تسلسل زمني
بالعودة إلى 10 سنوات مضت، كان سعر صرف الدولار الأمريكي في السوق المصرية يبلغ 6.8 جنيه، مقارنة مع 5.8 جنيه قبيل ثورة يناير 2011، التي تسببت بالإطاحة بنظام الرئيس حسني مبارك.
2014، كان العام الذي تولى فيه الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي رئاسة مصر، وبالتحديد منذ 3 يونيو/حزيران 2014، حينها كان يُباع الدولار بـ6.9 جنيه مصري.
في تلك الفترة واجهت مصر تحديات مرتبطة بترقب المستثمرين الأجانب استقرار السوق المصرية، وتباطؤ السياحة الوافدة، واتجاه الدولة إلى الاقتراض لتلبية الطلب المتزايد على النقد الأجنبي.
وواصل الجنيه المصري التراجع التدريجي والبطيء في السوق الرسمية خلال 2015 و2016، وهو العام الذي نشطت فيه السوق الموازية لسعر الصرف، حين بلغ الدولار 22 جنيهاً، مقارنة مع 8.8 جنيه في السوق الرسمية.
في نوفمبر/تشرين ثاني 2016، توصلت مصر لاتفاق مع صندوق النقد الدولي على برنامج إصلاح اقتصادي، يرافقه قرض مالي بقيمة 12 مليار دولار.
واشترط الصندوق للتوقيع على اتفاق القرض والإصلاح الاقتصادي، تنفيذ تعويم للجنيه، وهو ما تم في 3 نوفمبر/تشرين ثاني 2016، ما دفع إلى تراجع الجنيه إلى متوسط 17 أمام الدولار.
بعد شهور قليلة من التعويم، قضت الحكومة المصرية والبنك المركزي على السوق الموازية، وأصبح هناك سعر واحد للجنيه في الأسواق حتى مارس/آذار 2022، بلغ 16 جنيهاً.
وفي الفترة بين 2017 و2022، نجحت الحكومة المصرية بإدارة سوق الصرف في إحدى أكثر الفترات صعوبة على الاقتصاد المحلي خلال الألفية الحالية، تمثلت بتفشي جائحة كورونا.
مع انتشار الفيروس وغلق العالم أبوابه وتعليق صناعة السياحة وهبوط الاستثمار الأجنبي على مستوى العالم، كانت الحكومة المصرية والبنك المركزي يقودان مهمة توفير النقد الأجنبي لتلبية النفقات، بصدارة الاقتراض من الخارج.
100 مليار دولار
بالمتوسط، تشير بيانات البنك المركزي المصري إلى أن مداخيل الدولة من النقد الأجنبي، تبلغ قرابة 100 مليار دولار، معظمها يأتي من السياحة الوافدة، وتحويلات العمالة بالخارج، وعوائد الصادرات ورسوم الملاحة عبر قناة السويس.
في المقابل، تتجاوز النفقات السنوية بالنقد الأجنبي قرابة 130 مليار دولار، معظمها يتجه لدفع فاتورة الواردات، وسداد ديون دولية وفوائد أقساط الديون المستحقة.
في الربع الأخير 2021، واجهت مصر زيادات متتالية على أسعار المستهلك، مدفوعة بزيادات أسعار الوقود، والغذاء العالمي بالتزامن مع استمرار أزمة تذبذب سلاسل الإمدادات بعد جائحة كورونا.
وكانت النقطة المفصلية الأصعب، اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير/شباط 2022، وارتفاع التضخم العالمي لمستويات قياسية بصدارة أسعار النفط والمشتقات والحبوب وأسعار الغذاء.
مع اندلاع الحرب، تخارجت استثمارات أجنبية من مصر بأكثر من 20 مليار دولار وفق وزارة المالية المصرية، بينما تضاعفت كلفة الواردات الشهرية من السلع من 5.5 مليار دولار شهرياً إلى 9.5 مليار بسبب التضخم.
اضطر البنك المركزي المصري إلى تنفيذ تحريك في سعر الصرف، مع ظهور السوق الموازية للجنيه، والدخول في مباحثات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد.
في مارس/آذار 2022 بلغ الدولار في السوق المصرية 18.9 جنيه من 16 جنيهاً سابقاً، تبعه تحريك ثانٍ وثالث في سعر الصرف خلال النصف الثاني 2022، ليبلغ سعر صرف الدولار 31 جنيهاً.
في ديسمبر/كانون أول 2022، أعلنت مصر التوصل لاتفاق قرض مالي بقيمة 3 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي، ضمن برنامج إصلاحات اقتصادية.
استقرار سعر صرف الدولار
منذ ذلك التاريخ، استقر سعر صرف الدولار عند 31 جنيهاً، لكنه شهد ازدهاراً أكبر في السوق الموازية، والتي بلغت فيها أسعار الصرف 40 ثم 50 ثم 60 وصولاً إلى 70 جنيهاً حتى منتصف فبراير/شباط الماضي.
ازدهار السوق الموازية، تزامن مع اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ومعها تراجعت مداخيل مصر من النقد الأجنبي.
يعود تراجع المداخيل، بسبب هبوط صناعة السياحة، وتراجع قيمة رسوم عبور قناة السويس بنسبة 50%، مطلع العام الجاري، بسبب هجمات جماعة الحوثي على السفن المرتبطة بإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا، العابرة للبحر الأحمر.
جدير بالذكر أنه ومنذ الشهر الأول للحرب على غزة، أكد صندوق النقد أنه سيتحرك لمساعدة مصر لمواجهة أزمتها النقدية والمالية، وهو ما توج أمس الأربعاء بتوقيع اتفاق قرض مالي جديد بدل الموقع في ديسمبر 2022، البالغ 3 مليارات دولار ويبلغ القرض الجديد للصندوق 8 مليارات دولار، ويأتي إعلانه بعد ساعات من رفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة بمقدار 600 نقطة أسعار، وتنفيذ تحريك كامل لسعر صرف الجنيه.