خرج المئات من اليهود المتدينين "الحريديم"، الأحد 3 مارس/آذار 2024، في مظاهرات في القدس المحتلة، احتجاجاً على عزم حكومة الاحتلال تعديل نظام تجنيد اليهود المتدينين، وإلغاء إعفائهم منه.
وانتشرت مجموعة من المقاطع على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تظهر المئات منهم وهم يغلقون مجموعة من الشوارع في القدس المحتلة، إلى جانب نشوب اشتباكات بين عدد منهم وقوات الاحتلال.
يشار إلى أن اليهود الأرثوذكس أو "يهود الحريديم"، يعتبرون تياراً دينياً متشدداً، وكلمة "الحريديم" تعني "التقي" باللغة العربية.
وقد أعفيَ اليهود "الحريديم" من الخدمة العسكرية منذ سنة 1948، بدعوى أنهم سيكرسون وقتهم من أجل تعلّم التوراة.
أزمة تجنيد اليهود المتدينين
فقد عادت مسألة تجنيد اليهود المتدينين أو "الحريديم" إلى الواجهة مجدداً في إسرائيل، وباتت تهدد بقاء حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وهو الائتلاف الأكثر تشدداً بتاريخ إسرائيل.
وكانت حكومة نتنياهو مررت قراراً في يونيو/حزيران 2023 يأمر الجيش الإسرائيلي بعدم تجنيد طلاب المعاهد الدينية الحريدية لتسعة أشهر، حتى تقوم بصياغة قانون جديد، وتنتهي فاعلية القرار نهاية مارس/آذار الجاري.
وقال موقع "واينت" الإخباري، الجمعة 1 مارس/آذار 2024، إن الأمر المؤقت الصادر عن الحكومة ينتهي في 31 مارس/آذار، وإذا لم يتم طرح قانون ينظم القضية في الكنيست بحلول ذلك الوقت، فسيتعين على الجيش تجنيد اليهود المتدينين في وقت مبكر من الأول من أبريل/نيسان المقبل.
وأفاد الموقع أنه بموجب قرار المحكمة العليا الإثنين الماضي، فإن على الحكومة بحلول 24 إلى 31 مارس/آذار أن تقدم ردها على سبب عدم إلغاء قرارها إعفاء المتدينين الإسرائيليين من الخدمة العسكرية الإلزامية.
وكانت المحكمة العليا الإسرائيلية نظرت في التماسات دعت الى إلزام الحكومة بتجنيد اليهود المتدينين وطلاب المدارس الدينية اليهودية في الجيش.
وفي عام 2017 اعتبرت المحكمة أن الإعفاءات الشاملة من الخدمة العسكرية لطلاب المدارس الدينية الحريدية "تمييزية وغير قانونية".
وحتى اليوم، فشلت محاولات عديدة لصياغة تشريع يرضي الأحزاب على اختلاف توجهاتها، فالأحزاب الدينية تضغط على نتنياهو من أجل تمرير قانون يعفي الطلاب المتدينين من الخدمة العسكرية.
وتعد مشاركة "الحريديم" بالجيش من أكثر المواضيع حساسيةً وإثارةً للتوتر بإسرائيل، إذ يعارض العلمانيون إعفاء اليهود المتدينين من التجنيد.
ومؤخراً كشف الجيش عن خطط لإضافة وقت إلى شروط الخدمة الإلزامية للمجندين وتأخير تقاعد بعض جنود الاحتياط مع زيادة عدد أيام الخدمة الإلزامية التي سيكون عليهم القيام بها سنوياً، الأمر الذي أثار جدلاً سياسياً واسعاً وصل صداه إلى الشارع.
وشارك مئات الإسرائيليين الإثنين، في مظاهرة احتجاجية أمام المحكمة العليا في القدس، تزامناً مع انطلاق جلسات استماع بشأن المبررات الملزمة لليهود "الحريديم" بأن يخدموا في الجيش الإسرائيلي.
جدل كبير
وللأحزاب الدينية اليهودية ثقل في الحكومة الإسرائيلية، حيث من شأن انسحابها أن يسقط الحكومة حتماً، لذلك يسعى نتنياهو في سياساته لإرضائها.
لكن تمسك هذه الأحزاب بشرطها التقليدي المتمثل في إعفاء أعضائها من التجنيد بالجيش مقابل دعمها للحكومة عاد للنقاش، لا سيما مع تواصل الحرب على غزة والخسائر البشرية الكبيرة الناجمة عنها.
ومنذ سنوات هناك محاولات متكررة لسنّ قانون لتجنيد المتدينين لكن يتم تأجيله، وأحد الشروط التي وضعها حزبا "شاس" و"يهودوت هتوراه" على نتنياهو للانضمام إلى الحكومة هو منع سنّ هكذا قانون.
ولحزبي "يهودوت هتوراه" و"شاس" 18 مقعداً بالكنيست من أصل 64 صوتاً داعماً للحكومة الحالية.
ويلزم الحصول على ثقة 61 عضو كنيست على الأقل من أجل ضمان بقاء الحكومة، ما يشير إلى التأثير المحتمل لمغادرة الأحزاب الدينية للحكومة.
واستناداً لمعطيات إسرائيلية رسمية فإن اليهود المتدينين يشكلون 13% من السكان، وهم بتزايد مستمر؛ نظراً لمعدلات الإنجاب الكبيرة بأوساطهم.
والتجنيد بالجيش إلزامي على كل إسرائيلي وإسرائيلية يبلغ من العمر 18 عاماً، لكن المتدينين اليهود معفون "لتكريس وقتهم لدراسة التوراة".
نتنياهو يناور
نتنياهو قال في مؤتمر صحفي الخميس: "يجب علينا الاستمرار في هذه الوحدة لتحقيق الانتصار المطلق. وبهذه الروح لدي قناعة بأننا قادرون على التغلب على قضية تقاسم العبء والتجنيد".
وأضاف: "بشأن التجنيد، إنني أثمن عالياً دراسة التوراة من قبل أشقائنا الحريديم، وأعترف وأثمن كذلك بتجنيدهم لمنظمات الطوارئ والإغاثة الأهلية التي تؤدي عملاً مقدساً".
واستدرك: "لكن على هذا الجانب، يجب علي القول أيضاً إنه لا يمكن تجاهل الشعور السائد لدى الجمهور بوجود فجوة في تقاسم عبء الأمن".
وتابع نتنياهو: "وأقول لكم شيئاً آخر، لقد بات جمهور اليهود الحريديم يعترف بهذه الحاجة أيضاً، وهو مستعد لتغيير الوضع".
وأردف: "لذا نحدد أهدافًا لتجنيد الحريديم لصفوف الجيش وللخدمة المدنية، وسنحدد كذلك طرق ضمان تحقيق هذه الأهداف. ويمكن التوصل إلى هذه التسوية دون تقسيم الشعب ودون التحريض على أي جمهور".
وبدا نتنياهو في تصريحاته وكأنه يرد على وزير الدفاع يوآف غالانت الذي دعا الأربعاء، في مؤتمر صحفي إلى "إنهاء الإعفاءات من الخدمة العسكرية لأفراد المجتمع الحريدي" وفق موقع "تايمز أوف إسرائيل".
وقال غالانت: "نعتز ونقدّر أولئك الذين يكرسون حياتهم لتعلم التوراة، ومع ذلك بدون وجود مادي لا وجود روحي. تثبت التحديات الأمنية التي نواجهها أنه يجب على الجميع أن يتحملوا عبء الخدمة".
وأضاف: "لتحقيق أهداف الحرب، وللتعامل مع التهديدات القادمة من غزة ولبنان والضفة الغربية، والاستعداد للتهديدات الناشئة من الشرق، نحتاج إلى الوحدة والشراكة في القرارات المتعلقة بمستقبلنا".