انتهت زيارة رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، إلى المغرب بتوقيع مجموعة من الشراكات في إطار النفس الجديد الذي تعرفه علاقة الرباط بمدريد، منذ دعم هذه الأخيرة لمقترح الحكم الذاتي.
في هذا التقرير، يرصد "عربي بوست" أهم الملفات التي بسطتها زيارة بيدرو سانشيز إلى المغرب، بما فيها العلاقات التجارية، والأمنية، وتدارس تنظيم كأس العالم 2030.
الهجرة وتهريب المخدرات
بين أبرز الملفات التي ناقشها رئيس الوزراء الإسباني، الذي استقبله الملك محمد السادس، حسب وسائل إعلام إسبانية، ملف مكافحة الهجرة الشرعية من دول جنوب الصحراء.
وتعتبر إسبانيا نفسها بوابة أوروبا باعتبارها الأقرب للقارة الأفريقية، والمغرب يلعب دور الحارس للحدود الشمالية للمملكة، والتي تنشط فيها عمليات الهجرة السرية وتهريب المخدرات.
وسلّط سانشيز الضوء على "التعاون الممتاز" بين المغرب وإسبانيا في مكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب المخدرات والإرهاب، بالإضافة إلى التبادلات التجارية.
ولم يفت رئيس الحكومة الإسبانية التطرق لمشكلة إغلاق الحدود بين المغرب ومدينتي سبتة ومليلية؛ حيث أكد أن عملية "التطبيع الجمركي" في سبتة ومليلية مستمرة في التقدم.
ولم يحدد رئيس الوزراء الإسباني، حسب ذات المصدر، موعداً لفتح جمارك مدينتي سبتة ومليلية، لكنه أشار إلى أنه على الجانب الإسباني "كل شيء جاهز"، فيما يستكمل المغرب الاستعدادات.
ومن بين الملفات التي وضعت على طاولة النقاش، خلال زيارة سانشيز للمغرب الملفات الأمنية، خصوصاً تلك المتعلقة بمكافحة التهديدات التي يُشكلها الإرهاب وشبكات الجريمة المنظمة بمنطقة غرب البحر الأبيض المتوسط.
واتفقت كل من الرباط ومدريد على تعزيز سبل مواجهة الأنشطة الإجرامية المتعلقة بالاتجار بالبشر والتهريب الدولي للمخدرات والمؤثرات العقلية، بالإضافة إلى تعزيز آليات وقنوات تبادل المعطيات العملياتية ذات الصلة بالشأن الأمني.
وقال رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، في المؤتمر الصحفي في نهاية زيارته إلى المغرب، إن العلاقة بين البلدين هي "الأفضل منذ عقود".
وأشاد بيدرو سانشيز بالقرار الإسباني الذي دعم سنة 2022 مقترح الحكم الذاتي الذي يُقدمه المغرب لإنهاء نزاع الصحراء مع جبهة البوليساريو الانفصالية.
استثمارات بقيمة 45 مليار يورو
وكشف رئيس الوزراء الإسباني خلال زيارته للمغرب أن العديد من الشركات الإسبانية تشارك في مشاريع مهمة وبشكل أساسي في مجالات مثل البنية التحتية للنقل، والطاقة المتجددة، وإدارة الموارد المائية.
وبلغة الأرقام، قال بيدرو سانشيز إن "الاستثمارات الإسبانية في المغرب، بلغت حوالي 45 مليار يورو حتى عام 2050".
الخبير الاقتصادي عبد الرزاق الهيري، قال إن الاستثمار الإسباني في المغرب فتح آفاقاً استثمارية واعدة، خاصة أن "إسبانيا تحتل المرتبة الثالثة من حيث الاستثمارات الإجمالية المحققة والمنجزة بالمغرب.
25 سنة القادمة من التدبير الجيد لهذه الاستثمارات، كافية لإرساء بنية تحتية قوية تمكن المغرب من تحقيق التحول الاقتصادي والاجتماعي الذي ينشده في نموذجه التنموي".
وأضاف الهيري في حديثه لـ"عربي بوست" أنه من المتوقع أن تذهب الاستثمارات الإسبانية المرتقبة، بالإضافة إلى قطاعات البنية التحتية من طرق وبنيات اقتصادية، إلى "قطاع النقل والرقمنة والبنيات التكنولوجية، من أجل إنجاح تنظيم تظاهرات رياضية وجذب استثمارات واعدة".
استثمارات سانشيز في المغرب تغضب المعارضة
أثار رقم 45 مليار يورو غضب بعض المعارضين لسياسة "سانشيز"؛ حيث طالب رئيس مليلية خوان خوسيه إمبرودا الخميس الماضي بـ 1٪ من 45 مليون مليار يورو للمدينة المتمتعة بالحكم الذاتي.
وفسّرت وسائل الإعلام الإسبانية هذه الاستثمارات، كون مدريد ستخصص هذا المبلغ من المال العام للاستثمارات في المغرب، لكن وزير النقل والتنقل المستدام أوسكار بوينتي نفى هذا التفسير.
وأوضح أن "من سيستثمر 45 ألف مليون في بنيته التحتية هو المغرب، ومن يختار هذه العقود هي شركاتنا، وبعبارة أخرى، فهي مبادرة تمولها الحكومة المغربية حصرياً، ولكن مع إمكانية مشاركة الشركات الإسبانية".
ونظراً للقراءة الخاطئة لتلك الاستثمارات، فقد أوضحت مصادر حكومية، أن هذا الرقم يتوافق مع الاستثمارات المغربية، التي تمت مناقشتها بالفعل في الاجتماع رفيع المستوى بين إسبانيا والمغرب.
ووقع رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز مع نظيره المغربي عزيز أخنوش 19 اتفاقية سنة 2023 للتعاون بين البلدين في مجالات مختلفة من أجل تعزيز "شراكتهما الاستراتيجية".
وكان البلدان قد أبديا اهتمامهما بزيادة الاستثمارات الإسبانية في المغرب ووقعا بروتوكولاً مالياً بقيمة 800 مليون يورو لتسهيلها، فيما لدى الحكومة المغربية خطط لتطوير البلاد باستثمار قدره 45 ألف مليون يورو حتى عام 2050، يشمل مجالات تتصدر فيها إسبانيا بشكل كبير.
وأضافت المصادر عينها أن الهدف هو زيادة عدد الشركات الإسبانية العاملة في المغرب والاستفادة من فرص الاستثمار القائمة، خاصة في مجالات السكك الحديدية ومعالجة المياه.
فتح الحدود.. الحلقة الناقصة
أثار غياب الوضع الاقتصادي بمدينتي سبتة ومليلية عن أجندة زيارة رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، إلى المغرب، غضباً وانتقادات من طرف سياسيين ونقابيين بالمدينتين المحتلتين.
وبالرغم من إعلان "سانشيز" أنه سيتم "قريباً" عقد اجتماع بين الحكومتين لـ"توضيح الأنظمة الجمركية"، كخطوة أخيرة لفتح هذه المكاتب الجمركية البرية مع المغرب، إلا أن هذا التصريح لم يجد آذاناً مصدقة، خاصة أن الرئيس الإسباني أشار إلى أنه على الجانب الإسباني "كل شيء جاهز"، فيما يستكمل المغرب الاستعدادات، مما اعتبره البعض تماطلاً.
أحد هذه الأصوات رئيس اتحاد أرباب العمل في مليلية "CEME-CEOE"، إنريكي ألكوبا؛ حيث اعتبر أن زيارة سانشيز الأخيرة للمغرب كانت "مخيبة للآمال".
واعتبر المصدر نفسه أن عدم مناقشة إمكانية فتح المعابر الحدودية مع مليلية، وفتح جمارك جديدة في سبتة خلال الاجتماعات التي جمعت بيدرو سانشيز بالملك محمد السادس من جهة، وبرئيس الحكومة عزيز أخنوش من جهة ثانية مخيب للآمال.وقال ألكوبا في حديثه لـ"أوروبابريس"، إنه "في الاجتماع الثنائي بين إسبانيا والمغرب يوم الأربعاء، لم تتم مناقشة أي من المواضيع التي تعتبر مهمة بالنسبة لسبتة ومليلية؛ حيث تم التطرق إلى قضايا مثل دعم إسبانيا للصحراء، وكأس العالم 2030، واستثمار 45 مليار يورو في البنية التحتية بالمغرب".