الاعتداء الجنسي والضرب والصراخ والحرمان من الطعام ونقص الرعاية الطبية والعذاب النفسي، هذه هي الحياة في معتقلات الاحتلال الإسرائيلي التي شهدتها أمينة حسين، وهو اسم مستعار لحمايتها من الملاحقة، وفق ما ذكره تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني، السبت 24 فبراير/شباط 2024.
فقد اختطفت قوات الاحتلال الإسرائيلي الأم الفلسطينية لثلاثة أطفال من مكان لجوئها في قطاع غزة، الذي مزقته الحرب في أواخر ديسمبر/كانون الأول، واحتُجِزَت الأم الفلسطينية لأكثر من 40 يوماً بأحد معتقلات الاحتلال الإسرائيلي، في ظروف لا يمكن تصورها.
يقول الموقع البريطاني إن أمينة حسين هي واحدة من مئات النساء والفتيات والرجال والشيوخ الفلسطينيين، الذين اعتقلتهم القوات الإسرائيلية الغازية طوال فترة الحرب على قطاع غزة.
وتحتجزهم قوات الاحتلال الإسرائيلي بمعزل عن العالم الخارجي، حيث يأخذهم الجنود الإسرائيليون إلى معتقلات الاحتلال الإسرائيلي في أماكن مجهولة دون تقديم أية معلومات عن مكان وجودهم. وكانت أمينة حسين واحدة من القلائل المحظوظين الذين تمكنوا من النجاة.
يستند التقرير التالي إلى مقابلة أجرتها مع موقع Middle East Eye، استرجعت فيه تجربتها المروعة في أحد معتقلات الاحتلال الإسرائيلي.
اختطاف النساء ونقلهم إلى معتقلات الاحتلال الإسرائيلي
بعدما نزحت أمينة عدة مرات في أقل من شهرين منذ بداية الحرب، شعرت بالارتياح عندما وجدت أخيراً مأوى مناسباً في وسط قطاع غزة. لكن أسوأ كابوس لها لم يبدأ بعد؛ إذ عقب أقل من شهر من الوصول إلى المدرسة الأخيرة، وصلت قوات الاحتلال الإسرائيلي.
تروي أمينة: "اقتحموا المدرسة بوحشية في الساعة 2:30 بعد منتصف الليل، وأمروا الجميع بمغادرة المدرسة، وهاجموا الجميع، وأخرج الجنود الأولاد وجرّدوهم من ملابسهم، وسحبوا جميع الرجال إلى الخارج في ثيابهم الداخلية، وبقينا هكذا حتى الساعة العاشرة صباحاً".
كما قالت: "ثم في حوالي الساعة الثالثة بعد الظهر، أمر الجنود النساء بأخذ أطفالهن والمغادرة، وأمروهن بالتوجه جنوب القطاع". وعندما بدأت النساء بالخروج من المدرسة أُوقِف بعضهن، وكانت أمينة بينهن.
أضافت الأم الفلسطينية: "طلب الجنود هويتي وأخذوني مع تسع نساء أخريات، ولم أعرف أياً منهن، وأشار إليَّ رجل ملثم ونادى الجندي على اسمي، وطلب مني الدخول إلى خيمة، بدعوى أنَّ هناك طبيباً يرغب في التحدث لفترة وجيزة".
من أجل تهدئة أطفالها أخبرتهم بأنها ستحضر لهم الطعام والماء من الخيمة، لكن عندما دخلت كانت ضابطة إسرائيلية تنتظرها في الداخل ولم يكن هناك أطباء، وأمرتها بخلع ملابسها، حتى ملابسها الداخلية، وخضعت للتفتيش من رأسها إلى أخمص قدميها.
أضافت أمينة: "عندما لم تجد أي شيء طلبت مني ارتداء ملابسي، واعتقدت أنهم سيطلقون سراحي، ثم شعرت فجأة بالجندي خلفي وهو يلصق مسدسه على ظهري ويصرخ في وجهي لكي أمشي، وأدخلوني إلى شاحنة كبيرة بداخلها نساء أخريات"، ثم انطلقت الشاحنة في رحلة طويلة.
"مرحباً بكم في إسرائيل"
فور وصولها إلى أحد معتقلات الاحتلال الإسرائيلي رأت مجموعة من الرجال الإسرائيليين. وقال أحدهم للنساء: "مرحباً بكم في إسرائيل".
روت أمينة: "شعرت بالصدمة والرعب من فكرة وجودي داخل أحد معتقلات الاحتلال الإسرائيلي في إسرائيل، وبدأت في الصراخ: ماذا عن أطفالي، ماذا سيحدث لهم، لا أستطيع أن أتركهم بمفردهم، ليس لديهم أحد، وشعرت أنني سأصاب بالجنون".
ثم نُقلِوا إلى ما يبدو أنه مركز احتجاز. وهناك رأوا مجموعة من الشباب الفلسطينيين، تتراوح أعمارهم بين 30 أو 40 عاماً تقريباً، يجلسون في البرد ولا يرتدون سوى معطف مختبر خفيف.
قالت أمينة: "وضعونا في حافلة، وأجبرونا على الجلوس وأجسادنا منحنية، وإذا حركت رأسي أو عدّلت جسدي صرخت جندية وضربتني بسلاحها، وكانت تشتمني وتركلني".
كما تابعت: "ثم نقلونا إلى حافلة أخرى، حيث أعطوني أخيراً رشفة من الماء، مجرد رشفة من الماء، وكان أول شيء نأكله أو نشربه خلال 24 ساعة منذ أن أخذونا من المدرسة. وظللت أخبر الجنود بأنني أعاني من السكري ومن ضغط الدم المزمن، لكنهم لم يهتموا".
التفتيش عراة
"في كل لحظة أثناء احتجازي في أحد معتقلات الاحتلال الإسرائيلي، وكلما نُقِلنا من موقع لآخر، كنا نُجرَّد من ملابسنا للتفتيش، وكان الضباط يضعون أيديهم في صدري وداخل سروالي. وكانوا يضربوننا ويركلوننا، وإذا صدرت منّا أية حركة أو صوت يصرخون علينا لنصمت". وعندما انتهى الجنود من تفتيش أمينة في تلك الغرفة لم يعيدوا لها ملابسها.
قالت أمينة: "لقد كان تعذيباً محضاً، كان الجنود انتقاميين جداً وعنيفين للغاية وغاضبين، لقد كانوا يسيئون إليَّ بكل الوسائل، كان من الصادم رؤية النساء يسيئون معاملة نساء أخريات بهذه الطريقة، ونساء أخريات في نفس سنهن أو حتى أكبر، كيف يمكنهن فعل ذلك؟".
تأتي شهادة أمينة عن الانتهاكات التي تعرضت لها في الوقت الذي أعرب فيه خبراء الأمم المتحدة، الأسبوع الماضي فقط، عن قلقهم إزاء تقارير عن اعتداءات جنسية تعرضت لها النساء والفتيات الفلسطينيات على يد الجنود الإسرائيليين في معتقلات الاحتلال الإسرائيلي.
حيث قال الخبراء: "ورد أنَّ اثنتين على الأقل من المعتقلات الفلسطينيات تعرضن للاغتصاب، بينما ورد أنَّ أخريات تعرضن للتهديد بالاغتصاب والعنف الجنسي". وأشار الخبراء إلى أنَّ المعتقلات تعرضن "لمعاملة لا إنسانية ومهينة والضرب المبرح، وحرمان من فوط الدورة الشهرية، والطعام والدواء".
أقفاص واستجوابات لا تنتهي
في نهاية المطاف نُقِلت أمينة حسين إلى غرفة صغيرة مع النساء الثماني الأخريات المحتجزات معها، بالإضافة إلى أربع أخريات في أحد معتقلات الاحتلال الإسرائيلي.
وُضِعت السيدات الـ13 جميعهن في غرفة صغيرة مظلمة، تشبه أقفاص الحيوانات، وفقاً لأمينة. وقالت: "كانت هناك مراتب رقيقة في الأقفاص مع بعض البطانيات، لكن بدون وسائد، كان الأمر أشبه بالنوم على الأرض الباردة، وبقينا مكبّلي الأيدي طوال الوقت".
أضافت: "كانت المراحيض كلها قذرة، لدرجة أننا خشينا أن نمرض بمجرد استخدامها، ولم تكن هناك مياه جارية، لديك زجاجة مياه واحدة فقط مخصصة للشرب والاغتسال".
تابعت أمينة: "بالنسبة للطعام، كانوا يجلبون كمية صغيرة كل يوم لا تكفي لشخص واحد، بالكاد كان لدينا أي طعام، وكان من الصعب للغاية تدبر أمرنا بدون طعام وماء، وبدون ملابس وبطانيات".
أمضت مجموعة النساء 11 يوماً في أحد معتقلات الاحتلال الإسرائيلي، التي أُخِذَت خلالها أمينة للاستجواب مرتين، وهي تجربة لا تقل صدمة عن الحبس. وأضافت: "ظل الجنود يهددون بإيذاء أطفالي، ويصرخون في وجهي قائلين إنَّ لم أقل الحقيقة فسوف يعذبون أطفالي ويقتلونهم".
تابعت: "خلال التحقيق معي ربطوني على كرسي، ووقفت بجانبي مجندة، ظلت ترفسني وتدفعني بسلاحها حتى أردّ كما يجب". وبعد المعاناة في مركز الاحتجاز المجهول لمدة 11 يوماً نُقِلَت أمينة حسين مرة أخرى، وهذه المرة إلى السجن.
العودة بعد أكثر من 40 يوماً من العذاب
في اليوم الثاني والأربعين في السجن حان وقت العودة إلى المنزل أخيراً. قالت أمينة: "سرق الجنود مني كل شيء، ولم أستردَّ أموالي أو أياً من متعلقاتي"، لكن عند هذه النقطة اعتقدت أمينة أنَّ الجزء الأسوأ قد انتهى، لكنها تفاجأت بأنَّ طريق الخروج كان مؤلماً مثل الطريق إلى الداخل.
قالت أمينة: "بعد رحلة استغرقت ثلاث ساعات نُقِلنا إلى غرفة أخرى كبيرة، وهناك أزالوا غطاء عيني، ورأيت مجموعة من النساء الفلسطينيات عاريات. وكانت المجندات يركلنني ويطلبن مني خلع ملابسي، وعندما رفضت ظلت مجندة تركلني وتضربني، وواصل الجنود الدخول والخروج من الغرفة بينما كنا نخلع ملابسنا".
تمكنت مجموعة النساء أخيراً من ارتداء ملابسهن مرة أخرى قبل إطلاق سراحهن، لكن قبل صعودهن إلى الحافلة مباشرة تقول أمينة إنَّ صحفياً إسرائيلياً جاء يحمل كاميرا لتصوير المشهد، وصوّر وجه أمينة.
تقول أمينة: "طلب مني جندي أن أقول أمام الكاميرا: كل شيء على ما يرام، ففعلت ذلك. وحالما انتهى الصحفي من التصوير دفعوني إلى داخل الحافلة، وأنزلونا عند معبر كرم أبو سالم، وحين التفتّ إلى الجندي لسؤاله عن أمتعتي ومالي قال: اهربي، اهربي فحسب". وأضافت: "ثم ركضت مع جميع النساء الأخريات".