كشف تقرير جديد أنَّ مئات الأشخاص، ممن لهم حق اللجوء في بريطانيا، بما في ذلك أطفال وضحايا اتجار بالبشر وتعذيب، أُدينوا وسُجنوا لوصولهم إلى المملكة المتحدة على متن قوارب صغيرة؛ وذلك وفق ما نشرت صحيفة صحيفة The Guardian البريطانية في تقريرها يوم الأحد 25 فبراير/شباط 2024.
اللجوء في بريطانيا.. معوقات وقضايا
التقرير قال إن هذه الملاحقات القضائية أُغفِلَت إلى حد كبير، على الرغم من أنَّ قضية المراهق السنغالي إبراهيما باه سلطت الضوء على هذا الملف. وقد حُكِم عليه بالسجن لمدة تسع سنوات وستة أشهر بعد إدانته بأربع تهم بالقتل غير العمد وواحدة بتسهيل خرق قانون الهجرة، بعد قيادة زورق مكتظ واجه صعوبات؛ مما أدى إلى غرق أربعة أشخاص على الأقل.
وتناول التقرير، الذي يحمل عنوان "لا شيء اسمه العدالة هنا- No Such Thing as Justice Here"، الصادر عن مركز علم الجريمة بجامعة أكسفورد وشبكة علم جرائم الحدود البحثية، حالات الأشخاص الذين سُجنوا بسبب وصولهم على متن "قارب صغير" منذ دخول قانون الجنسية والحدود لعام 2022 حيز التنفيذ.
استند التقرير إلى مزيج من حضور أكثر من 100 جلسة استماع في المحكمة وطلبات حرية الحصول على المعلومات والمقابلات مع المحامين وطالبي اللجوء المدانين والمترجمين الفوريين.
وساهم في إعداد التقرير المنظمات غير الحكومية شبكة حقوق الإنسان وCaptain Support UK والدعم القانوني للاجئين.
طالبو اللجوء في بريطانيا يواجهون السجن
وجد التقرير أنَّ الملاحقات القضائية لم تكن بمثابة رادع لعبور القناة الإنجليزية، داعياً إلى وضع حد لتجريم الأنشطة على الحدود.
بين يونيو/حزيران 2022 وأكتوبر/تشرين الأول 2023، أُدين 253 شخصاً بموجب المادة 24 من قانون الهجرة لعام 1971 بتهمة الدخول غير القانوني وسبعة بموجب المادة 25 من هذا القانون بتهمة تسهيل الدخول إلى بريطانيا. ووفقاً للتقرير، فإنَّ الأشخاص المستهدفين للمحاكمة كانوا إما سائقي قوارب مثل باه أو لديهم تاريخ من محاولات الهجرة في المملكة المتحدة مثل تقديم طلب تأشيرة سابق.
وفي يونيو/حزيران 2022، وسَّع قانون الجنسية والحدود نطاق الجرائم الجنائية المتعلقة بالوصول غير القانوني إلى المملكة المتحدة. وأُدرِجَت جريمة "الوصول غير القانوني" وعقوبتها القصوى هي أربع سنوات، ووُسِّعَ نطاق جريمة "تسهيل العبور" مع زيادة العقوبة القصوى من 14 سنة إلى السجن مدى الحياة.
وفي عام 2022، أُلقِي القبض على شخص واحد من كل 10 قوارب لدوره المزعوم في توجيه القارب، وارتفع هذا الرقم في عام 2023 إلى واحد لكل سبعة قوارب.
وكان من بين المعتقلين أشخاص من بلدان ذات معدلات منح لجوء مرتفعة، بما في ذلك السودان وجنوب السودان وأفغانستان وإيران وإريتريا وسوريا.
هل تنتهي ملاحقات طالبي اللجوء في بريطانيا؟
في حين يُدان الأطفال، الذين تختلف وزارة الداخلية البريطانية بشأن تعريفهم على أنهم أطفال أم بالغون، باعتبارهم بالغين بارتكاب جرائم "الوصول غير القانوني" و"تسهيل العبور" إلى بريطانيا لدورهم المزعوم في توجيه القوارب عبر القناة الإنجليزية.
وحددت شبكة حقوق الإنسان 15 طفلاً متنازعاً على أعمارهم، الذين تعاملت الحكومة البريطانية معهم خطأ باعتبارهم بالغين، بعد تقييمات عمرية أجرتها وزارة الداخلية ووجهت إليهم اتهامات بهذه الجرائم الجديدة، وقضى 14 منهم وقتاً في سجن البالغين. وتعتقد الشبكة أنه من المحتمل أن يكون هناك المزيد من مثل هذه الحالات.
وحتى الآن، تأكد أنَّ خمسة منهم أطفال، ويُنتظَر نتائج التقييمات العمرية للآخرين. وغالبية هؤلاء الشباب المتنازع على أعمارهم، لتحديد ما إذا كانوا بالغين أم أطفالاً، هم من السودانيين أو جنوب السودان، الذين سافروا إلى المملكة المتحدة عبر ليبيا.
وقال لاجئ من السودان يسمى إبراهيم، الذي حُكِم عليه بالسجن ما يقرب من 15 شهراً بتهمة الوصول غير القانوني وتسهيل العبور، بعدما حددت السلطات أنَّ "يديه كانتا على دفة المركب" وأخبرته أنها ستعتقله: "قلت لهم: لا، أنا لست مذنباً. إذا كنت مذنباً، فالجميع كذلك، كل الأشخاص الثلاثين أو أكثر الذين كانوا على متن القارب. أنا أضحك عندما يتحدث الناس عن العدالة في المملكة المتحدة، وعن حقوق الإنسان. لا يوجد شيء اسمه عدالة هنا".
جدير بالذكر، أن الفنادق المستضيفة لطالبي اللجوء ببريطانيا، قد تحولت، إلى بؤر شحن للكراهية ضد اللاجئين خاصة في المدن النائية، وهدفاً لجماعات اليمين المتطرف، بسبب سياسات الحكومة وجشع ملاك الفنادق.
مجلة The Times البريطانية عرضت نموذجاً لمشكلة الفنادق المستضيفة لطالبي اللجوء ببريطانيا عبر فندق يدعى "Chatsworth" ويعد واحداً من أربعة فنادق متدنية المستوى في مدينة "سكيغنيس" الساحلية الإنجليزية التي تقع في شرق البلاد.
وعلى الرغم من كونه ملاذاً غير مثالي لأي شخص، حسب وصف تقرير للصحيفة، يستضيف الآن أكثر من 200 طالب لجوء من دول مختلفة -من بينها سوريا وإيران وإريتريا- وهو ما أثار غضب العديد من السكان المحليين، فضلاً عن كونه تجسيداً لما يشوب نظام الهجرة البريطاني من اختلالات وظيفية.
في انتظار رد السلطات البريطانية على طلبات اللجوء التي قدموها، يجلس هؤلاء الشباب خارج فنادق إقامتهم، يدخنون، يمرحون ويشربون الشاي بينما يفتقرون إلى ما يكفي من المفردات للتحدث باللغة الإنجليزية، وفقاً للصحيفة.
كيف نشأت ظاهرة الفنادق المستضيفة لطالبي اللجوء ببريطانيا؟
كانت المملكة المتحدة قد تلقت 72.027 طلب لجوء في سبتمبر/أيلول عام 2022، جميعها تقريباً ممَّن وصلوا إلى بريطانيا على متن قوارب صغيرة عبرت القنال الإنجليزي، وهو أكثر من ضعف عدد الطلبات المقدمة في عام 2019. لا يوجد ما يكفي من الوحدات السكنية المدعومة لإيواء كل هؤلاء الأشخاص. لذا، قررت الحكومة اللجوء إلى الفنادق الرخيصة خاصة في المدن الصغيرة للتعامل مع وضعٍ وصفته بالطارئ.
لكن الوضع الطارئ تحوَّل سريعاً إلى واقع طويل الأمد. يقضي طالبو اللجوء أسابيع وشهوراً في ما يُفترض أن يكون سكناً مؤقتاً طارئاً. ارتفع عدد المقيمين في هذا النوع من أماكن الإقامة خلال جائحة كوفيد-19 من 2.577 في مارس/آذار 2020 إلى 37.142 في سبتمبر/أيلول 2022، وتفيد تقارير أنَّهم يشغلون ما يزيد عن 200 فندق.
لا يزال موقع وزارة الداخلية البريطانية يدَّعي أنَّ طالبي اللجوء سوف يتلقون عادةً رداً بشأن طلبهم في غضون 6 أشهر. لكن وجد تقرير صادر عن مجلس اللاجئين (Refugee Council) في عام 2021 أن متوسط صدور قرار مبدئي في طلب اللجوء يستغرق ما بين سنة إلى ثلاث سنوات.
قالت مارغريت روش، التي تدير مؤسسة "Share Knowsley" الخيرية، التي تساعد طالبي اللجوء المقيمين في فندق "Suites": "من الشائع بالنسبة لنا وجود شباب ينتظرون أكثر من عامين حتى تحديد موعد إجراء المقابلة معهم. هذا استنزاف معنوي. نشاهد حالتهم النفسية تتدهور أمام أعيننا".